تُنسج قصص الأميرات عادةً من وحي الخيال، خيوط خفيّة تربط أحداث يتناقلها الجالسون في ليالي السمر. ورُبما مرّ في الواقع قصص حقيقية لأميرات عشنّ في زمن الملوك، لم يعرفها أحد ولكن عند قلب صفحات التاريخ تبدو واضحة، وخاصةً إن صُبغت بلمحات غرائبية مثلما حدثَ مع الأميرة فاطمة نسل شاه، السيدة التى حصلت على لقب سيدة مصر الأولى لمدة 10 أشهر فقط. «المصري لايت» يستعرض معكُم قصة فاطمة نسل شاه، الأميرة التى حكمَت مصر لمدة 10 أشهر. مولدٌ ملكي داخل مدينة اسطنبول، ولدَت الأميرة الصغيرة، فاطمة نسل شاه، بتاريخ 4 فبراير عام 1921، بحظٍ يُشبه معنى اسمها «نسل شاه»، أي ابنة الملوك، لتُصبح بذلك إحدى حفيدات الخليفة العثماني، عبد المجيد الثاني. ووالدها الأمير شاه زاد عُمر فاروق، أما الأم فهي الأميرة رقية صبيحة التى كان يُطلق عليها «صاحبة السمو الملكي». ولم تكُن نسل شاه هى الصبية الوحيدة في أسرتها، بلّ كان لها شيقيقتان يُضرب بهن الأمثال في الجمال وهن؛ الأميرة زهرة هانزادة والتى ولدت في اسطنبول بقصر «دولما باهشه»، والأميرة نجلاء هبة الله، والتى ولدت في اسطنبول أيضًا. من تُركيا إلى فرنسا وعندّما أتمت الأميرة الصغيرة عُمر 3 سنوات، غادرت شواطئ اسطنبول لتذهب مع أُسرتها في رحلة طويلة، كانت محطتها الأولى في بلد النور، فرنسا. حيثُ عاشت هُناك فاطمة نسل شاه في مدينة نيس، جنوب البلاد. إثر إلغاء مصطفى كمال أتاتورك حُكم دولة الخلافة عام 1924. وفي المنفى، أُجبر والد الأميرة فاطمة نسل شاه، على العيش في فرنسا مُقابل 1500 جنية استرليني لكُل فرد من أفراد العائلة العُثمانية، حيثُ غادر تركيا وقتها 500 شخص. ولكن لم يستمر الوضع في المنفى هكذا كثيرًا، وتحديد مع ظهور بوادر الحرب العالمية الثانية، اضطر الأب إلى مُغادرة فرنسا برفقة بناتِه. ومن منها إلى المحطة الثانية، مصر. العائلة العُثمانية في المحروسة وفي مصر، تسابق الأمراء على الزواج من الأميرات اللاتي جاءوا من الحضارة العُثمانية، بجمالهنّ المعروف. وفي عام 1940، جاءَ موعد زواج فاطمة نسل شاه من أحد الأمراء المصريين، لتنقلب حياتها ويُكتب تاريخها في صفحات لن يمحوها الزمن. وبالفعل تزوجت الأميرة فاطمة نسل شاه من الأمير محمد عبد المنعم، نجل وولي عهد الخديو عباس حلمي الثاني، خديو مصر. وبعد موافقات رسميّة، تزوج الأميرة من الأميرة التُركية، وتحديدًا بعد حصوله على أذن من الملك فاروق. وبعد أن تمت الموافقة، أُقيمت الأفراح في نواحي البلاد. أميرة مصرية وبعد زواجها من الأمير محمد عبدالمنعم، أنجبت لهُ عباس حلمي الثالث والأميرة إقبال، وأصبحت نسل شاه أميرة مصرية بجانب كونها أميرة عثمانية. ولكّي يصبح اللقب رسميًا وتتولى نسل شاه جُزءًا من مهام الأميرات، حدث ما يجعل زوجها حاكم للبلاد بالفعل. ففي عام 1952، أقصت حركة يوليو الملك فاروق عن الحُكم، وتم اختيار الأمير محمد عبدالمنعم، ليكون رئيسًا لهيئة الوصاية على العرش، والمكونّة من 3 أعضاء لتولي صلاحيات الملك الرضيع، فؤاد الثاني. وفي يوم 7 سبتمبر 1952، تم حل هيئة الوصاية واعتقال أحد أعضاءها بتهمة التآمر وقلب نظام الحكم، وأصبح الأمير محمد عبدالمنعم، وصيًا وحيدًا على العرش الملكي، وتُصبح نسل شاه هي سيدة مصر الأولى نظرًا لوجود ملك رضيع، وعدم وجود ملكة للبلاد. واشتهرت نسل شاه دومًا بحضورها الاجتماعي وأناقتها الباذخة التي خطفت الأضواء من شقيقات الملك فاروق، وكان يراها المصريون كانوا يرونها أجمل أميرات أسرة محمد علي. كمّا تركزت أنشطتها في العمل الخيري، وكانت تحضر بشكل رسميّ الأحداث الرياضية؛ مثل مباريات البولو، وبطولة التنس الدولية التى كانت تُقام داخل أسوار نادي الجزيرة. ملكة لمُدة 10 أشهر لم تستمر فترة وصاية الأميرة محمد عبدالمنعم سوى 10 أشهر، وانتهت وصايته رسميًا وقت إلغاء الملكية في 18 يونيو 1953. وفي عام 1957، ألقي القبض على الأمير محمد عبدالمنعم وزوجته الأميرة نسل شاه واتهم بالمشاركة في مؤامرة ضد الرئيس جمال عبدالناصر لقلب نظام الحكم، واجبر على الخروج من البلاد بعد مصادرة ممتلكاته. وفيما بعد، حدث الطلاق بين نسل شاه والأمير محمد عبدالمنعم، والذي توفى عام 1979 عن عمر يناهز الثمانون عاما ودفن فى مصر، أما الأميرة فأكملت رحلاتها خارج البلاد بعيدًا عن وطنها الأم، تُركيا. رحيل ملكيّ أكملت الأميرة نسل شاه رحلتها وحيدة إلى أنّ تزوجت من صاحب السمو الامبراطوري، عزيز أفندي، وأنجبت ولدًا في فلورنسا بإيطاليا عام 1970. إلى أنّ سمحت لها السلطات التُركية بالعودة إلى أرض الوطن عام 1974. وفي رحاب بيتٍ كبير بمدينة اسطنبول، عاشت الأميرة حياتها إلى أنّ توفت 3 ابريل من عام 2012، عن عُمر يناهز 91 عامًا. حيثُ ودعت الدُنيا برصيد كبير من الحكايات، من ضمنها أنها كانت أميرة مصرية في أحد الأيام. فودّعها الأتراك في جنازة مهيبة وذكرتها الصُحف المصرية بعنوان:«توفت أكبر أفراد العائلة العُثمانية في تُركيا». وأفاد ابن شقيقها عبدالحميد كايهان عثمان اوغلو، حسبّ موقع «السفير» اللبناني، أن نسل شاه عثمان أوغلو حفيدة السلطان وحيد الدين نسل شاه سلطان توفيت، دون أن يذكر السبب الحقيقي الذي أدى إلى الوفاة، لكن تقارير إعلامية أكدت أنها تعرضت لأزمة قلبية. وأقيمت جنازة الأميرة، التي كانت تعد أكبر أفراد العائلة العثمانية.