هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساكنة الأدبية بين الوعي والتوتر .. مبدعون مغاربة يتحدثون عن تجربة الأدب والحياة تحت سقف واحد...
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 12 - 2015

تتعدد الثنائيات الأدبية بالمغرب، ممن اختاروا الحياة الزوجية رباطا مقدسا، يجمعهم الأدب والبيت والعائلة والفضاء المشترك، دون أن تؤثر مسيرة وشهرة أحدهما على الآخر، بل يلاحظ في أغلب الثنائيات المغربية الجديدة خاصة، أنها ثنائيات خطت لها مسار حياة وإبداع متميزين. ولم يستطع رابط الزواج أن يكبح القدرة على الإبداع خاصة بالنسبة للنساء. وإن كانت بعض الثنائيات الأدبية بالمغرب قد انتهت بالطلاق لأسباب أو لأخرى، فإن الثنائيات الناجحة تمنح للمهتمين مادة إنسانية وثقافية متميزة يمكنهم الاشتغال عليها، من جوانب متعددة..
وبعيدا عن الثنائيات التي انتهت بالفراق، فعدد من الثنائيات تمارس حياتها وإبداعها بمزيد من التوهج ومن أشهرها الزوجان الروائي والشاعر حسن نجمي والشاعرة والروائية عائشة البصري، والشاعر سعيد الباز والقاصة لطيفة باقا، الشاعرة وداد بنموسى والروائي بهاء الدين الطود، الناقد والكاتب محمد معتصم والشاعرة والمترجمة رجاء الطالبي...ويعد الزوجان نسيمة الراوي الشاعرة والناقد والشاعر محمد العناز، أصغر الثنائيات الأدبية في المغرب. وإن كان البعض اعتبر أن الوقت غير مناسب لإجراء حوار حول علاقة حياته الخاصة بحياته الابداعية، فعلى العكس من ذلك، كان البعض الآخر منفتحا على الحديث من داخل الوعي بقيمة إبراز خصوصية الحياة المشتركة بين المبدعين..
في هذا الملف نستضيف أسماء عايشت هذه التجربة ولا تزال، طرحنا عليها أسئلة متقاربة، فكانت الأجوبة مفاجئة لنا، فالجميع لا ينظر إلى المساكنة الأدبية بنفس الطريقة، لكن الجميع يتفق على أن الزواج لا يكبح الإبداع الحقيقي....
محمد معتصم: حياة عادية يتصالح فيها الفكر والواقع
في الأدب كما في الفن المسرحي والسينمائي والموسيقى يلتقي فاعلان ثقافيان ويؤلفان زوجا ذا مرجعية واقعية مؤطرة اجتماعيا بالعادات والتقاليد والقواعد الاجتماعية والأعراف، وهنا يكونان معا نقطة في سياق عام، تتحكم فيهما المواضعات الاجتماعية، لكنهما سيختلفان عن كل ذلك، وهذا الوجه الحقيقي لهما، بحسب ميدان اشتغالهما، فالزوج الأدبي قد يكون؛
- زوج يقوم على المصلحة الفردية، وهنا يكون الزوج مهددا في أي لحظة بالانفجار والتشتت والتفكك، كأن يبني أحد طرفي الزوج جسر الوصول إلى الواجهة أو إلى الحظوة أو إلى تلبية رغبة شخصية وذاتية... على ظهر (حياة) الطرف الآخر. لذلك انتشر الحديث في الأزواج المتصارعة في ميادين منتجة لهذه المصالح خاصة منها التي تلقى الضوء وتجلب الربح المادي، كثر الحديث عنها، بل أصبحت فضاء مستقلا بذاته، وخلق قنوات إعلامية وصحافية تقليدية مكتوبة مثل المجلات والجرائد أو الإذاعية التي خصصت لها برامج تقوم على تقصي الأخبار أو فبركتها من أجل إحداث ضجات إعلامية تشغل الناس العاديين، وتنتج خطابات صحافية وإعلامية طفيلية تقتات من وعلى الإشاعة والادعاء الكاذب، أو توسلت إلى مصالحها بالتقنيات الحديثة الإلكترونية والرقمية.
