ربما ستشعر بشيء من الدونية والاستخفاف بمجرد أن تقرأ العنوان، لكن الأمر يستحق منا فعلا طرح هكذا سؤال والإجابة عنه في نفس الوقت أو ترك كل واحد يجيب عنه حسب تفكيره وكذا نظرته للأمور. لقد كتب الصحفيون والكتاب في المشرق العربي مقالات عديدة تنصب في نفس الموضوع خاصة بعد الربيع العربي وما تلاه من نتائج وعواقب سواء كانت ايجابية أو سلبية، واغلب هؤلاء الكتاب كتبوا عن الديمقراطية وتساءلوا إن كانت الشعوب العربية التي عاشت في حضن الاستبداد لعقود من الزمن دون أن تحرك ساكنا ضد من يحكمونها أو حتى تعطي إشارات على ذلك،تساءلوا إن كانت هذه الشعوب تستحق فعلا الديمقراطية والحرية أم أنها لازالت قاصرة كي تعيش في ظل هذه المبادئ،وهذه التساؤلات مشروعة وعادية ولا ينبغي أن تشعرنا بالإحباط أو بأننا لسنا بشرا كالآخرين، بل يجب أن نتعاطى معها بصدر رحب وان نجلس مع أنفسنا جلسة صادقة ثم نجيب عنها بكل منطق وعقلانية، وعلى أي فالكتابات التي كتبت في المشرق العربي عن هذا الموضوع قد لا تتماشى ومجتمعنا المغربي،لكن نحن كمغاربة "فردا فردا" إن طرحنا هذا السؤال على أنفسنا فكيف يا ترى ستكون إجاباتنا عليه؟ إن الإجابة عن هذا السؤال نيابة عن كل المغاربة سيكون من سابع المستحيلات،وسيكون في الأصل جوابا ناقصا، وبالتالي سأجيب عنه نيابة عن نفسي فقط ولكل شخص الحق في أن يجيب عنه نيابة عن نفسه،فإن تطابقت أجوبتنا فذلك جيد وان حدث العكس فالاختلاف رحمة من الله. بالنسبة لي وكمواطن يعيش في هذا البلد الذي يوصف بصفة "الاستثناء"،وكمهتم بالشأن الوطني والدولي أعتقد وأتمنى أن يكون هذا الاعتقاد خاطئا أننا لازلنا لم نصل بعد إلى مستوى من الوعي نستحق به الإصلاح أو التغيير كما يحلوا للبعض تسميته،وهذا لا يعني أنني أبرر ممارسات وأفعال المسؤولين باختلاف رتبهم ومناصبهم لأن هذه الممارسات المتمثلة في قلة المسؤولية، والكذب على المواطنين، وبيع الأوهام لهم،واختلاس الأموال العامة،وممارسة شتى أنواع الإهانة ضد المواطن والتنكيل به، وتماطل المسؤول في خدمته، وعدم الوفاء بوعوده الانتخابية ...كلها أفعال ما كان المسؤول ليتجرأ على فعلها أو حتى التفكير فيها لو كان أمامه مواطن واعي ومسؤول،مواطن يعرف ما له وما عليه،مواطن يعرف متى يصوت ومتى يقاطع،مواطن لا يرضى لغيره الظلم كما لا يرضاه لنفسه،مواطن يحب لغيره ما يحبه لنفسه،مواطن يقرأ ما في الكتب ولا يقرأ ما في الكف،مواطن متحضر ثقافيا وأخلاقيا وليس مظهرا أو بريستيجا، مواطن لا ينحصر تفكيره فقط في بطنه أو في ما بين رجليه،مواطن يحترم نفسه وغيره ويقدر ممتلكاته الخاصة والعامة ويحافظ عليها ويحميها،مواطن نظيف خارج منزله كما في داخله... فلنكن صادقين مع أنفسنا ولو قليلا، يا معشر العباد وقولوا لي لمن سيتم هذا التغيير أو هذا الإصلاح الذي نحلم به ليلا ونهارا ونتبادل حوله أطراف الحديث في المقاهي والشوارع ؟ هل لذلك الشخص الذي يرمي الزبالة في الشارع العام؟ أو لذلك الشخص الذي يكسر الممتلكات العامة معتقدا أنه ينتقم من المسؤول الفلاني أو العلاني؟ أو لذاك الذي يعتبر أن خرق الضوء الأحمر إنجازا عظيما؟ أو لتلك الجماهير التي تخرب الملاعب في نهاية كل أسبوع؟ أم لأولئك الذين لا يجيدون سوى الكلام الخادش للحياء ومراقبة عورات الناس ؟ أو لمن يعتقد أن الحرية هي "التنورة، والميني،" وشرب الشيشة ومقارعة الخمر في الشارع العام،و ممارسة الحب على هوامش المدن والمواقع الأثرية وبين صخور الشواطئ..؟ "في وقت ترك فيه حرية التعبير والتنقل والتظاهر وقفز إلى تلك الحريات التي لا هدف له منها سوى إشباع غرائزه الجنسية.." أو لمن يدعوا إلى حرية ما وفي نفس الوقت يدعوا إلى تقييد أخرى ؟ أو لذاك الشخص الذي إن قلت له ماذا ستفعل إن كنت مسؤولا؟ فيجيبك بكل ثقة أنه سيختلس ما يمكن اختلاسه من أموال.. أو ذلك الذي يبيع نفسه وصوته بأرخص الأثمان مع كل موعد انتخابي... أو لذلك الذي يقول أنا ومن بعدي الطوفان.. أجيبوني بالله عليكم،وان كنتم ستقولون لي لا تعمم،فأنا سأقول لكم لا أعمم لأن التعميم من صفات الجهلة،ولكن هذا ما أصبح سائدا في مجتمعنا،فقد انقلبت المفاهيم رأسا على عقب،وأصبحت هذه الأفكار الهابطة مسيطرة على عقول الكثيرين للأسف،وسأقول لكم كذلك أنتم قراء هذا مقال المتواضع أنظروا إلى محيطكم أو إلى بيئتكم التي تعيشون فيها، هل تظهر لكم أية مؤشرات تدل على أننا نستحق التغيير عن جدارة واستحقاق؟ وهل يمكن لمجتمعنا أن يتغير دون أن نغير أنفسنا ولو قليلا؟ فإن كان جوابكم بلا فتلكم هي الكارثة،وإن كان جوابكم بنعم فالحمد لله أن تحليلي لم يكن صائبا.