لا يخفى على المتتبع للشأن التربوي في المغرب "حملة المذكرات" التي جاء بها وزير التعليم الحالي محمد حصاد وسلفه.. حتى صار شغل الإدارات المذكرات، وضبط سيل عارم من المستجدات والمتغيرات مس كل شيء، حتى اسم الأستاذ (الأستاذ الممارس، الأستاذ المتدرب، الأستاذ المتعاقد، الأستاذ المصاحِب والمصاحَب، الأستاذ المرشد،الأستاذ المكون.. في انتظار الأستاذ الأحسن هنداما..) .. بما يحسم في الذهن أن هناك تجديدا قادم.. على أي لن أستعجل الحكم على مشروع –يراه نظاره إصلاحا- في بدايته، ولكن من حقنا مساءلة ما ظهر منه باعتباره يعكس تصورا وفلسفة لهذا الإصلاح.. وبالربط بين عدة قرارات "إصلاحية" حملتها هذه المذكرات نجد أن المبدأ الجامع بينها والخلفية الموجهة في وضعها أو تنزيلها مبدأ العناية بالمظهر، فكان آخرها مذكرة الهندام والوزرات..وبيان هوس الوزارة بالمظاهر كالتالي: -الرفع من عتبة النجاح إصلاح ظاهري بامتياز: قد ينطلي على غير المتتبع أن مستوى التلاميذ تحسن إذ صار معدل نجاحهم الأدنى هو 20\10 في الثانوي و5\10 في التعليم الابتدائي بدل مستويات متدنية في السابق.. لكن المدقق يجد أن لا شيء تغير غير أن ثمانية مثلا أصبح اسمها عشرة..، وذلك بضغط المسؤول الأعلى على الأسفل حتى وصل الضغط إلى المدرس – المغلوب على حاله- فيقبل بقلب ساخط ناقم وقلم سخي متفائل فيخط لهم ما يريدون كي يخلوا سبيله من المسؤولية التي رموها عليه ظلما وزورا، وهم يعلمون كذبه لكن المهم عندهم بهجتهم أمام الدول "بتحسن" ظاهر مؤشر التنمية البشرية كذبا ووهما. – صباغة جدران المؤسسات: تجندت له الوزارة وأخرجت ميزانيته من العدم، وهو في ذاته أمر جميل أن تزَّين مؤسساتنا التعليمية وصفحات المديريات بألوان زهية .. لكن الذي لم يره البعيد أن هذه العملية همت خارج المؤسسات دون داخلها فالقاعات بقيت على حالها، وهذه مخالفة تربوية نربي عليها أطفالنا وشبابنا.. وماذا عن الوسائل التعليمية التي تعتبر جوهر الفعل التربوي وأساس العمل التعلمي؟؟ لكن يبدو أن المهم تنميق الخارج كعروس تختفي عن خطيبها وراء أصباغها. "من برّا الله الله ومن جوّا يعلم الله" على اللهجة المصرية. وهنا يبادرنا السؤال: لما قامت الوزارة قبل سنوات بإعفاء مدير قام بصباغة مؤسسته، واليوم تقتفي أثره؟ – التوظيف بالتعاقد اهتمام بالكم على الكيف: طالما انتقد مسؤولون حكوميون التوظيف المباشر وعددوا مساوئه لكنهم اليوم يضحون من أجله بحوالي ملياري درهم في موسمين فقط.. من أجل سد الخصاص الكمي وتسويق الاطمئنان الوهمي. – حركة انتقالية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب: فعل آخر يعكس هوس المظهر على الجوهر عند وزارة تعليمنا.. جوهر الحركة الانتقالية ومقصدها جمع شمل شغيلة التعليم بعد سنوات من "يتم الأبناء" و "عزوبية الأزواج" "وثكلان الآباء".. فهل تحقق هذا المقصد مع الحركة الانتقالية الأخيرة؟ الجواب الواضح وهو نعم لكن ظاهره فقط. ن سبة الاستجابة للطلبات تراوحت بين 60 و70 في المائة، مقابل 13 إلى 15 في المائة في سابق السنوات لكن، مع الحكم بالتشرد على 2300 طلب لم يحظى بمؤسسته المطلوبة، ثم أن شبح التفييض يهدد الجميع.. مما دفع بالكثير إلى المطالبة بإلغاء حركته الانتقالية، وامتلأت المديريات بالتظلمات، وصُمت آذانها من شدة الاحتجاجات، تحول بعضها إلى مسيرات.. عجيب ! كيف توجد احتجاجات رغم ارتفاع نسبة الاستجابة للطلبات؟؟- مذكرة الهندام والوِزْرات طامة الطامات: إن هوس الوزارة بالظاهر والمظاهر نقلها من الجدران إلى الأبدان.. ما بال رجل تعليم وهو التابع لوزارة شريفة نقية راقية، يدخل بلباس هالك متهالك وحزام معوج لسروال قديم حالك؟؟ استروا هذا المخلوق فقد أصبح شبحا يخيف المتلعم ويشوش على تعلمه.. اخفوه وراء وزرة بيضاء إن شاء، وإلا اشنقوه برابطة عنق تخفي بشاعته بعد أن شنقوا أجرته بالاقتطاعات والديون.. فهل هذا هو المدرس في نظركم؟ وهل ترونه مخالفا لجمال المظهر؟ وإن كان ذلك كذلك هل وقع اختيارا أم اضطرارا؟ هل من تعويضات تسعفه في ما تريدونه له؟ هل سيترقى حسب عمله أم حسب هندامه، بعد هذا الإلزام المشؤوم؟؟ ما بال قطاعات أخرى تجودون على أهلها بالزيادات في الأجر وتجديد البدلات وآخرون تكفونهم نفقات السكن والتنقل والعلاوات.. والمدرس تريدون غسل وجهه بدمعه؟؟ كيف يتحسن مظهر رجل أعياه الكراء ومصاريف التنقل وشراء الوسائل التعليمية (حاسوب، عاكس، أقلام، طباشير، طبع أوراق امتحانات تلاميذه، نفقات الانترنيت لإدخال نقطه..) ومساعدة أبويه وتمدرس أبنائه..؟ وهل تَحسُّن مظهره يغير وضعه؟؟ إن المدرس ليس ضد التغيير، لكنه يرفض أي تغيير مبني في مضمونه على الأشكال والرسوم، وفي منهجه على التعليمات والإلزام، وفي رؤيته للمدرس على التهميش والسخرية والازدراء.