ومادام الأدب غير منتج لضجات إعلامية ولا مثير لاهتمام عموم الناس ولا مدر للمال، فإن أغلب الأزواج تحكمه المصالح الصغرى، من قبيل تبادل المواقع داخل جمعية أو نادٍ ثقافي، وتحكمها بالتالي، العلاقات الاجتماعية، وهو ما نجده أساسيا في استمرار أو تفرق الأزواج في المجال الأدبي.
- زوج يقوم على تبادل التجارب والخبرات الشخصية والمعرفية وتكون قاعدته اجتماعية، لكن أهم شيء فيه التفاهم، أو ما يمكن أن نطلق عليه «احترام الطرفين للخصوصية النوعية لبعضيهما»، فالرجل الأديب يحترم خصوصية الزوجة الأديبة، واحترام عقليتها وعقلها»، في الوقت ذاته وبالرغم من التمايز والاختلاف الجنسي والثقافي والاجتماعي، أعني بذلك اختلاف مرجعية كل طرف بحسب تكوينه ومجال إبداعه واختلاف الفئة الاجتماعية، التي لا يمكن بأي صورة تجاوزه، لا في الأزواج العادية أم الأزواج المثقفة والأدبية،،، بالرغم من كل ذلك، نجدهما قادرين على صهر كل ذلك في بوتقة واحدة. ما هي البوتقة التي تنصهر فيها الاختلافات والخلافات؟ إنها المنتوج الأدبي، ويتجلى ذلك في التجربة المغربية عند الأزواج التي تكون قائمة عادة على الاختلاف في مجال الاشتغال، أي أن هناك – سأتحدث بالتعميم عن أزواج مغاربة، لأنه ليس من المناسب الحديث عنهم بالنيابة، ولن أسمح لنفسي بذلك - أزواج استطاعوا تجاوز التمايز الجنسي (في النوع) والثقافي والاجتماعي، ونادرا ما نجد التمايز العقدي في الأزواج المغربية، والتعايش بسلم في ما أنتجوه، ويتجلى مثلا عمل الشاعر أو الشاعرة وحساسيته أو حساسيتها في لغة الناقد والباحث أو الناقدة والباحثة، فتسمع صوت أحدهما وأسلوبه في إنتاج الآخر، وهنا يكون الاختلاف منتجا، بينما نجد الحدة تكون عنيفة بين الأزواج الذين تكون مجالات اهتماماتهم متطابقة، مثلا الطرف الأول شاعر والثاني شاعرة، والعكس، لأن هذا التطابق والتماثل يغذي الخلاف على الاختلاف.
عموما أنظر إلى تجربة الأزواج، الذين تعرفت عليهم، في الأدب المغربي بإيجاب وإعجاب، لأن أغلب الأزواج الذين فشلوا في تجاربهم كانوا، كما أعتقد، نتاج تناقض أبعاد ومقاصد وأهداف الحياة بين طرفين، ويتجلى أثر الزيجات الفاشلة في النصوص واللغة كذلك، وكم من ديوان شعر معاصر شكل فيه التذمر والأسى والتشكي قاعدة أساسية في اللغة الشعرية وبني فضاؤه الشعري على متخيل عدائي للطرف الآخر، وغالبا ما يلجأ أحدهم إلى الكناية والتلميح. وهو ما يغذي في أحد الطرفين روح العداء ويشعره بروح الانتقام.
بالنسبة لي ورجاء، تقوم علاقتنا على التوفيق بين الاختلاف الاجتماعي فهي من الدار البيضاء وتنحدر من أصول سلاوية تختلف عن جذوري الشاوية ومسقط رأسي بالدار البيضاء، وإن جمعت بيننا الدار البيضاء برحابتها وبياضها واختلاطها وتنوع أعراقها، فإن الاختلاف في بعض العادات والتقاليد لم يقف امام موقفنا الجذري الذي يؤمن بأن الأصول الحقيقية هي ما نؤسسه بما يوافق رغباتنا وأهدافنا في الحياة، حياتنا نحن لا حياة أسلافنا، حياتنا التي تلونت بألوان الفكر والأدب، أي التي تشكلت من حيوات الذين واللاتي قرأنا لهم، وأصبحوا جزءا منا يسكنون أعماقنا، وبالرغم من كل الاختلافات العرقية والنوعية والاجتماعية وحدت قراءاتنا بيننا، وهذا الاختيار، سمح لنا بخلق منطقة ممنوعة، نمارس فيها الحق في قتل كل الضغوط الخارجية، ونلتقي فيها لا كزوج تقليدي، بل كصديقين يناقشان بروح حرة وبندية، وهو الذي يحمي خصوصية كل طرف ويحافظ له على المبادئ الأساسية لاستمرار الحياة عامة والزوج خاصة: الكرامة والحرية والمساوة.
