لولا مضامينُ "التربيةِ الإسلاميةِ"، التي تلقنُ في مُختلف المُستوياتِ، على هَزَالتها، بعد حملاتِ التعديلِ المتتالية التي لحقتهَا،إنْ بداعٍ بيداغوجيٍ أو غيره، لكُنَّا أمامَ مُجتمعٍ أكثرَ تشتتا وتشرُذمًا وتناقضًا، فكنْ على يقين ولا تشك ! إنه إرْثٌ ثقيل يا سادة ! تلكَ المضامينُ جزءٌ من الثقافة المغربية التَّليدةِ والأصيلة، قبلَ أن تكون توجها رسميًا للدّولة، تُؤثر في التمثلَّاتِ الجَمْيعةِ للمواطنين والمُواطنات، وهي سببٌ في الألفة والتعاونِ والتراحمِ المنتشرِ هنا هناك. كما أنّ "التربيةَ الإسلاميةِ" في خدمَةِ السياسيةِ المغربيةِ، والاقتصادِ المغربي، والثقافة المغربية، والنظام الأسْرِي المغربي، ومَا كانت يومًا تناقضها ! بلْ إنهَا تقدِّم ما تيسرَ من الزّاد الرُّوحي الذّي تتطلبه النُّفوس، وهي في حاجة ماسة له! صحيحٌ هناكَ تناقضٌ وفصامٌ بينَ الأقوال والأفعال والمُمارساتِ المجتمعية في علاقتها بالمَسألة الدِّينيةِ، ولكنْ يظلُّ الحقلُ الديني في المغرب؛ منَ خلال ما تجودُ به مضامين المادة في مختلف المستويات؛ ذا بالٍ وجزءًا من الكيانِ. لماذا "التربية الإسلامية " لا "التربية الدينية"؟ لم يألف المتعلمون المغاربة إلا سماع هذا الاسم، "التربية الإسلامية" هكذا، وتغييره يتطلب حُججا منطقيةً وتعديلاتٍ قانونيةً مصاحبةً، واستشارات موسعة، لفهم الحيثيات.لا نختلف، فالحق عز وجل يقول: (إن الدين عند الله الإسلام)سورة آل عمران /19. فكان الأولى والأجدر، لفظ "التربية الإسلامية". والتربية الإسلامية تربية للدين وتربية للدنيا، في علاقة الفرد بربه ونفسه والناس والبيئة والمحيط. وإذا اقتصرنا على التربية الدينية، فإننا نوحي بجانب واحدٍ، ولا يتسقيم الطَّيران إلا بجناحين ! والله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين، ولم يسمّنا المُتدينين، قال الله تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) سورة الحج/ 78 وقبلَ ذَا وذَاك، لمَاذا التَّغيير؟ وهل أصبح مُصطلح "التربية الإسلامية" مُفزِعا مُخيفا إلى هذه الدّرجة؟! وإذا اتفقنا على التَّغيير، وحدَّدنا ملامِحهُ وفهمنَا حيثاته، فلماذا العجلةُ في استصدار مُقررات لن تتوافر فيها - حتمًا - الشروط المطلوبة؟ وهل أُخذ برأي رجال الميدانِ، السادة المشرفين التربويين والأساتذة الممارسين المنفذين للفعل التربوي – من باب تفعيل المنطق التشاركي الذي نتغَنى بهِ في الندوات والمحاضرات ؟ ونحيطكم علما أن الطلبة الأساتذة - اليوم - في مراكز التربية والتكوين تعاملوا وتمرَّنوا على "التربية الإسلامية" بأُطرها المرجعية الحاليةِ، ولم يسمعوا ب"التربية الدينية" قطّ، ثم إن التغيير "هكذا" لن يكون إلا مُهدرا لجهود كثيرةٍ بذلت. نحن لسنا ضدّ التجديد والتحيين والإبداع في المضامين والوسائل، ولكنا نخشى فَوضى المفاهيم، نخشى العجلة والتّسرع. كما نخشى الالتفاف على المضامين العلمية وتحويل المادة إلى "مادة ل"لديكور" أو التَّفتح الفني– كما لُمّح لذلك سلفًا في سياقات مختلفةٍ ! الرَّاجعُ لما وقعت عليه أيدينا من برامج وتوجيهات خاصة بتدريس مادة "التربية الدينية"بالتعليم الثانوي الإعدادي يلاحظ: • جزء مما تضمنته، تلك البرامج، هو نسخةٌ طبق الأصل من الدليل البيداغوجي الخاص بالتعليم الابتدائي أو البرامج والتّوجيهات الخاصةِ ب"التربية الإسلامية" المعمول بها حاليا. • غيابُ رؤيةٍ واضحةٍ، إن على مستوى الأهدافِ أو المقاصدِ، وتهميشٌ للتدابير ذات الأولوية، باعتبارها منطقا من منطلقات التغيير، المتفَقِ عليها. • خللٌ منهجيٌ في صياغة المفاهيم والتعريفات، على سبيل المثال، مفهومُ "الاستجابة"، باعتباره مدخلا رئيسا في بناء المنهاج، فقد صِيغَ صياغةً رديئةً ! • غبشٌ في بعضِ المقاصدِ: كالمَقصدِ الوُجودي والكُوني، والتداخل الفاحش بينهما.ونتساءل هنا عن محل إيراد المقصد الجُودي (من الجود) ضمن قائمة المقاصد؟ وهي ملاحظات كثيرة اقتصرنا على بعضها، وسنوردها في مَقامها. حنافي جواد باحث في قضايا المدرسة المغربية