لا أحد من المغاربة يروقه الوضع المتأزم للتعليم بالمغرب و الذي يؤكده بالملموس سواء الواقع أو التقارير الوطنية أو الدولية حول الموضوع. لقد بادر المغرب في السنوات الأخيرة الى القيام بعدة إصلاحات بدءا من الميثاق الوطني للتربية و التكوين مرورا بالمخطط ألاستعجالي ووصولا الى الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 لكن لحد الآن دون جدوى. تعد نقطة إزاحة الوزير الوفا عن حقيبة التربية الوطنية في التعديل لحكومي الأول لبن كيران و تنصيب الوزير بالمختار كوزير تقنوقراط و تفعيل المجلس الأعلى للتعليم نقطة مفصلية في الموضوع فهي إشارة واضحة على خروج التعليم من التدبير السياسي للحكومات الى تدبير وزير يتحكم في قراراته المجلس الأعلى للتعليم و لو انه قانونيا هو مجلس استشاري فقط. لقد عرفت الاربع سنوات الأخيرة خروج العديد من المذكرات و المشاريع و المراسيم و التي تروم في مجملها الى تنويع العرض التربوي و إعادة بناء مخرجات المنظومة التربوية مع احتياجات سوق الشغل كالباكالوريا الدولية و الباكالوريا المهنية و الإجازة المهنية و عملية تكوين 10000 إطار تربوي في افق 2016 و عملية تكوين 25000 طالب مجاز في صفوف العاطلين من أجل إعادة إدماجهم في سوق الشغل. لكن يبقى المرسوم رقم 588-15-1 لدخول مراكز تكوين الأساتذة، أكثر المراسيم التي خلفت ردود أفعال متباينة لدى الفاعلين التربويين، و الذي فصل لأول مرة التكوين عن التوظيف . و كما أن لأي إجراء او مشروع جديد ايجابياته وسلبياته فسوف أتطرق في هذا الموضوع إلى بعض ايجابيات و سلبيات هذا المرسوم بعيدا عن العاطفة و الشعارات النقابية و أحكام القيمة المسبقة و مؤيد للحكومة و معارض لها و بعيدا عن تدجين الجماعة لافكارنا و بعيدا عن ثقافة البحث عن الانصار و المتعاطفين. و أتمنى أن أوفق في ذلك : 1) ينتقد البعض هذا المشروع بكونه سيخرج لنا أساتذة معطلين و أنا اطلب الجميع إعادة قراءة الموضوع من زاوية أخرى .ماذا لو لم يتغير المرسوم ؟ ماذا لو تم فتح التكوين ل8640 موجز فقط (حسب المناصب المالية لقانون المالية ل 2016)؟ هل كان سيكون مصير 1360 موجز المتبقية من 10000 أفضل؟ ألن يكون مصيرهم أسوء من الان، أليس النظام الجديد أفضل من سابقه،على الأقل سيستفيدون 1360 موجز من تكوين بمنحة شهرية ب 1200 درهم و سيحصلون في أخر السنة على شهادة تخولهم العمل سواء في التعليم العام او الخاص؟. 2) يعتبر رجل التعليم الركيزة الرئيسية لأي إصلاح لمنظومة التعليم كما يعتبر التكوين الرصين إحدى هذه الركائز دون إغفال تحسين الظروف المادية و المعنوية و العملية. لكن ما يلاحظ مؤخرا هو فقدان التكوين للكثير من هبته و انضباطه في العديد من مراكز التكوين حيث وصل في العديد منها إلى حد الاستهتار بحجة ان النجاح مضمون في أخر السنة، لكن سيقول البعض أن نجاح او رسوب الأستاذ المتدرب شأن يخص مراكز التكوين و يجب ان يتحملوا مسؤولياتهم ، قول صحيح لكن ترسيب الأساتذة المتدربين له تبعات بعده ففي سنة 2012 و في عهد الوزير الوفا حين أخفق 28 طالب أستاذ، في مادة اللغة الفرنسية بالدار البيضاء اجتياز امتحان التخرج سقطت الوزارة في مشكل لم يكن متوقعا و هو كيف ستدبر تدريس مادة اللغة الفرنسية بعد ان أصبح الخصاص مزدوج :الخصاص الأصلي المهول أضيف إليه الخصاص الناتج عن رسوب الطلبة الأساتذة . بطبيعة الحال إلتجأت الوزارة كعادتها و بسبب الاكراهات الى الحلول الترقيعية كضم الأقسام و تفييض الأساتذة ووو. و سؤالي ماذا لو كان عدد المخفقين اكبر من ذلك بكثير؟. وما رأي الفاعلين في مجال التخطيط للموارد البشرية في الموضوع؟. 3) سيمكن النظام الجديد للتكوين كذلك في حال كان هناك خصاص كبير في بعض المواد المدرسة في بعض النيابات أو الاكاديميات من فتح باب التوظيف عبر امتحان للتوظيف فقط و حل المشكل في أي وقت من الموسم الدراسي في حين أنه في النظام القديم فقد كان يتم التعامل مع هذا الخصاص بالحلول الترقيعية اما عن طريق عين ميكة و إما عن طريق التوظيف بالتعيينات المباشرة او الالتجاء الى أساتذة سد الخصاص في حالة ما تم الضغط على الدولة عبر إضرابات مستمرة و طويلة و لا أنكر أني كنت واحد ممن ساهم في تلك الإضرابات و بالتالي جعل الدولة تلجأ للتوظيف عبر آليات غير صحيحة بثاثا فيتم إدماج طلبة حاملين للإجازة أو الماستر دون تكوين و دون أية أبجديات التدريس و نتساءل في الأخير عن جودة التعليم . 