تختلف أسماؤه وصفته تبقى واحدة، فهو الإنسان الذي بقي متشبتا بعادات أصبحت تتلاشى داخل المجتمع المغربي، وكأن عمله الموسمي تتمة للوحة رمضانية لن تكتمل إلا بوجوده. إنه"النفار" أو "الطبال"أو "الغياط" أو حتى "المسحراتي" بتعبير المشارقة. من بين العادات التي حافظ عليها المجتمع الفاسي، ومعه المجتمع المغربي والعربي، ظاهرة «النفار» أو «الطبال»، فرغم من لا جدوى هذه العادة اليوم، فقد بقيت حاضرة وممتدة في مجتمعاتنا، بما تحرّكه فينا من نوستالجيا وذكريات، وبما تولده لنا أيضًا من متعة، وبما تضفيه دقات طبل «المسحراتي»، أو نغمات «غيطته» أو «نفاره»، على هذا الشهر الكريم من نكهة خاصة، يضاف إليها صوت طلقات المدفعية، إيذانا بالإفطار أو بالإمساك. يحمل «الطبلة» يقرعها بحماس شديد وهو ينادي على أهل الحي، يهلل الأطفال وهم يرمقونه من خلف الشرفات، بعضهم يخرج مبتهجاً مردداً خلفه كلماته الشهيرة..كل حسب تعبيره.. "الطبال" أو "المسحراتي" كما أسماه المشارقة، أشهر شخصية رمضانية وأهم ملامحها بالأحياء العتيقة والشعبية بفاس، رغم مئات السنين ما زال متمسكاً بمكانته المتميزة في اللوحة الرمضانية. "الطبال" التقليدي الذي يقرع طبلته الصغيرة مغطاة بقطعة من الجلد، ذلك الصوت الذي تعود أن يوقظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور، وهو يردد أعذب وأجمل الدعوات والأغنيات وذكر ألقابهم وأسماء أولادهم بكثير من المبالغة والمجاملة، أملا في مكافأة يحصل عليها مع أول أيام عيد الفطر المبارك، إنه من أصحاب المهن الرمضانية جدا، التي لا وجود لها في غيره من الشهور. صحيح أن الأحوال تغيرت واختفى الطبال في كثير من الأحياء، إلا أن بعض الأحياء الشعبية ما زالت تحتفظ ب "مسحراتي" يورث المهنة لأبنائه، ًو كان "الطبال" قديما يرتدي الجلباب والطربوش الأحمر. أما اليوم فيكتفي بالزي العادي، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون "المسحراتي" "طبالا" حيث هناك بعض الأحياء من يكون المسحراتي بها "غياطا" من يعزف على المزمار، وهي وسيلة قديما لإيقاظ الناس للتسحر تكون في كثير من الأحياء.. حضوره جذاب محبب إلى النفوس، فهو شخصية ترتبط بطقوس شهر رمضان المبارك، لأن السحور سنة نبوية شريفة، لا يقتصر الهدف منها على دعم صمود الصائمين بتناول الطعام قبيل الإمساك، بل يرمي إلى إحياء مناخ من الأدعية والتسابيح تمهيداً لصلاة الفجر. لم تنجح الساعات بمنبهاتها القوية في أن تجعل الطبال ينقرض من الثقافة الشعبية المغربية الفاسية على الخصوص، مازالت أغلب الأحياء بفاس وربما كلها تهتز تحت ضربات الطبل قبل الفجر بساعتين أو أكثر ولا أحد يتذمر من ذلك بالطبع ،الكل هنا يحب صوت الطبل الذي يعطي رمضان نكهته الخاصة، ولا احد يعتمد على "الطبال" لإيقاظه وقت السحور لكنهم يحبون وجوده.. وغالباً ما يكون لكل حي، سواء في فاس أو بباقي المدن، طبال من أبنائه، يؤدي مهنة عائلية، يتوارثها أبا عن جد، في مقابل إكراميات ينالها آخر أيام الشهر الفضيل أو صبحية عيد الفطر. وقديماً كان "الطبال" يرتدي الجلباب والطربوش الأحمر. أما اليوم فيكتفي "المسحراتي" بالزي العادي.. وتشكل الطرافة جزءاً لا يتجزأ من شخصية "الطبال"، اذ لا يكتفي أن يقرع طبلته منادياً «قوموا لسحوركم خلوا النبي يزوركم»، أو أن ينادي على كل شخص باسمه ليمنح مهمته مزيداً من الألفة، لا سيما في الأحياء القديمة، حيث الناس يعرفون بعضهم، وإنما يقرن دعوته للقيام إلى السحور بعبارة طريفة وفق معطيات خاصة بأهل الحي. وأحياناً يعرف أن فلانا نومه ثقيل فيقف تحت نافذته وقتاً أطول ويصر على مناداته باسمه، مع إضافة لقب يستفزه حتى ينهض هذا الفلان، ويفهمه أنه استفاق ولا لزوم للإصرار.. وقد يطيب لبعض الشباب تحويل فترة السحور إلى وصلة تواشيح دينية وأدعية نبوية، لا سميا إذا كان صوت أحدهم عذباً، حينها تنساب الأنغام العفوية مع طبال وزمار ومنشد وتبرز المواهب، ويطل جمهور الفجر من النوافذ وعلى الشرفات.. مهنة "الطبال" ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك التاريخ أصبح "المسحراتي" مهنة رمضانية خالصة وفن وجب احترامه.