كلما زرتها وأنا ابنها إلا وأجد نفسي في نقاش مع بقية إخوتي من أبنائها على حالتها القائمة ووضعها الهش،وكلما تحدثنا عنها كمدينة وتطرقنا لمعضلة التنمية المرتبطة بها كلما وجدنا أن النقاش لا ينطلق من العمق ولا يؤصل لأرضية منهجية علمية يمكن الاستناد إليها في حالة وجود رغبة للنهوض بالوضع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وأكاديميا لا يمكن أن نجد الحل الأنسب ونحن نجهل الواقع ونترفع عن التشخيص الموضوعي للحالة القائمة ونترفع أيضا عن معرفة تاريخ المدينة ووضعها الجغرافي وبنيتها الاجتماعية. وبناءا على هذا سنحاول أن نتطرق للموضوع اعتمادا على ثلاثة محاور أساسية لتفكيك ما هو ملخص في العنوان كمساهمة أولية وهي جزء من الكل فيما سنؤجل بقية الأجزاء لنتطرق إليها في مقالين مكملين في الأيام المقبلة. المدينة وتاريخها وأسباب المحدثة (أسباب الوجود) من المعلوم أن التمدين يحدث نتيجة عوامل اجتماعية وتطور البنية الفكرية لدى جماعة من الناس التي تؤدي إلى تأسيس كيان جماعي يحقق التعايش ويوفر الخدمة المتبادلة من خلال خلق مؤسسات تسهر على تحقيق أهداف الجماعة وغايتها، وهي غالبا ما تتجلى في عموميتها في تشكيل عصبة للحماية الجماعية الذاتية وتدبير المشترك وتحقيق الوجود لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية القائمة من خلال الفصل في النزاعات الناتجة عن الصراع البي-جماعي الذي يصدر من الأفراد لغاية خدمة الأنا وغياب قوانين مؤطرة وأعراف منصفة وتشكيل جبهة قادرة على مواجهة الأخطار الخارجية المهددة...و بدون تأصيل وتفصيل أكثر في هذا الجانب لأن المعنى ظاهر من خلال الإشارة، يمكن أن نشير إلى أن تشكل الجماعة يؤدي إلى التنافس الإيجابي والتلقائي من خلال محاولة الفرد والجماعة المصغرة رغبة في تحقيق التميُز والإنفراد في الجماعة الكبرى، وهذا يؤدي تلقائيا إلى تحسين المستوى المعرفي وبروز الإبداع وهو ما يُنتج ثقافة لهذه الجماعة بعوامل يحكمها الزمن يمكن أن نسميها بالعوامل التاريخية المسببة لتأسيس، واعتمادا على المعايير المذكورة وإسقاطا لأسباب وجود الخميسات كمدينة التي نشئت نتيجة اختيار المستعمر للمكان كموقع استراتيجي عسكري صالح لمواصلة السيطرة وجلب رجال البوادي للحرب دفاعا عن فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية ودراسة العقلية الزيانية لمعرفة شراسة مقاومتها للاستعمار باعتبار أن المقاومون الأمازيغ في الأطلس كانت مشكلة في جزء منها من سكان الزمور، مما يجعلنا نقول أن الشرط الأساسي لوجود كيان جماعي متميز وقائم على ثقافة خاصة غير حاضر بشكل من أشكال. ثانيا: المدينة والجغرافيا المتميزة والموقع الغير منصف. الجغرافيا المتميزة: تتميز الخميسات بجغرافيتها الشاسعة كإقليم والمسطحة في أكثرها وعدم العمل عليها وجعلها مدينة قائدة لإقليم فلاحي متميز على الصعيد الوطني مع وجود جبال كبيرة وغابات كثيفة كان بإمكان استغلالهما سياحيا في منطقة ايت ايكو وايت ايشو، كما لم يتم استغلال وديانها لإنشاء السدود خاصة في منطقة الخْبيبيزة بايت ايكو ينضاف إلى سد الكنزة واستغلاله فلاحيا على المستوى المنطقة والمحيط، مما سينعكس إيجابا على مستوى المدينة كمركز، وإضافة إلى هذا المعطى نشير أيضا إلى المعطى الإيكولوجي الهام من خلال التطرق إلى منطقتين متميزين تم استغلالهما بشكل بشع وسيء لم ينفع المدينة كمدينة ومحيطها ولا سكانهما بأي شكل. -المنطقة الأولى: ضاية رومي التي تتواجد على بعد 15 كلم فقط عبر الطريق المؤدي إلى جماعة جْمْعَة وهي ضاية مصنفة ضمن أجمل المناطق الإيكولوجية وطنيا، مما يجعلها قادرة أن تصبح قبلة سياحية معروفة من خلال توفير الشروط الموضوعية لتحقيق هذا المبتغى. -المنطقة الثانية: ولْماس وهي منطقة يتم استغلال مياهها الطبيعية (عين-حاية) بشكل بشع من طرف شركات كبرى بدون معايير قانونية ولا حتى عرفية تحقق الإنصاف في توزيع الثروة واستفادة سكانها من خيراتها ولا استفادة الإقليم من استغلال المنطقة بجعلها قبلة سياحية متميزة ستستفيد منه المدينة بشكل غير مباشر ، ونفس الأمر ينطبق على المساحة الجغرافيا الشاسعة التي يتم استغلالها من فلاحين