عائشة البصري: الارتباط بكاتب لعنة تتبع المرأة الكاتبة أينما حلت...وأدعو الثنائيات الأدبية الصاعدة ألا يخضعوا لهذا الابتزاز الثقافي.
n هل من السهل اقتسام الحياة مع كاتب يقاسمنا نفس الشغف على المستوى الإبداعي؟
o العلاقة بين زوجين مبدعين فيها الكثير من الألم والمعاناة لا يدركها الآخرون، ونادرا ما تستمر هذه العلاقة ، تبدأ بالشد والجذب بين الاثنين وغالبا تنتهي بانقطاع الحبل . الكتابة فعل فردي وتحتاج مسافة بُعد عن الآخر، كما تحتاج لحرية أكبر و الالتزام المؤسسي يضعها تحت المحك . هناك نماذج كثيرة في العالم العربي تبرهن على ذلك ، ناهيك عن تجاذب مساحة الضوء والنرجسية المرتفعة لدى المبدع عموما. في تقديم للشاعر والناقد دانيال لوفيرس لحدس ذئبة ( مختارات شعرية مترجمة للفرنسية صدرت في باريس السنة الماضية ) تناول الناقد هذا الجانب الذي سماه المساكنة الشعرية وجعلها مفتاحا لقراءة هذه النصوص الشعرية وأكد على تأثيرها السلبي على القصيدة، وحمل بشكل عام هذه المساكنة الشعرية سوداوية اللغة بل أكد «أن المرأة الشاعرة تعتقد أنها ستجد كلّ شيء في زوج شاعر. ومن هنا
بالضبط ،أي من تعايش عَالَمَيْن ِمبدعين تحت سقف واحد، عادة ماتحدث الشرارة، فتتجلّى الغيرة وتظهرالنرجسيةالمدمرة ..».
n كيف تتصرفين ككاتبة في الفضاء المشترك، خاصة فضاء الكتابة؟
o شخصيا فهمت في الوقت المناسب أن غرفة مستقلة تخصني في البيت هي الملاذ من أي تشابك أو تشويش عائلي . فاقتطعت لنفسي غرفة صغيرة من البيت فيها مكتبتي الخاصة وكومبيوتري وأرشيفي ووثائقي وموسيقاي . لنقل أنها فضاء خاص بي لا يدخله أحد حتى زوجي الذي أقدر له احترامه لخصوصيتي ككاتبة . زوجي كذلك له مكتبته الخاصة وفضاؤه الخاص . أدخل الغرفة صباحا كما لو أنني ذاهبة إلى العمل. حين أغادرها أغلقها ليظل عالم الكاتبة منفصلا عن عالم الأم والزوجة . هناك فرق بين عائشة ككاتبة وعائشة كأم وزوجة ،عكس ما يبدو للقراء . المهم أنني أجاهد من أجل خلق توازن بينهما .
