في هذا البلد السعيد أو السعيد في نظر و عيون البعض على الأقل، مر على إعلان نتائج الانتخابات، وتعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى طبقا للدستور، أكثر من شهر ونصف و لم تشكل الحكومة بعد، بل الأكثر من هذا أن ما خرج من الأخبار في كواليس المشاورات تنذر بالأسوء، فبنكران " سخف " و هو يبحث عن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة و لضمان أريحية في البرلمان حيث يحصل على الموافقة من حزب التجمع في الصباح ينقلب عليه الإتحاد الإشتراكي في المساء " تاي اشد هذا وهرب ليه هذا بحال إلى مدهنين بالصابون البلدي ". في هذا البلد السعيد أيضا الفوز في الانتخابات لا يعني الفوز سياسيا بل يعني الدخول في نفق المفاوضات المظلم، المليء بالحفر، و الفخاخ، وهلم جرى من المعوقات حسب درجة "قصحية الراس" للبعض، و تقديم الدعم والمساندة و "تحريك الهواتف" للبعض الآخر. مع كل إنتخابات برلمانية كانت أو جماعية نعيش هذه المهزلة، لكن الأسئلة المطروحة هي ما سبب هذ " البلوكاج " ؟ هل للأمر علاقة بتقسيم كعكة الحقائب الوزارية؟ هل هو لوبي المصالح؟؟ و الدولة العميقة أم أن الأمر يتجاوزهم لما هو قانوني لنفهم ما يقع إليكم قصة طريفة في ظاهرها محزنة في العمق. في الانتخابات الجماعية الماضية سألني أحد الأصدقاء : كيف انتخبنا فلان ووجدنا شخص آخر مكانه، و لأني ألفت معه الضحك قلت له " ڭول التسليم " !!! إن المشكل عندنا يكمن في النظام الانتخابي الذي نتبع و هو مجموعة من التشريعات و القوانين المعمول بها و التي ينتج عنها انتخاب سياسي ممثل للشعب، كالبرلمان و مجلس المستشارين هنا المشكلة فنظامنا الانتخابي في ما يتعلق بنتيجة الإقتراع مدروس بعناية كل شيء فيه بمقياس لا مكان للخطأ، و المفاجأة " كلشي بلعبار" نحن نتبنى نظام الأغلبية النسبية و ليس الأغلبية المطلقة (سأوضح الفرق لاحقا) و عندما أقول نتبع فليس امتثال لنص دستوري و اضح غير قابل للتأويل مع العلم أنه حتى النصوص الدستورية قابلة للتغيير إذا تجوزت، بل امتثالا للعرف وإن شئتم الدقة للتحكم في المشهد السياسي وهنا مربط الفرس، فرزمة القوانين عندنا لسان حالها يقول لكل السياسين ذوي الضمائر الحية اللذين اختاروا التغيير من داخل المؤسسات لسان حالها يقول لهم " ارى مات تجريو معدنا الضيق " تتحقق الأغلبية النسبية لحزب معين إذا حصل على أعلى نسبة من المقاعد في الانتخابات مقارنة بكل منافس له على فحين يتصدر حزب ما نتائج الانتخابات البرلمانية، مع أنه حصل على أقل من 50% من المقاعد، فإنّه عندئذ يكون قد حصل على الأغلبية التي تُؤهله لقيادة الحكومة، لكنه يحتاج إلى تحالفات لتوفير الأغلبية المطلقة التي هي شرط ضروري لتشكيل الحكومة حيث هذه التحالفات عادة ما تُملي بعض الترضيات و التنازلات القاسية و أسلوب " يا لعب يا محرمها " و جعل الحزب الذي يقود الائتلاف يقوم بدور الإطفائي طول الولاية الحكومية مخافة فقدان الأغلبية، " و لمشاكل المواطنين الله " على الرغم من ان المدافعين عن نظام النسبية هذا يبررونه على أنه يتيح أوسع تمثيل ممكن للقوى السياسية و اتجاهات الرأي العام نعم هذا صحيح لكنه لا يصلح للدول التي تعيش فترة انتقالية في تجاه الديمقراطية الكاملة خصوصا عندما تكون الساحة السياسية فيها النزيه و المبدئي من اليسار و اليمين من جهة و "لي متاي احلل متاي احرم" من جهة أخرى فهؤلاء لأولئك " بحال لعصة فرويضة ". أما الأغلبية المطلقة فتعني الحصول على ما فوق نصف عدد الأصوات ولو بصوتٍ واحد (50%+1) حيث تمكن هذه الأغلبية حزب أو ائتلاف سياسي متجانس من تشكيل الحكومة بمفرده، ( الأغلبية عندنا هي 198 مقعد على الأقل ) و للقارئ أن يتساءل وهل حصل حزب على الأغلبية المطلقة ومنعه أحد؟ أقول إن الشيطان يكمن في التفاصيل قلت لكم في السابق أن كل شيء "محسوب مزيااان" إليكم " هذ التفوسخة " : - التقطيع الانتخابي حيث لمجلس النواب 395 مقعدا، حيث يتم انتخاب 305 منها عبر قوائم حزبية في 92 دائرة انتخابية موزعة عبر تراب المملكة، وانتخاب 90 مقعدا إضافيا من لائحة وطنية، و إذا سلمنا أن حزب ما غطى كل الدوائر الشيئ الذي يصعب تنفيذه، و فاز بنصف مقاعد كل دائرة و فاز بنصف المقاعد عن اللائحة الوطنية مع العلم أن هذا قريب من المستحيل في ظل واقع سياسي "مخدوم" من خلال تفشي المال الفاسد و ارتفاع الأمية وسط الناخبين و دور الأعيان، و تدخل بعض رجال السلطة، إذا سلمنا بهذه الفرضية فلن يصل حتى إلى 50% من الأصوات. - بالإضافة إلى اعتماد اللوائح الإنتخابية في التصويت بدل البطاقة الوطنية. - كثرة مكاتب التصويت و إشكال التغطية. - عدم تصويت مغاربة الخارج على الرغم من أن فصل كامل من الدستور( الفصل 17 ) خاص بهذه النقطة. - إشراف الداخلية بدل لجنة مستقلة. - " بلقنت " المشهد من خلال تخفيض العتبة. كل هذه الأمور تجعل الوضع تحت السيطرة. نؤمن بهذا الوطن ومؤسساته الدستورية لكن لا تجعل التراكم يجبرون على الكفر بهذا الأمل.