مراجعة المناهج التربوية وتخليصها من الأخطاء المختلفة التي قد تكون تسربت إليها، وتحيينها على ضوء المستجدات العلمية أو المستجدات الدستورية والإحصائية والإدارية وغيرها، أمر واجب. بل إن تلك المراجعة الشاملة تكون حيوية حين تكون مقاصدها تربوية محضة، وتتم بشكل شفاف، ولا تتجاوز حدود صلاحيات وزارة التربية الوطنية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي نفسه، إلى قضايا تتعلق بثوابت الأمة المتوافق عليها مثل الهوية الإسلامية للدولة المغربية. فما موقع المراجعة التي قامت بها وزارة التربية الوطنية مؤخرا للمناهج التربوية؟ في البداية ينبغي وضع الموضوع في سياقه، وتذكير من يحتاج إلى تذكير أن أرضية انطلاق تلك المراجعة تشكلت من "حملة" إعلامية منسقة أصبح لها زخم واضح بداية السنة الماضية 2015، وتتهم المناهج التربوية بالتطرف ونشر الكراهية، وتطالب ب"تنقيتها". وقد استجابت الوزارة بعد شهور بفتح ورش تنقيح المناهج ، كما أشارت إلى ذلك وثيقة عرض رسمي لتكوين المفتشين حينها،. حيث جاء في الوثيقة بمحور "السياق" فقرة "الاستجابة لطلب مجتمعي متزايد بتعديل البرامج"، ذكر الصحافة من بينها. وهذا قبل تنظيم المؤتمر المنعقد بمدينة مراكش تحت عنوان: "حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة" في يناير 2016 ودعا بيانه الختامي "المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية إلى القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لإحلال الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن، وتمزق وحدة المجتمعات". وأيضا قبل صدور بلاغ للديوان الملكي يوم السبت 30 يناير2016 يدعو وزارتي التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى مراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم بغرض تكريس التسامح والاعتدال. لكن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه تلك المراجعة، وأكدته الوثيقة الموزعة على ممثلي لجن التأليف المدرسي مؤخرا، هو أنها اعتمدت رسميا تغيير نسبة التربية إلى الإسلام، وغيرت تسمية "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية"، وهما أمران يختلفان بشكل جوهري. لكن الوزارة لم تكشف عن سر هذا التغيير الذي كانت تدندن حوله مند نهاية الموسم الدراسي الماضي كما سنرى. فهل نسبة التربية إلى الإسلام يشجع أيضا على التطرف؟ أو أنها تشكل خطورة على مستقبل النشء والوطن؟ أو أن المغرب أصبح فجأة متعدد الديانات؟ أم أنها فقط خطوة جبانة متخفية لعلمنة متسربة؟ إن تسمية "التربية الدينية" لا تعبر عن أية خصوصية مغربية، وتشمل جميع الأديان، السماوية منها والوثنية. بل إن تلك التسمية الجديدة تخالف الدستور المغربي الذي لا يتحدث عن الدين مجردا، بل يتحدث عن الدين الإسلامي وعن الإسلام. وأكد أن الإسلام هو دين الدولة المغربية، وأن المملكة المغربية دولة إسلامية، وجعل الأحكام المتعلقة بالإسلام من القضايا التي لا يمكن أن يطالها التعديل... لكن الأهم في السياق الذي نتحدث فيه هو تشديد الدستور على أن الدين الاسلامي يتبوأ صدارة مكونات الهوية المغربية، ويعتبر من الثوابت الجامعة التي تستند الأمة عليها في حياتها العامة، بل إن الفصل 31 منه جعل من مسؤوليات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية العمل على "التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة". فما هي المشكلة إذن في "التربية الإسلامية"؟ أليست هي الأنسب دستوريا، وهي الأصل تاريخيا؟ فلماذا التبديل؟ في غياب أي مسوغ منطقي مقبول لتغيير إسم "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية"، يحاول بعض مسؤولي وزارة التربية تبرير تلك الخطوة الصادمة بإقحام بلاغ الديوان الملكي كدافع إلى ذلك! وهذا الدفع متهافت لعدة اعتبارات أهمها: أولا، أن البلاغ المذكور ليس فيه شيء يمكن تأويله، حتى بشكل متعسف، على أنه دعوة إلى تغيير اسم التربية الإسلامية إلى التربية الدينية. ثانيا، ورود "التربية الدينية" في البلاغ جاء بشكل عابر يدخل في الخطاب العام وليس حديثا يؤصل للمفاهيم، ويمكن أن نجد له أمثالا كثيرة في خطابات ملكية سابقة لم تترجم إلى مثل خطوة وزارة بلمختار. ثالثا، الدفع بالبلاغ فيه تدليس كبير، إذ باشرت الوزارة خطوات اعتماد "التربية الدينية" بدل "التربية الإسلامية"، شهورا قبل صدور ذلك البلاغ. ففي شهر يونيو من سنة 2015، وفي إطار تكوين المفتشين المشار إليه سابقا، تضمنت وثيقة العرض الرسمي للوزارة حول تنقيح المنهاج الدراسي للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي اسم "التربية الدينية" وأعطت توجيهات صارمة للمؤطرين بالالتزام بها بدل "التربية الإسلامية"، فيما حافظت وثيقة التنقيح لتلك المناهج على التسمية الأصلية، وأثار ذلك استغرابا وجدلا كبيرا بين المفتشين واستنكارا منهم عرف طريقه إلى الإعلام، دون أن تتفاعل معه الوزارة ولو بكلمة واحدة. وأكدت مصادر من الوزارة حينها ل"التجديد" عزم الوزارة اعتماد اسم "التربية الدينية". وهذا يؤكد أن خطوة تغيير الاسم سابقة بشهور عن بلاغ الديوان الملكي، ولا علاقة لها به. وأن مضمون البلاغ بريء من ذلك التغيير الذي يبقى معبرا عن اختيار الوزارة لا غير. إن اعتماد تسمية "التربية الدينية" إجراء انفرادي لوزارة بلمختار، يمس رسالة التعليم التي وجب أن تعكس الهوية الإسلامية للمملكة المنصوص عليها في الدستور، ويخالف ما نشر في الجريدة الرسمية مند سنين من قوانين اعتمدت "التربية الإسلامية" كتسمية لمناهج تربوية، وهو إجراء مقلق قد يمهد لإجراءات مماثلة تمس هوية مضمون التعليم نفسه. إننا أمام إجراء مرفوض يضرب بعرض الحائط كل مكتسبات مغرب دستور 2011، ويسائل ممثلي الأمة، ويسائل الحكومة التي عليها التدخل المستعجل لوقف اعتماد ذلك الإجراء، كما يسائل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي... فهل تعود وزارة التربية إلى رشدها؟