n هل تحسين أن هناك «بريستيجا أدبيا» معينا في تشكيل ثنائي أدبي، أو على الأقل الوعي به؟
o نستطيع أن نقول إنه بريستيج في أوروبا أو أمريكا ،حيث ارتبطت ثنائيات أدبية في الأدب والحياة وبصمت تاريخ الإبداع الإنساني بتجارب غنية على سبيل المثال جوليا كريستيفا وفيلي سوليرس ،تودوروف والروائية الكندية نانسي هوستن والثنائي الشهير جان بول سارتر وسيمون ديبوفوار ... لكنه ليس كذلك في العالم العربي الذي لا يتسم بالموضوعية، ويرتاب في القدرات الإبداعية للمرأة ولا يعترف إلا نادرا باستقلالها الفكري . بل بالعكس إن الارتباط بكاتب لعنة تتبع المرأة الكاتبة أينما حلت . شخصيا عانيت من هذا وما زلت أعاني بسبب أن زوجي كان سبّاقا للنشر والحضور الثقافي وتكلف بمهمات ثقافية كثيرة ، منها رئيسا لاتحاد كتاب المغرب . أقصيت من أنشطة وأسفار ونشر، لم أشارك إلا كمتفرجة وطيلة ست سنوات من ترؤسه الاتحاد . حينها كنت في البداية وكنت في حاجة إلى دعم . هذه ملفات قديمة وأفضل أن لا فتحها، كما أنني لا أحب دور الضحية . الحمد لله رب ضارة نافعة . المؤسسات الثقافية لا تصنع كاتبا. لكنني أعتبرها تمييزا وعنصرية ضد المرأة . هناك الكثيرات تأذين من هذا التمييز، أحبطن وغادرن الساحة، هناك أخريات كانت لهن الشجاعة للتخلص من علاقة مدمرة....من الطرائف في هذا السياق أن يضع أحد ما في استطلاع للرأي أو عريضة للتضامن اسمي جانب اسم زوجي دون أن يستشيرني ، كأنه من البديهي أن تكون لنا نفس المواقف. أو أن يوشوش إعلامي في أذني معتذرا بأنه لم يستضفني في برنامجه لأن عليه أن يستضيف زوجي أولا. أو يخبرني ناقد أنه كتب مقالة عن مجموعة شعرية لي ولم ينشرها لأنه تخوف من رد فعل زوجي....أو يقصيني أحد من نشاط ثقافي لأن زوجي كان» يقصيه» في اتحاد كتاب المغرب أو في وزارة الثقافة. ثم هناك حالات إقصاء من المشاركة في مهرجان لأن زوجي سيكون مشاركا فيه ولا يجوز الجمع بيننا على منصة واحدة أو يهاجمني كاتب لتصفية حسابات سياسية مع الزوج. فلو لم أتجه إلى فضاءات خارج المغرب، لما أصدرت كل هاته الكتب ولما كان لي موقع في الساحة الثقافية .
هكذا حين أعلنت عن نفسي ككاتبة وجدتني أمشي على بقايا ألغام حرب لم أشارك فيها.
وأدعو الثنائيات الأدبية الصاعدة ألا تخضع لهذا الابتزاز الثقافي وأن يستفيدوا من القيمة المضافة للمساكنة الأدبية.
n سؤال يطرحه الجميع: هل زوجك/ الكاتب أو الشاعر، هو قارئك الأول، وهل يمكن أن تغيري بعض النهايات إن أشار عليك بذلك، هل تفعلين نفس الشيء، في حالة اطلاعك على أعماله قبل نشرها؟
o ليس من الضروري أن يقرأ الزوج للزوجة أو العكس . الزواج مؤسسة لا تلزم لا المرأة ولا الرجل بالمشاركة الأدبية والفكرية . لدي أفكاري ومواقفي ولدى زوجي أفكاره ومواقفه تختلف تماما .رغم أن زوجي قدم نسبة كبيرة من المبدعات للساحة الثقافية المغربية. الجل يستغرب أن زوجي لم يقرأ لي يوما وأنا منذ سنوات لم أقرأ له شيئا . الكل يسألني هل قرأت روايته جيرترود ، وحين أجيب بالنفي ترتسم على وجوههم علامة الدهشة أو التشكيك . زوجي لا يعرف عن روايتي( ليالي الحرير) إلا ما يسمعه من نقاشات جانبية بين الأصدقاء ... عادي. وأفضل أن يبقى زوجي بعيدا عن كتاباتي .. لم نتشارك يوما منصة واحدة ... .للتوضيح نحن مختلفان تماما في أسلوب الكتابة مرجعياتنا مختلفة والاختلاف الأدبي لا يفسد للزواج مودة .المهم بالنسبة لي هي هذه المساحة من الحرية الإبداعية التي أتمتع بها داخل مؤسسة الزواج والتي تفتقدها العديد من النساء.
