يعتبر التضامن سلوك يحدث في إطار العلاقة البشرية بغية الوصول إلى هدف معين، والتضامن كظاهرة اجتماعية يمتاز بشموليته لجميع الحياة بدءا بالحياة اليومية ووصلا للحياة الاقتصادية والسياسية، وهو في الحقيقة جوهر تكوين وبناء الحركات الاجتماعية عبر العصور لكن شكله يختلف من فترة لأخرى ومن مجتمع لآخر مما انعكاس على بناء ووظيفة ودور الحركات الاجتماعية في المجتمع وهذا ما يمكن تبيانه بصورة واضحة عند التعرض لتطور الحركات الجمعوية في المغرب عامة كنموذج لهذه الحركات. ونظرا لأهمية دور هذه الحركات ولاسيما الجمعيات في تحقيق التنمية المستدامة وتفعيل مختلف أشكال التضامن الاجتماعي "كما تحول إلى مقولة تمتلك قدرة على تحليل العديد من القضايا المجتمعية . وبرزت العديد من الأدبيات التي تهتم بتطورات والتغيرات الحاصلة في العالم العربي المعاصر ،ومنه المغرب الذي تبنى مفهوم المجتمع المدني كمفهوم تحليلي لما يطرأ على الساحة الاجتماعية والسياسية الراهنة ، كما تبناه كشعار لبناء مستقبل ديمقراطي"1" يمكن تحديد عدة تعريفات للتضامن من زوايا مختلفة: فقد يرمز التضامن إلى سلوك يحدث في إطار عالقة بشرية بغية الوصول إلى هدف معين فهو بذلك يمثل عالقة بشرية قائمة على القيم والمثل وتعطي هذه القيم شرعية السلوك التضامني وتحدد مدى استدامة الأهداف المراد تحقيقها. ومن أهم أهداف السلوك التضامني إصلاح وضع غير مرضي لأسباب مختلفة أو التغليب على تحدي ما يتعرض له الفرد أو مجموعة من الأفراد أو المجتمع ككل. على العموم يعتبر التضامن من المفاهيم المتشعبة نظرا لتناوله من مختلف التخصصات التضامن كحركة اجتماعية وهنا يبرز التضامن كقوة دافعة للحراك الاجتماعي من خلال إما قوى التلاحم أو قوى التقدم، فتشد قوى التلاحم الأفراد لبعضهم البعض في حياة مشتركة بما تتضمنه من عواطف وحماية الكيان الجماعي والوعي بالهوية الجماعية، أما قوى التقدم فتدفع الأفراد نحو العمل المشترك وتحقيق مصالح وأهداف حيوية بالنسبة للمجموعة. العدائية لكن قد توظف هذه القوى بالاتجاه المعاكس وتظهر في شكل قوة النفور وتعمل على تأجيج مشاعر العدائية . التضامن من المنظور السوسيولوجي: يمكن إرجاع السلوك التضامني إلى آراء بعض المفكرين الاجتماعيين أمثال ابن خلدون: والذي يرى في العصبية مصدرا للقوة والغلبة والتمكن من الحكم "2"، أما دوركهايم فيرجع تماسك المجتمعات وتوازنها إلى القيم والمعايير الاجتماعية المشتركة، فالا لمعيارية تسبب تفكك المجتمع وتفقد معنى الحياة الذي يمكن أن يؤدي إلى الانتحار مثلا عندما تكون شخصية الفرد هشة، ويمكن تمييز نوعان من أشكال التضامن من وجهة نظر دور كاليم التضامن الآلي والتضامن العضوي؛ فالتضامن الآلي قائم على التماسك الاجتماعي المبني على الفطرة وعلى المصلحة المشتركة وتقاسم الأدوار، أما العضوي فهو ارتبط بظهور الصناعة وبتقسيم العمل ونتج عن ذلك عدة أشكال للعالقات التضامنية "3" ويمكن أن يظهر التضامن في المجال السياسي والاقتصادي والأخلاقي : ففي المجال الاقتصادي نستطيع أن نميز بين المنافسة والتضامن حيث يبرز الأخير في شكل تبادل بين رجال الأعمال والمؤسسات وهو توجه تقوم عليه بعض اقتصاديات دول العالم على مستوى الشركات التضامنية والعائلية سواء كانت تجارية أو صناعية، أما التوجه الأخلاقي فينظر