تحولت الساحة المغربية إلى ملعب كبير تتقاذف فيه الأرجل بالونات الاختبار ، لجس نبض الشعب (باش إلا سولتيهم يقولو ليك مازال ما درنا في الطجين ما يتحرق) حول الإجراءات الدرامية التي تنتظره وخصوصا منها تلك التي فرضها صندوق النقد الدولي والمتعلقة بإلغاء مجانية التعليم والصحة بالإضافة إلى إغلاق أبواب الوظيفة العمومية والحد من التشغيل ، فالمغاربة بالنسبة إلى هذه السلطة المستبدة ليسوا إلا فئران تجارب (كيجربوا فيهم كلشي). والواقع أنه منذ أن دخل المغرب غرفة عمليات المنظمات الإجرامية النقدية العالمية وهو (مبنج) يخضع لمبضع الجراح الذي يقتطع ويجر كل الوظائف الموكولة للدولة إلى درجة أن الحكومات المتعاقبة ( اللي عمرها ما تعاقبت ولا تحاسبت على فعايلها ضد المغاربة) لم تعد سوى منفذ مطيع وأمين للتعليمات الدولية فاقدة بذلك كل استقلالية في القرار ، واكتفت بدور المتفرج تارة وبدور الكومبارس تارة أخرى في فيلم رعب عالمي رأسمالي متوحش لا يقوون على مجابهته أو مناقشة تفاصيله بالرغم من العواقب الخطيرة على بلاد تهدر كرامة مواطنيها بالتخلي عن مقومات الكرامة الإنسانية من تعليم عصري وصحة وشغل وحقوق، فماذا سيتبقى للمواطن المغربي المسحوق إذا ضاعت هذه المكتسبات على رداءتها ومحدوديتها ، وإذا تخلت الدولة تماما عن أدوارها واكتفت بدور المتفرج على معاناة شعب بأكمله . حين قادت السياسات العمياء المغرب إلى إفلاس حقيقي في الثمانينيات ، فإنه لم يجد من علاج " سحري " سوى الارتماء في أحضان خوصصة المرافق العمومية وطرحها في المزاد العلني ، وحين لم يتعاف من الداء العضال ويقف على رجليه ، امتدت أنياب وحش الخوصصة إلى القطاعات الحيوية لكي تقوم الدولة ببيع التلاميذ والمرضى إلى القطاع الخاص المعروف بجشعه ونهمه وضربه عرض الحائط بكل الاعتبارات الإنسانية مقابل انبطاحه أمام سطوة المال، ولسان حال القطاع الخاص يقول" خاص الربح السريع ولهلا يقلب". وهاهي بالونات الاختبار حول تفويت التعليم للخواص تتعالى في الأجواء لجس النبض من جديد واختبار ردود الفعل الشعبية حول تفويت قطاع التعليم المريض أصلا بأوبئة متعددة تتعلق بالجودة واللوجيستيك أي بمنظومة تعليمية تتماشى مع روح العصر ، فمنذ عام 2008 تم إغلاق حوالي 2000 مدرسة عمومية بينها 135 مدرسة ابتدائية في المدن ( واقيلا تم تفويتها لأصحاب اللوتيسمات مثل الضحى وغيرها) مما نتج عنه اكتضاض التلاميذ داخل الحك الواحد (أكثر من 80 تلميذ) وهو ما يجعل التلقين مهمة شبه مستحيلة في ظروف غير صحية قروسطوية . لكن إغلاق المدارس لم يكن سوى تمهيد لتصفية المؤسسات التعليمية بأكملها وتفويتها على طبق من ذهب لسمك قرش الخواص الادمي المفترس، الذي يريد نهب اخر قرش من جيوب الكادحين. إنه القطاع الخاص الذي سيفترس مستقبلا نسبة خمسين في المائة من مدخول الأسر المغربية وهو ما سيجرها إلى متاهة استمرار التفقير المنهجي والعجز المطلق عن تغطية مصاريف أخرى يومية أو طارئة، وهو ما سيعمق من الأزمة التي يتخبط فيها المواطنون المغاربة بعد ان تخلت عنهم الدولة التي تحصد الضرائب دون توظيفها في المجالات الاجتماعية ، وهذا يعني أنهم أصبحوا كالأيتام في مأدبة اللئام .