الشاعر سعيد الباز: الإبداع شأن فردي بامتياز ولا غيرة بيني وبين زوجتي القاصة لطيفة باقا
n هل إلقاء الضوء على حياة الثنائيات الثقافية من شأنه التأكيد على غنى ما في الحياة الأدبية لمجتمع ما؟
o لا أعتقد بأنّ ذلك يكشف عن غنى ما في الحياة الأدبية للمجتمع. الذي يخطر ببالي الآن هي بعض النماذج المعروفة في تاريخ الأدب و الفكر لثنائيات ثقافية أثير حولها الكثير من الجدل سيمون دوبوفوار و جان بول سارتر مثلا، وحتّى راينر ماريا ريلكه و لو سالومي... حكايات طويلة عن هيمنة طرف على الآخر، و التجاذبات والاستقطابات الحادّة التي تحدث في هذا النوع من الزيجات أو العلاقات. من المعلوم أنّ الكتابة و الإبداع عموما شأن فردي بامتياز، و الثنائيات الثقافية تعرّض هذا الهمّ والانشغال الفردي إلى اختبارات قوية قد تؤذي في الصميم هذا النوع من العلاقات. أنا لا أنفي في الوقت نفسه نجاح مثل هذه الثنائيات إذا ما كانت مظهرا استعراضيا في الواجهة الاجتماعية، و في العمق لا تخرج عن إطار العلاقات و الزيجات التقليدية. إنّ حديثي ينصرف بالتحديد إلى طرفين يمتلك كلّ واحد منهما مشروعه الخاص في الكتابة و الإبداع، مستقلّين تماما ومحافظين على فردية العملية الإبداعية. أمر شاقّ حقّا و محفوف بالكثير من الإكراهات، وضرورات اليقظة والانتباه إلى الحدود الفاصلة بين الطرفين، و عدم السقوط في التماهي الواحد في الآخر.
n كيف تعيش شخصيا هذه الثنائية الأدبية، كزوج وكشاعر ومبدع؟ هل الوعي بها كان منذ البداية ام انه وعي يأخذ وقتا طويلا كي يتشكل؟
o سأكون كاذبا إذا قلت بأنّ الوعي كان منذ البداية. لقد تشكّل مع الأيام وتطور علاقتنا. أنا قارئ معجب بكتابات لطيفة قبل أن ألتقي بها، وهي قرأت لي أو بالأحرى وصلتها نصوصي المنشورة مصحوبة بصورة متداولة عنّي في الوسط الثقافي أيّامها من عزوفي عن النشر واعتدادي بهامشيتي. التقينا بالصدفة، فوجدنا أنفسنا متطابقين في الكثير من الأشياء مع اختلافات تغني علاقتنا، والأهمّ من ذلك أنّنا معا ننطلق من قيّم واحدة إنسانية نؤمن بحرية الإنسان و حقّه الطبيعي بأن يبني حياته وفق ما يمليه عليه الضمير الإنساني. لقد تغيرنا – و لاشك- منذ اللقاء الأوّل، ولكن كلّ واحد منّا يعكف على نحت تجربته انطلاقا من ذاكرته و مفارقات حياته وصوته الداخلي. أنا تغيرت قليلا بفضل لطيفة، كنت مشروع عازب أبدي غير اجتماعي، لي من المعارف أكثر ما لدي من الأصدقاء، روتيني إلى حدّ القرف أكره السفر وأعتبره فعلا لا أخلاقيا. كثير من الأشياء قد تغيرت بدرجة أو أخرى، لكننا ظللنا مخلصين للثروة التي نتقاسمها: الكتابة بصدق و بعمق بعيدا عن الزيف و الافتعال. إنّنا بذلك ندفع ضريبة مضاعفة في مجتمع يعتبر الكتابة و الإبداع ترفا أو في أقلّ الأحوال مضيعة للوقت. لكننا نمضي في الطريق غير آبهين. إنّ بداخل كلّ شخص بئرا كلما ازداد حفره لها اكتشف نفسه أكثر وامتدّت قامته في هذه الحياة.
n هل تحضر الغيرة في حياة الثنائيات بسبب نجاحات البعض دون الآخر؟
o ليست هناك غيرة، نجاح لطيفة هو نجاحي، و العكس صحيح. أعتقد أنّ الشعر و القصة متصالحان، وبينهما مودة كبيرة، ألا ترين كيف يتمّ التعامل معهما الآن. الجميع يقدّس (الماما/ الرواية) و يخطب ودّها، و الجميع يستسهل الشعر و القصة ويلوث أراضيهما بسَقْط الشعر أو القصة. وكما قلت آنفا، لنا وعي باستقلال كل تجربة عن أخرى، و المسار المختلف يجعل من الصعب السقوط في هذا النوع من الغيرة التي لا تعني في النهاية سوى أنّنا أمام تجربتين واحدة حقيقية و الثانية زائفة، و من الطبيعي أن يستدعي الزيف زميلته المفضلة: الغيرة.