كبار في غياب أي انعكاس إيجابي على المواطن الزموري. الموقع الغير منصف: تواجد الخميسات بين ثلاثة مدن لها تاريخ وتعتبر مدن كبرى كالرباط في الجنوب الغربي على بعد 84 كلم والقنيطرة في الشمال الغربي بنفس المسافة ومكناس شرقا ب 54 كلم جعلها غير قادرة لضبط أبنائها ومهمشة من الدولة بعدم تفكيرها في تطوير مؤسساتها وتوفير فرص العمل وتحسين الاقتصاد وخلق مؤسسات تضبط سكانها كالجامعة وتنتج شروط موضوعية للتنافس والاحتكاك الذي يطور المستوى الثقافي للساكنة وتحسن البنية الاجتماعية المشكلة لها. ثالثا: البنية السكانية والاجتماعية المكونة وتأثير أسباب الوجود على هشاشتها. استكمالا للمذكور وارتباطه للبنية المكونة للمدينة سكانيا واجتماعيا، وعلاقة هذه البنية بالتاريخ والجغرافيا، فالمحور يمكن تقسيمه إلى قسمين. البنية السكانية وتأثرها بعوامل التاريخ والجغرافيا: المنجرة كعالم للمستقبليات دائما ما يقول -من لا تاريخ له لا مستقبل له- وإسقاطا على المقولة فالخميسات يصعب تحديد تاريخ لها بمحتواه العميق المتجلي في البعد الزماني والانجازي والتميزي باعتبار أن تأسيسها حديث العهد (ثلاثينيات القرن الماضي) وهو تاريخ يصعب إن نقول أنه كافي استنادا لما تحتاجه المجتمعات للنهضة والتقدم وفرض الوجود إذا تمت المقارنة مع بقية المدن ذات الوزن الوجودي كفاس ومكناس وتطوان ومراكش. على مستوى الإنجاز موضوعيا ما أنتجته الخميسات يبقى محدود جدا على مستوى بناء الإنسان وانعكاس هذا البناء على التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للجماعة المكونة للمدينة وهذا مقبول نوعا ما قياسا على المعايير المحددة للتطور المجتمعات ومدى توفرها في البنية الاجتماعية الزمورية والواقع حجة يصعب تجاوزها، فيما تأثرها بالجغرافيا مرتبط بالخلل الكائن في إشكال تمييز الانتماء من خلال الثقافة العاكسة للسلوك الإنسان الزموري بعد اختلاطه بسكان مدن المحيط وتأثره النفسي بتمدينها وتطورها مما جعله ينسلخ عن كيانه الهوياتي ومحاولته للتخلص من اللغة الأم (الامازيغية) في الحياة اليومية بدون مبرر نموذج يحجج به، خاصة أنه حديث العهد وانتقاله من البادية إلى جماعة مشكل متداخل لم يقع إلا بعد ظهور المدن الكبرى المحيطة في شكلها العصري. البنية الاجتماعية وإشكال التمييز والتميز (الهجرة القاتلة الناتجة عن الدخول الفوضوي والخروج الموضوعي): تتجلى الإشكالات الدالة على أزمة الهوية للخميسات في المنظومة المكونة لها وصعوبة تحديد ماهيتها ومدى تميزها ولا حتى تمييزها، فإشكال التميز يتجلى في عدم تفردها لا ثقافيا من خلال بروز مثقفين كبار أو نجوم بإشعاع أكبر ولا حتى سياسيين متميزين، فيما عدم تفردها اقتصاديا ظاهر من خلال عدم تحديد البنية والخط الأساسي المتبع، حيث لا يمكن أن نقول أنها اقتصادية لأنها بلا معامل ولا يمكن أن نقول تجارية فالتجارة راكدة ولا يمكن أن نصنفها حتى فلاحية بالمعايير الحديثة للفلاحة، إلا إذا استثنينا الفلاحة الصغرى الموسمية وهي في جميع الأحوال غير قادرة على مسايرة العصر وتعقد الصراع التنافسي في الاستثمار الفلاحي، هذا في إشكال التميز، أما التمييز وإشكالاته مرتبط بنوع السكان في الأصل وثقافته، فرغم أن غالبية السكان أمزيغ اللسان والتركيبة الدموية فهذا العامل لم يعد قادر على فرض الوجود كعامل محدد يمكن أن يعتمد عليه للتصنيف، خاصة أن هناك خجل من بعض أبنائها إذا تحدثوا بلغتهم المحلية، وهو خجل ناتج عن عوامل متعددة مرتبطة بإحساس المهاجرون إليها من المناطق المجالية المحيطة بالضعف الوجودي نتيجة للتمييز القائم منذ وقت كاعتبارهم بربريين لما يحمله المصطلح من حمولة عنصرية قائمة منذ الاستعمار وكذا تأثر شبابها باللغة السائدة في المدن الحاضنة لهم للدراسة أو الشغل، بالإضافة إلى هذا فسكان المدينة يتكونون من العسكريين والموظفين العموميين من أصول المنطقة ووافدون من مدن أخرى بحكم التعيين وهم من الأغلبية المشكلة لتركيبة السكانية وبعض الفلاحين الصغار وقلة من تجار بسطاء، مما خلخل بنيتها الأساسية التي كانت تتكون من أمازيغ الضواحي وشتت الخط للبروز والتميز وشوش على الانفراد بشكل ثقافي خاص. يتبع ...