تعيش الساحة السينمائية في المغرب، على إيقاع جدل كبير أعقب اختيار فيلم "غزية" (Razzia) للمخرج المثير للجدل نبيل عيوش لتمثيل المغرب في مسابقة جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي 2018. وتكرس اسم عيوش بوصفه السينمائي الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الفن السابع بالمغرب منذ فيلم "لحظة ظلام" الذي وصلت تداعيات منعه إلى البرلمان، وفيلم "كل ما تريده لولا" الذي سحب في آخر مرة من المشاركة في مهرجان القاهرة بضغط من الفنان المصري محمود ياسين. كما تواصل الجدل حول فيلمه الوثائقي "أرضي" الذي يتناول القضية الشائكة لصراع الأرض والذاكرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وصولا إلى صدمة فيلم "الزين اللي فيك" الذي منع من العرض في القاعات المغربية لطابعه " الفضائحي" في تناول قضية الدعارة والسياحة الجنسية، فانتهاء بفيلم "غزية". لا يقل الفيلم الجديد جرأة، حسب القلة القليلة ممن شاهدوه، عن فيلمه الممنوع "الزين اللي فيك"، حيث بادر المركز السينمائي المغربي بمنع مشاهدته على الفئة العمرية أقل من 16 عاما، غير أن أصل الجدل هذه المرة يهم مصداقية تشكيل اللجنة المكلفة بالاختيار والمعايير التي اعتمدتها للانتقاء. فقد كان جل النقاد والمهنيين يتوقعون اختيار فيلم آخر كان له حضور قوي في المشهد السينمائي المحلي خلال الموسم، وهو فيلم "عرق الشتا" لحكيم بلعباس، الذي حصل على الجائزة الكبرى للمهرجان القومي للسينما بطنجة والجائزة الكبرى للمهرجان المغاربي للفيلم بوجدة. وقد انصبت الانتقادات في هذا الباب على ما اعتبره البعض حالة مخلة بالحياد يجسدها رئيس اللجنة، الكاتب ماحي بينبين، صاحب الرواية التي اقتبس منها نبيل عيوش فيلمه "يا خيل الله"، فضلا عن أنه شريكه في مركب ثقافي أقيم لفائدة شباب حي هامشي بمدينة الدارالبيضاء. كما توجهت سهام النقد لعضوا آخر هي الموزعة السينمائية التي انفردت باستقبال الفيلم في قاعتها بمراكش بالإضافة إلى عناصر أخرى، أثارت ردود فعل بعض الفعاليات المهنية في المملكة. احتجاج وفضيحة تحدثت الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام عن "فضيحة" تمثلت في "اختيار أفراد غير منتمين لأية غرفة أو هيئة مهنية في حين ينص القانون بوضوح على ضرورة إشراك الغرف والهيئات المهنية، واختيار أشخاص، وبنية مبيتة، لهم علاقات عمل مباشرة مع منتج الفيلم المختار رغم عدم استجابته لشرط العرض الرسمي بالقاعات السينمائية". وجاء في بلاغ شديد اللهجة لهذه الهيئة أنه "تعميقا للكارثة تم تقديم شهادة منحتها عضو في اللجنة تقول زورا إن الفيلم تم عرضه لمدة أسبوع في إحدى القاعات السينمائية بمراكش في حين يعلم الجميع أن الفيلم المعني لم يقدم له إلى حد الآن أي عرض عمومي بالمغرب". وتشير اللوائح التنظيمية للأوسكار أنه من الشروط المطلوبة للترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي أن يكون العمل السينمائي قد عرض على الأقل لمدة أسبوع كامل في بلد الإنتاج. ومن جهته، وصف الاتحاد الوطني لتنمية الصناعة السينمائية والسمعية البصرية الواقعة بالخطأ الجسيم والتصرف المخالف للقانون وللأخلاق المهنية لإدارة المركز السينمائي المغربي ومنتج الفيلم واللجنة، وطالب "السلطات الحكومية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هذه التصرفات المبيتة المنافية للقانون والأخلاق". وتضمن بلاغ الاتحاد مطالبة أكاديمية الأوسكار بسحب تقديم فيلم "غزية" ضمن برنامجها نظرا لعدم استجابته لشروط القانون المنظم، وتعيين لجنة تحقيق مشتركة لتوضيح ملابسات هذه النازلة ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة والمفيدة لتجنب مثل هذا السلوك مستقبلا. رد وفرصة في المقابل، قدم الكاتب ماحي بينبين، في تصريحات صحفية، روايته لما حدث موضحا أن اللجنة تداولت بشأن عشرة أفلام مرشحة، انحصر التنافس ضمنها بين "غزية" و"عرق الشتا" قبل أن يؤكد أن اختيار فيلم "غزية" تم بأوراق سرية، و"بالإجماع تقريبا". ومضى بينبين إلى القول إن فيلم "غزية" هو "فرصتنا الوحيدة بالأوسكار". وأشار بينبين إلى أنه جرى تشكيل اللجنة قبل ثلاثة أشهر، في وقت لم يكن هناك أي حديث عن ترشيح "غزية" الذي لم يحصل على دعم للإنتاج من المركز السينمائي المغربي. في خضم هذا التوتر، خرج عضو من لجنة الاختيار الناقد عمر بلخمار بتوضيح نأى من خلاله بنفسه عن قرار لجنة الاختيار التي قال إنه قبل المشاركة فيها "دون علم مسبق بعناوين الأفلام المرشحة ولا بأسماء أعضاء اللجنة ولا برئيسها". وقال بلخمار إن التزاماته منعته من المشاركة في اجتماعات اللجنة وإن اختياره كان عبر البريد الإلكتروني، وهو غير الفيلم الذي اختارته اللجنة. وأبرز أن محضر المداولات لا يحمل توقيعه لأنه لم يكن حاضرا فيها. ورفض بالتالي أي تهمة بالتواطؤ في اختيار العمل الذي سيمثل المغرب في أوسكار أفضل فيلم أجنبي. عن موقع "الجزيرة.نت"