إن ما مر خلال السنوات الأخيرة في معظم الأوطان العربية كان عسيرا وثقيلا نتيجة تحولات اجتماعية كبيرة وأزمات قوية أحدثت رجات عنيفة لم تسلم منها إلا الدول الملقحة بمناعة ضد هذه الارتجاجات العالمية الخارجية منها والداخلية، فبعدما تسلل اليأس إلى قلوب بعض الشعوب وتسربلت بسربال الحزن والهم والقنوط بفعل إعلام موجه، ومكائد ودسائس الإخوة قبل الأعداء مصبوغة بلباس البراءة مرة وبلباس التغيير مرة أخرى وبواسطة وسائل التواصل الاجتماعي المدجنة، بهدف تحسين الواقع المعيشي وتحقيق الحرية والديمقراطية، فتغير المشهد إلى الأسوء وفهمت تلك الشعوب متأخرة بعدما لم يعد للفهم أهمية أنها كانت ضحية مؤامرات حيكت في ليل وببراعة قضت بها على نفسها بنفسها بعدما سلمتها للجلاد باسم الثورة أو الربيع، واضعة رؤوسها على مقصلة الإعدام منصوبة في ساحات مملوءة بالفوضى والخراب والدمار. أزمات لم تسلم منها إلا قلة من الدول من بينها المغرب، فبفضل حنكة وحكمة ملكه محمد السادس استطاع المغرب أن يعبر تلك المحن والعواصف التي اجتازت معظم الدول العربية، حكمة يطيب الحديث عنها ويطول، حكمة حصنت وطنا وأثثت مستقبلا بالأمل بعدما اهتزت دولا وما اهتز المغرب، وبعدما خرج الناس إلى الشوارع يلبسون موضة اللحظة ويرفعون شعارها، قرأ الملك كلامهم ونبض توجساتهم، وأعطى خيرا أكثر من توقعاتهم بكل ما في العطاء من كرامة ومن قيم ومعانٍ من خلال دستور متقدم أشاد به البعيد قبل القريب، ومرتبا الدولة وحاثا الحكومة على الإصلاح، ورافعا الدستور حكماً لكل قرار. وهي سمة حكم الملوك الكبار وبصمة من بصمات العظماء، ملك يسمع ويرى ويرصد حاجيات الوطن والمواطن في المدن والقرى، موجها العمل ومنكبا على الإصلاح، بتركيزه في كل خطاب من خطاباته على كيفية خلق الثروة والاهتمام بغير المادية منها وإصلاح القطاعات الاجتماعية والإنتاجية، وداعيا الحكومة إلى تخليق الإدارة وحكامتها، همه أن يجعل من هذه المملكة الشريفة في مقدمة الدول الصاعدة، فلم يترك مجالا وإلا وتطرق إليه ولا هما من هموم الشعب وأعطى توجيهاته لفكها وحلها، فبات بذلك المغرب بلدا آمنا ومستقرا ورائدا عالميا في مجالات كبيرة من الطاقات المتجددة إلى تركيب وصناعات السيارات والصناعات الميكانيكية والايروديناميكية، ومركزا على البنيات التحتية، خالقا بذلك لطفرة اقتصادية بإطلاقه لمشاريع كبرى بالرغم من قلة الموارد وندرتها. مشاريع عجزت دول مجاورة رغم قدراتها على تبنيها وجعلت من المغرب قوة إقليمية في المعادلات الدولية، في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة. ملك قريب من شعبه وعارف بمشاكله وسباق إلى حلها وتصحيح المعوج منها، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة وحضور قوي، سواء داخل حدود المغرب أو خارجه، في الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فشخصيته القيادية ومنهجيته الرائدة وأسلوبه وأفكاره التي استوحاها من خبرته في الحياة وتأمله فيها وتجاربه التي مر منها منذ ولايته للعهد، وتربيته في كنف ملوك عظماء رحمهم الله حيرت عبقريتهم العالم ولا زالت إلى الآن موضوع دراسات ومحاضرات، فتولدت حكمته إنسانية في أبعادها عميقة بأفكارها، وبليغة بأعماله وأقواله وأفعاله وثورية في أهدافها، أجمع الكثير عليها بعيدا عن المبالغة والثناء. فلا يجد ضيرا في أن يوجه الحكومة للإصلاح السياسي، ولا مناسبة إلا ودعا من خلالها إلى الإصلاح القطاعي، وما خطابه الأخير إلا خير مثال على ذلك، حكمة مستمدة من فكر جده المغفور له محمد الخامس وإصلاح مستمد من عبقرية والده الحسن الثاني طيب الله تراه، جسدها نبوغه وبصيرته وبصمته في تسيير شؤون المملكة الشريفة المتمسكة بتعاليم الإسلام السمحة التي ما ادخر جلالة الملك جهدا في نشرها في كل بقاع العالم أينما حل وارتحل بصفته أميرا للمؤمنين، موزعا المصاحف وبانيا للمساجد، ومدافعا في كل المحافل الدولية والإقليمية وجولاته الإفريقية عن الوحدة الترابية وعن تربص الأعداء والجيران بها فذلك ما تحتاجه الأوطان والشعوب، ولكن هل سيأتي يوم وتفكر فيه الطبقات السياسية في مصلحة الوطن وتستلهم حكمة الملك بعيدا عن الجدال السياسي والتطاحنات الحزبية والمصالح الشخصية خدمة للوطن والمواطن، وهل سيعي المسؤولون الإداريون أهمية وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم في رقي وازدهار هذا البلد وان الوطن قبل الجيب وان الواجب قبل الحق، وهل يعي المواطن دوره في بناء وطنه وحب بلده واستقراره بعيدا عن أي موجة أو توجيه يستغبيه، وأن المتربصون بهذا البلد كثر ذئاب في صورة أحمال، وأن الأوطان تبنى بسواعد بناتها وأبنائها.