على الرغم من انتشار وسائل إيقاظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور، التي جاد بها العصر، فإن مشهد الطبال وهو يحمل طبله ويضرب عليه ضربات متناسقة، أو مشهد النفار وهو يحمل مزماره وينفخ فيه متسللا عبر الأزقة الشعبية معلنا عن وقت السحور، لا زال حاضرا في أجواء شهر رمضان. تغيرت الأحوال.. وربما لن تجد أحدا اليوم ممن يعول على غيطة النفار أو طبلته للاستيقاظ وقت السحر. لكن كل المنبهات على اختلاف أنواعها الكثيرة لم تستطع إلغاء دورالنفار من طقوس شهر رمضان. شيئ ما غير وظيفة الإيقاض، جعلت الناس لا تعتبر تنبيهاته الصوتية مرادفة للازعاج. كأن عمله الموسمي تتمة للوحة رمضانية لن تكتمل إلا بوجوده. فالناس ظلوا يحبون وجوده، بما يحركه من حنين وذكريات، وبما يولده من متعة على إيقاع رمضاني بنكهة خاصة. إذ لم تنجح الساعات بمنبهاتها القوية ولا الهواتف المحمولة برناتها المختلفة، في أن تجعل النفار ينقرض من الثقافة الشعبية المغربية، فما زالت أغلب الأحياء القديمة بفاس والدار البيضاء على الخصوص، تحيا بهذا الطقس الرمضاني قبل الفجر بساعتين أو أكثر. ولم يسجل أن أحدا تذمر من تكراره. حتى إن أحدهم قال ل التجديد، أن سماعه لضربات طبل الطبال أو نغمات مزمار النفار ينفض عنه غبار الكسل، فيشعر بنوع من الراحة، مضيفا أنه يشعر أن الناس مثله يستيقظون على وقع هذا الإيقاع، على الرغم من الوسائل الحديثة. هواية وهدايا وشباب على نغمات النفار أو دقات طبل الطبال في ليل رمضاننا الحالي، أخذ متبرعون وبعض المشتغلين بالأعمال المناسباتية غير المنظمة، وأغلبهم شباب، يمارسون هذه المهمة داخل حدود منطقتهم السكنية التي هم فيها فقط، مقابل عطايا يتلقونها من السكان في منتصف الشهر وفي نهايته أيضا، أو صبيحة عيد الفطر، شباب أخذوا على عاتقهم ترسيخ هذا التقليد في هزيع الليل الأخير من أيام الصيام. بل إن منهم من لا يستطيع مفارقة هذه المهمة، التي يبدو أن الهدف منها - بحسب تصريحات هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إيقاظ الناس -، يتعدى دعم صمود الصائمين بتناول الطعام قبيل الإمساك، بل يرمي أيضا إلى إحياء مناخ تمهيدي لصلاة الفجر. في حين أكد بعضهم أنه يفعل ذلك، بحثا عن هدايا الصائمين في نهاية الشهر المبارك. زبناء خاصون وغالبا ما يكون لكل حي، نفار من أبنائه، يضفي على هذه المهمة مزيدا من الألفة، إذ ينسجم عمله مع المعطيات الخاصة بأهل الحي. فأحيانا يعرف أن فلانا نومه ثقيل، فيقف تحت نافذته وقتا أطول، وأحيانا يصر على إيقاظ بعضهم بالمناداة عليه باسمه، وقد يتواصل بعبارات طريفة مع جمهور الفجر الذي يطل من النوافذ وعلى الشرفات..، وفي كل ذلك لا بد أن يصل صوت المزمار إلى ساكني البيوت الذين تمر بالقرب منها قافلته، قبل ساعة على الأقل من وقت السحور، حيث تنتهي مهمته، وهي مهمة ليست سهلة بالطبع. ولئن أجمعت شهادات المواطنين على تراجع دور النفار وتقلص دوره، أمام وسائل أخرى أصبح يعتمد عليها الصائمون للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، التي نصح الرسول عليه الصلاة والسلام بتناولها لأن فيها بركة، إذ جاء في الحديث: تسحروا فإِن فِي السحور بركة . إلا أن وجه التأكيد في الموضوع هو أن نداء التسحير عن طريق النفار بقي طقسا راسخا في ذاكرة الناس، كمصدر إعلامي ارتبط ظهوره مع فرض الصوم في شهر رمضان، يستقي الصائمون منه إشعارا ببدء وقت السحور، يظهر مع إطلالة رمضان ويختفي عن الأنظار بمجرد الإعلان عن يوم عيد الفطر.