4) سيمكن النظام الجديد للتكوين كذلك من حل حالات الغياب الطارئة مثل مرض متوسط الأمد او طويل الأمد او الغياب عن طريق رخصة الولادة و التي تدوم ثلاثة أشهر و ما تسببه هذه الغيابات من نتائج سلبية على التلاميذ. و كل رجال التعليم يعرف جيدا الطريقة التي يتم بها حل هذا الغياب الطارئ إما عن طريق عين تقنية عين شافت و عين ما شافت و إما عن طريق ضم أقسام او تفييض أساتذة في مؤسسات أخرى و الحجة دائما بأنه لا يوجد هناك حل أخر لا يوجد أساتذة ليحلوا مكانه و هل سيبقى التلاميذ بدون أستاذ . 5) سيمكن النظام الجديد كذلك من سد ذريعة التعليم الخصوصي، و الذي هو شر لا بد منه و موجود على ارض الواقع و لا يمكن للمغرب ان يكون استثناءا واهم من يطالب بحذفه ، الذي يستنزف جهد أساتذة التعليم العمومي. حيث سيوفر لهم أساتذة بنفس جودة التعليم العمومي و بنفس الكفاءات و بنفس الشواهد كما تفعل الدولة في باقي المجالات الأخرى كموظفي الصحة و المهندسين و... لكن يجب على الدولة في المقابل أن تتدخل قانونيا و تلزم المؤسسات الخصوصية باحترام بنود قانون الشغل كتحديد الأجور و باقي الضمانات كالتقاعد و الضمان الاجتماعي ووو . 6) هناك من ينتقد المشروع كذلك كون الدولة تريد التملص من التعليم العمومي و حتى نبتعد عن الانطباعات الشخصية فأعلى رقم للتوظيف في التعليم في عهد هذه الحكومة كان في هذا الموسم المالي ب 8640 منصب مالي دون احتساب 20 منصب للتكوين المهني و هو رقم له دلالاته و يشير أن الدولة لم تتراجع في عدد المناصب المالية الخاصة بالتعليم و هو ما يدحض هذه الفكرة على الأقل في الوقت الراهن إلى أن يبثث العكس. تعاني جل الوظائف العمومية من خصاص في عدد أطرها و رغم ذلك فقد وصلت كثلة الأجور في سنة 2015 إلى 105.5 مليار من أصل 245.83 مليار درهم اي بنسبة 42.9 % من الميزانية العامة كما تمثل كذلك 13% من الناتج الداخلي الخام و هو رقم مرتفع مقارنة مع المتوسط العام 7% لباقي الدول النامية و هذا لا يعني بطبيعة الحال خفض الوظائف العمومية بل العمل و التخطيط على الرفع موارد الدولة عبر فتح مشاريع استثمارية و تنموية . كما تشكل عدد الموظفين في وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني 53 % من موظفي باقي الوزارات . و كمقارنة بسيطة بين كل من حكومة الأستاذ إدريس جطو و حكومة الأستاذ عباس الفاسي و حكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران فيما يخص التوظيف في المناصب العمومية و خصوصا المناصب المالية لوزارة التربية الوطنية نجد أن أن الحكومة الحالية و بالأرقام استطاعت أن توفر أكبر عدد من المناصب المالية بالنسبة لجميع الوزارات و حتى بالنسبة لمناصب وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني . و مع ذلك يبقى هذا المجهود غير كاف لسد الخصاص المهول. ( انظر الجداول و المبيانات أسفله) نسبة عدد الموظفين حسب القطاعات تطور كتلة الأجور مابين سنة 2007 و 2010 ( ميزانية المواطن 2015) 7) و يعتبر أكبر سلبيات هذا المشروع هو عدد شعور المتدربين بالأمن و الاستقرار النفسي الشيء الذي سيؤديلا محال الى المزيد من الضغوطات النفسية عليهم مما سيؤثر سلبا مرحليا على ظروف تكوينهم. ملاحظات و اقتراحات : - ان كان هدف الدولة من هذا المشروع هو الرفع من جودة التكوين فأدعوها و بكل صدق بإعادة النظر في جميع مكونات التكوين بدءا من طريقة اختيارها للأساتذة المؤطرين و الذين نحيي الكثير منهم على تفانيهم و على كفاءتهم وعملهم الدءوب من أجل تطوير طلبتهم، لكن في المقابل نجد أن هناك من لا يستحق صفة حتى مؤطر بل هناك منهم من لم يحين مادته المدرسة