كغيرها من المدن العتيقة بالمغرب، تحتفظ مدينة آسفي بعادات وتقاليد خاصة بكل مناسبة، قد تلتقي وقد تختلف مع عادات وتقاليد المدن الأخرى، ومن بين أبرز المناسبات التي تفصح فيها العادات عن نفسها، شهر رمضان الأبرك. ومن مظاهر الإرث الرمضاني التقليدي بآسفي شخصية "النفار". يظهر في رمضان ثم يختفي وكأنه الهلال في اكتماله، في الوقت الذي لم يعد للنفار وجود في العديد من المدن المغربية، حيث تقلص دوره أمام وسائل أخرى يعتمد عليها الصائمون للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، مع ظهور الساعات المنبهة والراديو والتلفاز والبارابول والمقاهي، غير أنه لازال يواصل نشاطه الرمضاني الموسمي في جنوبآسفي بعدما اختفى تقريبا في بقية أحياء المدينة. والنفار بآسفي تختلف أسماؤه غير أن صفته واحدة، فهو الشخص الذي بقي متشبثا بعادات أصبحت في خبر كان، وكأن عمله الرمضاني تتمة للوحة رمضانية لن تكتمل إلا بوجوده، و لا يحلو شهر رمضان بدونه. ومهمة النفار ليست بالسهلة، كما يخيل للبعض، لإرتباطها بإحدى الطقوس الرمضانية التي يبدأ بها الصوم وهو السحور. وتتطلب هذه المهمة قدرة جسدية و تحمل مشقة الطواف عبر الأحياء والأزقة. وعلى الرغم من أن الوسائل الحديثة أثرت على النفار وجعلت دوره في طريق الانقراض، فإنه لا يزال بآسفي يتمسك بعاداته، رغم أنه يدرك أن غالبية الناس لم تعد في حاجة إلى خدماته، إلا أنه يفعل ذلك من أجل الحفاظ على هذا الموروث الشعبي من الاندثار. وهو موروث لازالت له مكانة عند بعض الناس، بما يحركه فيهم من نوستالجيا ومتعة، وما تضفيه دقات طبل النفار في شهر رمضان من نكهة وطابع خاص، تنضاف لصوت المدفع و " الزواكة " كما تسميها ساكنة آسفي إيذانا بالإفطار أو الإمساك. وبحسب بعض الروايات، فقد ظهرت مهنة " النفار" تاريخيا، بمدينة مراكش في القرن الرابع عشر، في عهد السعديين، حيث يروى أن عودة السعدية ( مسعودة الوزكيتية أم المنصور الذهبي) فطرت عمدا في رمضان وندمت ندما شديدا، وهو ما جعلها تحبس كلما تملكه من ذهبها الخالص لفائدة " النفافرية" على أساس أن يقوموا بالدعاء لها ويطلبوا من الله أن يغفر لها. ومصطلح النفار، هو اسم يدل على آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، كما يدل في الوقت نفسه على صاحبها وعازفها. أما أصلها العربي فهو النفير. وتعرفه القواميس بالبوق الذي يضرب لينفر الناس، أي يستنفرهم، ويعجلهم للسفر والرحيل أو للجهاد. وامتدت اشتقاقات مصطلح النفار إلى لغات أخرى غربية كالفرنسية والبرتغالية والإيطالية وغيرها. ففي الفرنسية، مثلا، نجد مصطلح La fanfare وتعني الجوقة النحاسية أو موسيقاها. والنفار شخصية معروفة بالتجوال بين الدروب والحواري ينفخ في صور طويل نحاسي، يرسل به صوتا قويا يعلم السكان بالاستعداد لشهر الصيام، فتراه ينفخ حتى تنتفخ أوداجه، ومن حين إلى آخر يوجه فوهة نافوره إلى النوافذ والأبواب، وترى الأطفال من حوله يقفزون ويمرحون، بينما من المارة من يكرمه بالمال أو بقطع السكر والشاي والتمر. والنفار أو الطبال هو شخصية أقرب إلى الفنان الذي يؤدي دور البطولة على خشبة المسرح، حيث لاتتجاوز مدة ظهوره 30 يوما فقط في ليل رمضان، أما باقي الأبطال فهم الطبلة والعصا، لم يستطع منبه الساعة منافسته أو إلغائه، وهو شخصية لا يكتمل شهر رمضان بدونه، ذلك أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشعبية الرمضانية. فقبل الإمساك بساعتين يبدأ النفار بالأحياء الجنوبيةلآسفي جولته الليلية، موقظا الأهالي للسحور، وهو يحمل طبلته في رقبته، فتتدلى على صدره أو يحملها بيده، ويضرب عليها بعصا خاصة تحدث أصواتا معروفة، بإيقاع مميز، تعرفه الساكنة ويستيقظون عليه، وخلال النهار يتجول بين الحواري ليطرق خلالها أبواب البيوت، لجمع ما يجود به الناس عليه، كما يبشر الساكنة برؤية هلال العيد، ويقوم بجولة أخيرة صباح العيد لجمع "الفطرة" زكاة الفطر. وتشكل الطرافة جزءا لا يتجزأ من مهنة النفار، إذ لا يكتفي أن يسير لقرع طبلته في الحواري والأزقة والشوارع، لكن يحدث أحيانا أن يعرف أن فلانا نومه ثقيل، فيقف تحت نافذة بيته وقتا أطول، ويصر على مناداته باسمه. وكانت في الماضي قد سادت بآسفي بعض المعتقدات بين ساكنة آسفي بخصوص النفار، ومنها أن يطلبوا منه أن ينفخ بآلته داخل البيت، حتى يسمع صدى النفير في كل أرجائه. كما كانوا يطلبون منه صب كوب ماء في آلة النفير وتمريرها داخلها، ويسقونها الأطفال المصابين بالتأتأة وتأخر النطق طمعا في شفائهم. وبالرغم من كون المدفع ينطلق اليوم بآسفي لتنبيه الصائمين بموعد الفطور والسحور،يبقى النفار شخصية رمضانية تراثية عميقة. وحرفة النفار وإن كانت تظهر وتختفي في شهر رمضان، غير أنها تتجه نحو الانقراض، إلا أن آلة النفار بآسفي لا زالت حاضرة في الكثير من الأهازيج الفلكلورية، كالدقة المراكشية والفرق العيساوية والفرق الكناوية،كما بدأت تأخذ دورا متزايدا في الأعراس، حيث يصاحب النفارون العرسان في كل تحركاتهم ليلة الزفاف.