n أثناء العملية الابداعية الأولية، هل تطلع شريكتك على مسوداتك او النسخ الاولى من الكتابات، أم أنك تحتفظ بسريتها حتى تكون جاهزة، وهل تشعر بالرغبة في الاطلاع على ما كتبته شريكتك، ام انك تقرأ العمل مثل البقية بعد صدوره؟
o نحن نشترك في الاطلاع على كتابة بعضنا البعض، مع وجود اختلافات طفيفة. لطيفة تشتغل على قصتها لمدة طويلة جدّا، وهي تحتفظ بالنص في سرّيته و لا تريد أن يكون هناك أيّ تأثير على منحاه وبنائه. إذ أن عملية القراءة قد تشوش على روح النص، لذلك تحتفظ به حتى المرحلة النهائية حين يكون مستعدا للقراءة. وهي في اعتقادي طريقة جيدة تجعلني في الوضعية الطبيعية، هي وضعية القارئ. ربّما أكون مصححا لغويا بحكم مهنتي، ودون هذا أنا قارئ فقط. أمّا في الشعر فالأمر مختلف، فأنا أكتب في كل وقت وجيوبي مليئة بالقصاصات كثيرا ما أطلع لطيفة عليها وأراقب قسمات وجهها كلّما لاحت علامات الدهشة، أقول مع نفسي نص لا بأس به. وكلما غابت عن محياها عدت إلى النصّ إن لم أفلح في اكتشاف مواطن الخلل فيه أعدمته دون أسف كبير.
n كيف تقوم بتدبير فضاء الكتابة داخل البيت، وهل لك طقوس قد تعارض طقوس الشريك؟
o أنا أكتب في كل مكان في السرير في المقهى و في كلّ مكان يسمح للقلم و للورقة أن يأخذ كلّ واحد حريته. كان لدينا مكتب لم ننجح سوى في ملئه بالملفات والأوراق، ولم نكتب عليه شيئا ذا بال. لذلك تخلّصنا منه في أوّل فرصة أتيحت لنا. لحظة الكتابة لدينا معا لا تتطلب سوى قليل من الهدوء، ورغم الأعباء و الالتزامات نحرص معا أن تمرّ بسلاسة و يسر لعلم كلّ واحد منّا بالقلق و التوتر المصاحب في العادة فعل الكتابة. لكن في الأعمّ ليست لدينا تلك الصورة الرومانسية و المزيفة عن الكاتب الحالم الذي يغيب لحظة الالهام عن الواقع. نعم، أقدامنا على الأرض و نعلم جيّدا أنا هذا العالم مليء بالقاذورات و البشاعات، و على الكاتب والكاتبة أن يواجهها قدر الإمكان بعين مفتوحة.
لطيفة باقا: ما يجمعني بزوجي الشاعر سعيد الباز هو أكثر من زواج، إنه صداقة وتواطؤ ومشروع حياة
n هل من السهل اقتسام الحياة مع كاتب بسمات مختلفة عنا إنسانيا وإبداعيا؟
o طرح علي هذا السؤال بصيغ متعددة مرة بمعنى هل الزواج «يناسب» الأدباء أم الأجدر بهم الابتعاد عن مؤسسته؟ ومرة بمعنى هل يختلف زواج «المبدعين» عن زواج باقي خلق الله؟ وفي مرات أخرى كنت أشعر وكأن السؤال يريد أن يعرف هل هناك «امتياز» ما في الارتباط بشريك هو في واقع الأمر يدخل ضمن «خوك» فالحرفة الذي يفترض فيه أن يكون «عدوك» ؟... أفضّل الإجابة عن هذا السؤال من خلال ملامسة تجربتي في خصوصيتها وتميزها . ما يجمعني بزوجي الشاعر سعيد الباز هو أكثر من زواج، إنه صداقة وتواطؤ ومشروع حياة، أقول باختصار أننا ننظر لنفس النقطة في الأفق وهذا ما يوحد رؤيتنا ومسارنا وربما مصيرنا أيضا. طبعا نحن ككل الازواج نقف من حين لآخر عند قدم الجدار: نختلف ، نغضب من بعضنا لكننا نعود للوضع الطبيعي لأن ما يجمعنا واضح ومبني على أسس لا تنحصر في العاطفي بل تتجاوزه إلى القناعات الفكرية التي نتقاسمها معا . فسعيد شبيهي و أنا شبيهته مما يجعل مشروعنا المستمر منذ أكثر من ثمانية عشر سنة، مشروع حياة تشاركية لها هوية عاطفية بامتدادات في الأدب و المواقف والأحلام الشخصية.