للتضامن كقيمة خلقية وهي في الحقيقة راسخة في عقيدتنا الإسلامية. فالقيم التضامنية لا تتوقف في شق معين بل تستمر باستمرارية النسق الاجتماعي داخل المجتمع والذي يغطي مجموعة من المكانيزمات التي تساعد البنية المجتمعية على تحول وتقدم مستمر ومنه: التّعليم: إنّ التعلُّم إرادة فرديّة تحتاجُ دعماً خارجيّاً من المُجتمع، أمّا التّعليم فهو يُشكّل منظومةً تشاركيه يقومُ بها المُعلّم والطّالب معاً، فيُفيد المعلّم الطّالبَ بعلمه، وهذا ما يظهرُ بوضوحٍ في استمرارِ ارتقاء التّعليم، ومُحاولة تقديم خدماتٍ أعلى وأفضل في المدارس والمعاهد والجامعات بأقلّ التكاليف على الطّلبة، كما يظهر ذلك أيضاً في مدى تضافر الجهود وتكامُلها؛ لتربية الأبناءِ في الأسرة والمدرسة فيما يُسمّى بمفهوم التّضامن. العمل التّطوّعيّ: إنّ العطاء والحماس هما ما يُميّزان سنّ الشّباب، فهم أفضلُ شريحةٍ قادرةٍ على دفع عجلة التطوّع نحو الإبداع في المجتمع، ممّا يُساهم في نهضة مجتمعاتهم في مختلف أمور الحياة، وتتوضّح أهميّة العمل التطوعيّ في إرساء قواعد التّعاون والتّعاضد في نفوس الشّباب، وذلك بإعلاء قيم الانتماء الوطنيّ لديهم، وتطوير مهاراتهم وقدراتهم عن طريق مشاركاتهم الفاعلة في مُختلَف الأنشطة المجتمعيّة، وتفعيل دورهم، وإعطائهم المجال لعرض آرائهم في الأمور العامّة، ولأجل ذلك كلّه يجب تشجيعهم على فعل الأعمال التطوعيّة، وإرساء ثقافة التطوّع في نفوسهم؛ لإعلاء المجتمع ونهضته، وتحقيق التّعاون. التّواصل الاجتماعيّ: يكون ذلك بالاتّفاق على نبذِ التفكُّك الأسريّ، والحفاظ على صلة الرّحم، وحقوق الجار، وإشاعة الأمانة، ومُشارَكة النّاس أتراحهم وأفراحهم؛ للحفاظ على هذه المجتمعات الصّغيرة المكوِّنة للمُجتمعات الكبيرة. "4" تفعيل دور المرأة: يُفعَّل دور المرأة في المجتمع عن طريق عملها داخل المنزل، أو باستثمار مؤسّسات المجتمع المدنيّ وقُدراتها في رفع مستوى المجتمع وارتقائِه؛ فقد أثبتت المرأة قدرتها وكفاءَتها في كثيرٍ من السّياقات، مثل: العمل الاجتماعيّ، والاقتصاديّ، والتعليميّ، والسياسيّ، وغيرها. رعاية المبدعين: إنّ المبدعين والموهوبين هم مصدر ثروة الوطن وسعادته، وهم روّاد الحاضر وقادة المستقبل، والقوة التي تدفع الوطن نحو الازدهار والتطوّر والبناء، ولأجلِ ذلك وجب أن يتعاون الجميع للاهتمام بهم، وتوجيه قدراتهم لبناء الحضارة وترسيخ القيم الوطنية داخل المجتمعات ومنه المغرب بطبية الحال. في الخلاصة يمكن ان نقول على التضامن هو مسؤوليّة تقع على عاتق الأفراد والجماعات كلٌّ حسب قدرته وحسب موقعه ودوره، والتخلّي عن التضامن إنما هو تخلٍّ عن روح الإنسانية، فهو رسالة للسامع مع البينية المجتمعية. المراجع: 1)عبد الله حمودي،المجتمع المدني ومنهج المقارنة ، ضمن وعي مجتمع بذاته:عن المجتمع المدني بالمغرب العربي،مؤلف جماعي تحت إشراف عبد الله حمودي ، البيضاء:دار توبقال للنشر ،ط1،1998،ص 65 . 2) محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون العصبية والدولة ،معلم النظرية الخلدونية في الفكر الإسلامي ، مركز دراسات الوحدة العربية Emile Durkheim ، Les Règles de la Méthode Sociologique " 3) 4) الشباب والعمل التطوعي"، معهد البحرين للتنمية السياسية ، 9-5-2010، اطّلع عليه بتاريخ 9-2-2017