في احد محاضراته في جامعة واشنطن السياسية التي يلقي فيها تحفه الفكرية زائرا قال ويليام موري المؤرخ الامريكي لحوالي ألف طالب من جنسيات مختلفة " ...اننا بلد معقد التركيب , لنا مركبات نقص كثيرة امام التاريخ لذلك قررنا فجأة ان لا نرتكز على الاسس الحضارية التي يفتخر بها الجميع وأسسنا مبادئ جديدة غير مبنية على الثراث او الحقب الزمنية والتفاعل مع المحيط بل حتى حروبنا القديمة كانت اهلية , كانت بيننا لذلك نشعل الحروب في كل مكان لكي يحتفظ لنا التاريخ بنسق جديد في ركائز التاريخ ...زملائي الطلبة في الولاياتالمتحدةالامريكية الذي يصنع الحضارة شيئان لا يوجدان في كتب تاريخ الاخرين انهما الوقت والمال ...." صاحب الفقرة اعلاه له عدة كتب ومقالات يكفي الاطلاع عليها لتذهب عنا رجس الغرابة الساذجة التي صاحبتنا واعتلت تحاليل جل الكتابات الصحفية والتدخلات التليفزيونية , دونالد ترامب هو صورة نفسية لما يخالج الشعور الجماعي الامريكي من عدة جوانب وفي الوقت ذاته اعتبر ترامب تمثلا لتاريخ الولاياتالامريكية المبتور من اركانه على تعبير تشومسكي. ان بنية المجتمع الامريكي بنية متفردة التكوين والممارسة ولا يمكن دراسة اي نتيجة سياسية بمعزل عن اوعية التاريخ المتراكم في ذهنية اكبر انسان مستهلك في كافة المعمورة , ففي بلاد العم سام ومنذ الرئيس المرجعي ابراهام لينكون لم يدخل الى البيت الابيض الا الثقل السياسي التقليدي والطبقة السياسية الكلاسيكية والتي تعتبر تاريخيا عصامية الفرز والمنطلق , وفي كتابه اسباب الفقر العالمي اكد كوين وودز وفصل كيف تقاسم البنية السياسية بين قطبين يتفقان اكثر مما يختلفان , في متراس معقد من القوانين الذي يمنع ظهور اي حزب ينفلت من التقاليد والاعراف الامريكية , بل ويذهب وودز الى القول ان شركات الهوليدينغ تحمي صناديق الاقتراع وان في بلاد الحرية يتغير كل شئ من اجل ان لايتغير شيئ , فوز دونالد ترامب هو خروج عن نص مسرحية مقصود لكن مضمون المسرحية لن يتغير وفكرة التاليف ثابتة , فوز دونالد ترامب هو عقاب للسلطة التقليدية الامريكية بمختلف اجنحتها وبكل مجالاتها , بل هو حق رد شعبي عن كل قرارات الادارة الامريكية , ترامب ظاهرة صوتية قد يكون له هامش المناورة على المستوى الداخلي في تغير بعض المعالم الاجرائية في مجالات تخص الامن الداخلي والهجرة والسجون لكن علينا الا نغفل ان السياسة الجهوية المعتمدة على الولايات المستقلة تقلص هذا الهامش في مربع اقتراحي لا يفعل الا بقوة الشحن الشعبي , اما خارجيا فمن السطحية الانجرار وراء لغة الجسد الذي اصبح العرب يبرعون فيها لاستنطاق المستقبل في ان ترامب سيكون سبب خراب الشرق ادناه واوسطه واقصاه وكأني بان الوضع الماضي كان غير ذلك ....عجبا . ترامب اغبى بكثير مما نتوقعه , لا يملك لغة سياسية منظمة ويبني اطروحاته على الراديكالية العنيفة والتي يدعو اليها الاقتصاديون منذ تشكلوا في لوبيات التبغ بعدما لم يجد الهولنديون والبريطانيون مناجم الذهب الموعودة , ففي الولاياتالمتحدةالامريكية المال يسبق كل شيئ تماما كما سبقت سفن التجارة سفن القناصلة في اول الامر حين ثم اكتشاف بلاد الهنود الحمر , ترامب جاء لتحصين امريكا من المزيد من معاهدات السياسة ويعطي للاقتصاد كلمته المسموعة والتي فقدت في معاهدات الاسمراني اوباما والذي تبنى سياسة احترازية جعلت منه حاكما لا يسافر كثيرا , بل ولا يقرر كثيرا. خطابات ترامب العنصرية لم تركب في شخصيا عقدة الاستغراب لانه وببساطة يعبر عن الرأي السائد والاطروحة الشعبية التي يقول بها جل الامريكيين , الناس هناك يريدون طرد اللاثنيين وايقاف الكوطات التهجيرية للشباب العربي , الناس هناك يتمنون ازالة ايران ويعتبرون حماس ارهابية , الناس هناك يؤمنون بالاسلام كمصدر للارهاب, لهذا صعد ترامب لانه قال ما يفكر به الناس بطريقة لا دغل فيها , والشعب الامريكي ليس غبيا سياسيا بل هو شعب بارغماتي ينتخب على كل من يحافظ على قدرته الاستهلاكية والشرائية بعيدا عن البرامج الديبلوماسية , ان اللوبي الاقتصادي الامريكي بدا يفقد القوة الاستقطابية لرؤوس الاموال والقدرة الاستثمارية في مجالات خارج امريكا وكل هذا بسبب اخطاء السياسيين حسب دونالد ترامب نفسه. تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية يقول لنا اشياء كثيرة تجعلنا نفهم البنية اليوم , عقدة الهجرة والاستقطاب البشري يريد الاقتصاديون ايقافها , عقدة الصداقة الخليجية ايضا يريد الهوليدنيغيين التخلص منها , عقدة الحضارة يريد ترامب وزملائه في الشركات العالمية الامريكية التخلص منها بالعودة الى كلام البداية ....بالمال والوقت. في الولاياتالمتحدة لن يتغير شيئ سوى ان القرار سيصبح اقتصاديا بامتياز بعيدا عن ديبلوماسية السياسة , الناس يؤمنون ان كلومبوس هو من اكتشف امريكا ....لهذا فليتوقف بعض الناس عن التحليل وكأن ترامب دونالد هو من اكتشف امريكا