لعشرات السنين ، كما يجب إعادة النظر في طريقة اختيار المواد المدرسة حيث أن الكثير من هذه الدروس بقيت مبرمجة ليس إلا بسبب توافقات مجالس التكوين لا غير و بعيدة كل البعد عن أي منظور بيداغوجي. - كما يجب إعادة النظر كذلك في امتحانات التوظيف بإضافة اختبارات أخرى كاختبارات القياس النفسي ( Psychometric Test ) مثل اختبار تقرير التوجهات الطبيعية ( OIP+) و اختبار هولاند لتحديد الميولات المهنية و غيرها من الاختبارات. فالكثير من رجال التعليم دخلوا إلى الميدان طلبا في لقمة العيش ليس إلا و لا علاقة لهم به في حين انه يمكنهم أن يعطوا نتائج جيدة في ميادين عمل أخرى. - لا يهم الإبقاء عن مرسوم فصل التكوين عن التوظيف في حد ذاته بل المهم هو الإبقاء على الأمور الايجابية التي أتى بها و الابتعاد عن ما هو سلبي به و من هنا اقترح على الوزارة أن يكون العدد الإضافي للطلبة ( مثلا 1360 كما في هذا الموسم) اختياري بعد أن يتم الحسم في الطلبة الأساتذة ( 8640 مثلا) و يتم تكوين الجميع في نفس المراكز و في نفس الظروف و في حالة إخفاق احد الطلبة الأساتذة في امتحان التخرج يتم تعويضه بطالب من اللائحة الإضافية و هكذا يمكن الاستفادة من ايجابيات المرسوم و ضمان الاستقرار النفسي للطلبة الأساتذة و ضمان جودة التكوين و إعطاء فرصة لمن يريد ان يحصل على تكوين جيد و شهادة تخول له الدخول إلى سوق العمل بذل البطالة المرة. من مستملحات الفايسبوك و حيث يمكنك أن تكتب أي شيء و تدعي أي شيء. غرد العديد من المواطنين لماذا لا يتم فصل التكوين عن التوظيف في الشرطة و العسكر و القضاء كذلك. و المعلوم انه مثلا إذا ما كونت الدولة عددا إضافيا من الأطباء أو الممرضين أو المهندسين أو الأساتذة فمعروف مكانهم في سوق الشغل لكن أين سيشغل مثلا القضاة و العسكريين و الشرطة؟ هل مع الجماعات الإرهابية و العنصرية بكل تلاوينها أم مع دولة موازية للدولة كما يتمناها البعض؟. و مهما اختلفنا أو اتفقنا على الموضوع يبقى الزمن وحده الكفيل بالإجابة عن صحة هذا القرار من خطأه و هل هو في صالح المواطنين أو ضدهم. و يبقى انتقاد الأمور دون إعطاء حلول بديلة لها و دون تفكير إبداعي معمق و بعيدا عن ثقافة المظلومية و الحكرة و البنك الدولي ناقصة و لا تصلح لا أمور التعليم ولا أمور البلاد و العباد. كما يجب على الفاعلين التربويين و نقاباتنا العتيدة بين قوسينأن يبتعدوا عن ثقافة الأمين العام للأمم المتحدة و التي تندد و تشجب و تتضامن بلا شروط بل أن تساعد الدولة باقتراحاتها لحلول تراعي الواقع و إكراها ته . وهنا أتذكر أحد نقاشاتنا مع أستاذي حسن اللحية الأستاذ المؤطر بمركز التوجيه و التخطيط التربوي بالرباط حول واقع و مآل نقاباتنا بالمغرب و الذي كان جوابه صريحا وفي الصميم " ما لم تتوفر نقاباتنا على مكاتب دراسات كمثيلاتها في باقي العالم تبني مطالبها على ركائز منطقية تراعي الطموح و إكراهات الواقع المادية و المعنوية فستبقى غارقة في شعاراتها الشعبوية التي لا تهدف سوى إلى استقطاب المناصرين و ليس لتحسين ظروف الموظفين عبر إيجاد حلول تفاوضية و عقلانية مع مؤسسات الدولة". و في الأخير أقول لمن يتغنى بحبه للشعب المقهور و اصطفافه إلى جانبه أنه يجب علينا أولا أن نناضل من أجل توفير الدولة لأبناء هذا الشعب المقهور تعليما لائقا به بدءا بأساتذة و أطر في المستوى لتعليمه و تأطيره و ليس العكس. و أن نبتعد عن فكرة الكل يريد الاصلاح شريطة الا يصل إاليه. وفق الله الجميع . جمال هبوز .. المستشار في التوجيه التربوي بنيابة زاكورة المراجع: - الموقع الالكتروني لوزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة. - تقرير وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية - 2013 - تقرير وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية - 2014 - الموقع الالكتروني لوزارة المالية. - الجرائد الرسمية للمملكة المغربية من سنة 2002 الى سنة 2016. - الموقع الالكتروني للتشغيل العمومي. - ميزانية المواطن لسنة 2015.