في قديم الزمان ، و قبل التوصل الى الكتابة والقراءة، كانت البشرية تؤرخ اعتمادا على الأحداث والحوادث والكوارث الطبيعية والحروب والدمار ، أو ببعثة الأنبياء والرسل وحدوث المعجزات.... كل هذا كان أمرا طبعيا ومفيدا في عصره ، نظرا لانعدام البديل الذي شكلته الرموز الموحدة بين القبائل والشعوب ، ثم ، بعد ذلك، الكتابة والقراءة ، عوضا عن الحفظ والذاكرة. أما وقد تطوت وسائل التوثيق والتحليل والتقريب والتقليل ،فإن اللجوء الى التأريخ بالأحداث والحوادث بات من مخلفات الماضي وضربا من ضروب التخلف . والواقع في بلادنا أننا مازلنا نؤرخ لأحوالنا والمتغيرات فيها بالحوادث والحملات والانتخابات الجماعية والتشريعية ، وحالنا هذه تكرس في إداراتنا التي لم تتوفق بعد في إدارة التوثيق في مجالات كثيرة، حيث مازلنا نتعامل بالكلام ونسلم الوثائق او نتسلمها شفويا ونعطي التعليمات بالطريقة نفسها... ومما يثير الضحك والشفقة في آن واحد أن المواطن قد يقطع مسافة مئات الكلومترات للاستفسار عن وضعية ملف ما فيتلقى جوابا شفويا لا يفيد في شيء ولا دليل على صحته. كل هذا يجرنا الى الحديث عن الفعل الإداري وتدبير امور المواطنين بالوسائل القانونية المستساغة عقلا والمفهومة منطقا ، ومن ذلك تنفيذ الصفقات وتطبيق دفاتر التحملات التي غالبا ما تكون مضامينها في واد والتطبيق في جهة أخرى أبعد من الواد الآخر. ترى! مادخل الفيل والحكومة في كل هذا ؟ من المعروف ان التأريخ والتوثيق مترابطان في الوسائل والأهداف ، وكذلك الشأن في تسيير أمور المواطنين؛ ومن الجانب التاريخي نذكر حادثة أصحاب الفيل التي وردت في القرآن الكريم و فيها يتجلى أمر الله عز وجل بأن أرسل إليهم طيرا ترميهم يحجر من سجيل. ومن بلادنا نذكر حادثة فيل حديقة الرباط الواقعة يوم 26 يوليوز 2016 ، والتي ذهب ضحيتها فتاة في السابعة من عمرها حيث أصابها فيل بحجرة كبيرة في رأسها ادت إلى وفاتها. وإذا كانت حادثة أصحاب الفيل قد حكت لنا كيف انهزم الكفار وفيلتهم بامر من الله ، وانهم لم يستطيعوا مقاومة قوة الخالق القاهر..ولم يطلبوا النجدة من سيارات الإسعاف ولم تحضر وسائل الإعلام ولا أي مسؤول عن الكعبة المشرفة، ولا شعراء سوق عكاظ ولا الصعاليك ... فإن حادثة فيل الرباط تأتي في زمن آخر وفي سياق تاريخي مختلف ، فلا معجزة تنتظر من ناحية ، وهناك ، من ناحية أخرى ، جهات وأسماء بعينها مسؤولة عن الحادث بقوة القانون ، وهنا يطرح السؤال: أين التوثيق؟ من المسؤول الكبير عن الفيل ؟ ومن المسؤول الصغير ؟ ومن مراقبه ؟ وفي أي مكان يجب أن يكون هذا المسؤول ؟ وهل كان حاضرا لحظة الضربة؟ ومن "سلم " الحجرة الى الفيل ؟ وأين سيارة الإسعاف ؟ لعلها أسئلة مشروعة تضاف إلى أسئلة أخرى كثيرة تتصل بالتزوير والرشوة والإهمال في الإدارات والمستشفيات والشوارع والطرقات ، و تسائلنا عن قيمة التوثيق. وأما الحوادث التي تؤرخ لهذه الحكومة فكثيرة ولا تحصى ، منها الكراطة ومقالع الرمال و الأساتذة المتدربون وتخريب إصلاح التقاعد ، ولكل هذه الحوادث أصل في ما نعيشه من صراعات في بلادنا ، وقد ظهرت بوادرها منذ الشهور الأولى من ولاية هذه الحكومة، إلا حادثة فيل حديقة الرباط ، فقد كانت غريبة ولم تخطر على بال ، لأنها ،من ناحية، تسائلنا : أي صراع بين الفتاة والفيل حتى يقصفها بالحجرة وبتلك القسوة !؟ ومن ناحية أخرى ، فإن فيل الجاهلية كان هو من تلقى الحجر ، بينما الفيل في بلادنا هو الذي يلقي الحجر ، و هو الضارب بالحجر. ومن هنا فإن" خير " ما ختمت به هذه الحكومة ولايتها ، على بعد شهرين من موعد الانتخابات، هو حادثة الفيل ، في حديقة الحيوانات ، التي أدت إلى الوفاة. فهي ، إذن، حكومة توثق لنفسها بآخر حادثة فظيعة وقعت في عمرها ، فتسمى نفسها ب: "حكومة عام الفيل".