n كيف تتصرفين ككاتبة بحاجة لمساحتها الخاصة داخل هذا الفضاء المشترك؟
o ليس لدينا فضاء للكتابة، منزلنا كله ورشة للكتابة وللحياة. لدينا أكثر من مكان للكتابة بالمفهوم المتعارف عليه، لكن لا أحد منا يجلس للمكتب كي يكتب ربما لأننا معا نتوجس من الرسميات ومن الانضباط. أنا مثلا أكتب أمام التلفزيون وقد أكتب في السيارة أو في غرفة الأولاد (لا وجود للغرفة الخاصة أو غرفة فرجينيا وولف حتى الآن) وسعيد يكتب في غرفة النوم... صحيح أن سعيد مرتب وأنا فوضوية لكن سعيد لا يحسن أرشفة أوراقه حيث يكتب على عجل عادة فأتكفل أنا بذلك... (علي دائما مثلا البحث في جيوبه قبل الالقاء بملابسه في آلة التصبين) أحيانا يصبح للحظات العادية طعم خاص كأن يبدع سعيد شذرة ونحن في المطبخ نتعاون على إعداد الأكل، أو تراودني فكرة أخبره بها، فيطلب مني أن أسرع لتسجيلها قبل أن تهرب من بين يدي... هي لحظات تشكل ربما استثناء في علاقة مبدع بمبدعة تمنح في اعتقادي قيمة مضافة لارتباطنا.
n هل تحسين أن هناك «بريستيجا أدبيا» معينا في تشكيل ثنائي أدبي؟
o الحديث عن البرستيج سوف يسقط عن هذا النوع من الارتباط خاصية العفوية و الصدق... لا أعتقد أن في الموضوع أي بريستيج كل ما هنالك أن روحين تجمعهما روابط عاطفية ورؤية للوجود ومشروع حياة التقيا صدفة وقررا العيش معا لأن الوضع الصحيح هو أن يكونا تحت سقف واحد، أما تلك الورقة التي يطلق عليها عقد زواج فليست سوى تحصيل حاصل... لا أفكر كثيرا في الكيفية التي ينظر الآخرون بها إلينا لكني متأكدة أننا لا نختلف عن الناس و أن لكل زوج «كوبل» كيمياؤه الخاصة التي تجعل منه تجربة نوعية متميزة لا تشبه باقي التجارب.
n هل زوجك المبدع هو قارئك الأول؟
o سعيد هو قارئي الأول وأنا قارئته الأولى سعيد يراجع نصوصي لغويا قبل أن أنشرها (لا أستطيع أن أدعي العكس) ، تعرفين أن العديد من النساء الكاتبات يُتّهمن بأن هناك من «يكتب» لهن، أزواجهن أو ربما عشاقهن ، هذا كلام سخيف لا يخرج كثيرا عن الإطار الذكوري الذي انتجه ذلك الفكر المجبول على تبخيس المرأة والذي لا يسمح بأن يسند لها أي عمل ناجح خصوصا إذا كان هذا العمل عبارة عن إبداع لم يسبقها إليه أحد... اسمي كان معروفا قبل أن ألتقي بزوجي واسمه كان معروفا قبل أن ألتقيه، هذا قد يحرم مهندسي الإشاعات من تلفيق التهم إياها... لكننا نتحاور كثيرا حول كتاباتنا إن كان قبل النشر أو بعد النشر، نحن مختلفان في الجنس الأدبي وفي الأسلوب والصور، أتذكر أننا حاولنا في بداية علاقتنا أن نكتب نصا مشتركا لكننا فشلنا: اكتشفنا فجأة أنني كاتبة قصة وأنه شاعر وضحكنا كثيرا ولم نعد الكرة أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.