لازلت أذكر أن المسودة الأولى للدستور المغربي المعدل قبل أكثر من عام،كانت تحمل فصلا يحمل جملة مفيدة جدا ، والجملة هي : "الملك مواطن " ، لكن أثناء التعديل والمراجعة تم حذف الفصل ، ولا ندري من وضعه ومن حذفه برغم ثورية النص وتقدميته ، وما كان سيحدثه من ثورة في مفاهيم الامارة والحكم والقيادة . وكما كان يحلو لأحمد الحليمي عندما كان وزيرا للاقتصاد الاجتماعي بحكومة عبد الرحمان اليوسفي ،أن يردد المقولة الفرنسية لالمطاردة الساحرات ، فاننا لن نتساءل عن عبقري او عباقرة المخزن الذين حذفوا هذا الفصل ، لكن اثباته في مشروع الدستور وحذفه من الدستور الرسمي له دلالات غنية على أكثر من صعيد . الجميع يدرك مدى ثقل المؤسسة الملكية بالمغرب ، وهو الثقل الذي بدأت تئن منه أكتاف المغاربة ، فالملك استطاع أن يحتفظ بكل سلطاته ، الناسوتية واللاهوتية ، واليه يعود شأن المغرب كله ، ولا يمكن لأحد ان يناقشه في شيئ ، وكأن لسان حاله يردد مقولة لويس الرابع عشر :أنا فرنسا وفرنسا أنا " "أنا المغرب والمغرب أنا ". وللأمانة العلمية والوطنية والتاريخية أجزم أن الطاقم الساهر_المستشارين_ على انتاج رموز الملكية بالمغرب ، والملوك بفعل السلط التي يراكمونها والمكانة التي يحظون بها ،تغدو كل ممارساتهم رموزا ، خاصة ونحن نعيش في مجتمع تقديسي ، يقدس كل شيئ ، الا الانسان كمواطن وكأخ .هذا الطاقم يجر المؤسسة الملكية بالمغرب الى الهاوية ، من خلال مجموعة من النتاجات الرمزية ، منها خطابات الملك ، وبعض القرارات السياسية ،وعلى رأسها هذه الاختراقات البسيطة لامارة المؤمنين ،كان آخرها صورة حسناوات بلجيكا امام المعلمة الدينية الكبرى بالدارالبيضاء _مسجد الحسن الثاني _ كما أن أن ترأسه المجلس الأعلى للقضاء واصدار سائر الأحكام القضائية بالمغرب باسمه ، يعد خطأ قانونيا جسيما ، يتحمل فيه الملك كل الأخطاء القضائية ، خاصة في بلد تصدر فيه أحكام كثيرة بالهاتف . وتبقى ميزانية القصر من الشؤون السيادية ، برغم انها ترخي بظلالها على وضع اجتماعي متدهور ، وأسالت الكثير من المداد ،بعد كشف رقمها المهول ، واذا كانت ميزانية المغرب كبلد متخلف على جميع الصعد لا تتجاوز مائة مليار دولار ، تقتطع منها أكثر من 2،5 في المائة للقصر الملكي ، فان ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية تبلغ 15تريليون دولار ،أي 150 ألف مليار دولار ، بينما لا يتجاوز راتب الرئيس الأمريكي السنوي 4 آلاف دولار . وبعملية حسابية فان ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية تعادل ما يساوي 1500 أضعاف ميزانية المغرب ، ورغم ذلك فان راتب الملك الشهري يتجاوز بقليل راتب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وهو واقع صادم وغير منطقي ، وخارج مفهوم امارة المؤمنين ، ولا يدخل ضمن أي صيغة من صيغ الحكامة الرشيدة . العالم ومن ضمنه المغرب يجتاز مرحلة كسوف مالي واقتصادي صعبة ، كما انه يشهد صحوات اجتماعية غير متنبإ بنتائجها ، ونحن في المغرب نعيش أوضاعا اجتماعية خطيرة وجد متدهورة ، بينما نجد المؤسسة الملكية بعيدة عن هموم ومشاكل المغاربة ، بفعل ترهل النظام المخزني الخليفي كما وصفه الأمير الأحمر هشام العلوي . ان روح العصر تقتضي تضامنا بين جميع القوى الوطنية ، وتلاحم العرش والشعب يكون عبر اجراءات فعلية وميدانية واقعية ،وليس فقط عبر خطابات بلاغية أثيرية . الشعب المغربي يعد من أفقر الشعوب العربية ، بينما الملك يعتير من أغنى ملوك العالم ،ميزانية المغرب تعد من أضعف ميزانيات الدول العربية المشابهة له في الموارد الطبيعية والقدرات الاقتصادية والعدد السكاني ، لكن راتب الملك يعد من أقوى الرواتب ،انها حالة انفصام اقتصادي حادة وجب اعادة النظر فيها واصلاح أعطابها . عصر الشعوب يلزم كل الأنظمة العربية أن تعيد صياغة أبجديات حكمها ،وترشيد سياساتها ، لم تعد الهراوة تنفع في زمن الاستشهاد والتضحية ، كما أن الاختطافات والاعتقالات وتكميم الأفواه أصبحت من كلاسيكيات المعالجات السياسيةو الأمنية . ينبغي اذن التفكير بواقعية وعقلانية في صياغة عقد اجتماعي جديد ،يعيد النظر في توزيع الثروات بين جميع أبناء الوطن الواحد ، فروح العصر تتطلب اجراءات شجاعة لتجنب الأسوأ.