ليلة مرت بشق الأنفس على كثيرين و أنهت فرحة كثيرين، و تحول العالم بأسره نحو أنقرة و اسطنبول، و هتف الناس من وراء الشاشات، انتصر العسكر، لا بل ولوا الدبر و انتصر الشعب و من وراءه أوردغان ليلة قدمت دروسا و عبر، و فتحت عوالم التأويل و التحليل، من انقلب و من قاد؟ انتصر أم انهزم؟ من ساعد الرجل على العودة بعد أن تيقن الناس خروجه من السلطة و زوال عهده؟ هل سيعود كما كان؟ أضعف أم أقوى؟ من هو غولن؟ صوفي يقود عسكرا للإنقلاب؟ وحده أم تسوسه قوى أجنبية و غربية؟ وهل هو حقا من تزعم أم فقط تصفية حسابات و خدمة وفرها الانقلاب لأوردغان لانتقام من صاحب الخدمة؟ في المحصلة، الشرعية الديمقراطية و انتصار الشعب لقناعة الديمقراطية و الدولة المدنية رغم معارضة جزء عريض منه لسياسات الرئيس السلطان، هزمت انقلاب العسكر، هذا المشهد يفرض على أوردغان إعادة حساباته و سياساته خاصة حين يتحدث عن مد يده نحو الصلاحيات، وحين يتحدث عن التدل في سوريا و شمال العراق و مصر...ربما عليه التفكير مليا و ترتيب البيت الداخلي دون انتقام. خلال معركة التصدي للانقلاب، الجيش و المعارضة كسبا نقطة ضد أوردغان، خطابات الرجل و استصراخه الشعب و مناصريه عبرتقنيات الهاتف المحدثة ساهمت في إفشال المحاولة، غير أنه لساعات كادت الأمور تكاد تنفلت من بين يديه، موقف رآه البعض، دليلا على أنه كان في مكمن ضعف، لكن لايمكن الجزم بمدى انكسار الرجل أمام غرمائه حاليا، ما سيقدم عليه و ردة فعل النخب السياسية و الجنرات سيعطي نظرة عن مدى قوة الرجل، هل انحسرت أم تعاظمت؟ من الملاحظات العابرة، قنوات مصرية و عربية كسكاي نيوز و العربية و قنوات الممانعة بادرت للتسويق لفرضية نجاح الإنقلاب، و بات التحدث على أنه واقع جديد، انتهى حكم الإخوان، والجيش أنقذ الديمقراطية و تركيا من هيمنة الإرهاب و من ديكتاتورية الرئيس أوردغان، سوريا و بشار هزمتا الرجل، و سياسته في المنطقة أزعجت الجيش و جعلته ينقذ ما تبقى من تركيا و يمنعها من الغرق في وحل الحروب الإقليمية.. وحدها الجزيرة ظلت تقاوم، غير أن الليل و ما حمله من مفاجأت، فرض على الثلاثي الإعلامي الإستسلام لمنطق أن المحاولة فشلت، استسلمت لمنطق بقاء أوردغان و نهاية الإنقلاب، و الغرابة هي حساسية الإعلام المصري من كلمة انقلاب، فكان من استبدلها بمصطلح تمرد أو ثورة... ملاحظة أخرى و من باب المقارنة، أنه على عكس بعض المعارضات العربية، وقفت المعارضة التركية صفا واحدا مع الشرعية ضد الإنقلاب، ذكرني الموقف، بحادثة استقبال زعيم المعارضة الوطنية الموريتانية أحمد و لد داده من طرف الجنرال المنقلب على الرئيس الشرعي المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله و مباركته الإنقلاب، و وقوف المعارضة المصرية وراء السيسي و هو يلقي بيانه الإنقلابي ضد الرئيس الشرعي المدني المنتخب محمد مرسي.