خلال دستور 2011 تم ترسيم اللغة الامازيغية باعتبارها اللغة الرسمية الثانية للبلاد بعد العربية ، وحقيقة هذا شرف للامازيغ وللحضارة الامازيغية وهذا تطور كبير في تحقيق مطالب الحركات الامازيغية إلا أن هذا يطرح فعليا العديد من التساؤلات حول اسبقيت العربية على الامازيغية ، ولا ننكر أحقية ترسيم العربية كلغة إسلامية بصفة المغرب دولة إسلامية دستوريا حيث بها نمارس ونفهم بعض الطقوس والواجبات والأمور الدينية ، و بصفتها كذلك لغة لها صيتها في العالم من الناحية التاريخية والعلمية والفكرية والفلسفية والحضارية ( الحضارة الإسلامية التي قدمت الكثير للعالم ووصلت أوجها في العصر الذهبي ) وكذلك يجب ألأخذ بها احتراما لمكونات عربية تقطن هذه الأرض وتمارس بها ثقافتها وعاداتها . ولربما يمكننا إرجاع أسباب هذه الأسبقية بشكل عام إلى كون الامازيغية لم تستطع بعد التقدم أمام العربية ونظيرتها من اللغات الأخرى من الناحية العلمية والموروث الحضاري ،وبشكل خاص ترجع هذه الأسباب إلى كون هذه اللغة لم تستطع بعد توحيد ولم شمل جميع أقطابها لتكون لغة موحدة لمكونات الهوية الامازيغية ( المصمودية /الصنهاجية / الحسانية / الريفية / القبايلية/ الازوادية / الليبوية ، وقد كان الأستاذ محمد شفيق من بين المشتغلين على هذا المشروع في "معجمه الكبير" ونبه إلى هذه المسألة إلا أن المدافعين عن اللغة الامازيغية لم يعيروا له أي اهتمام . ومما سبق سنطرح العديد من التساؤلات لتوضيح إشكالية معيارية الامازيغية في شقيها النظري والتطبيقي : هل اللغة الامازيغية قادرة على توحيد أقطاب ومكونات الهوية الامازيغية ؟ هل أصبحت لها القدرة على مبارزة اللغات الأخرى في الجوانب العلمية والثقافية والحضارية؟ هل هي لغة كاملة ومتكاملة المعالم والعوالم؟ هل استطاعت أن تكتسب مكانتها ضمن مجتمعاتها الامازيغية أم لا زالت وثيرة تفعيلها ضئيلة نسبيا؟ . أولا نعلم ونعي أن اللغة الامازيغية تحاول ان تكون لغة موحدة لمكونات الهوية الامازيغية بمعنى أن تكون لغة تواصلية كتابة وكلاما بين هذه المكونات ولغة مفهومة لديهم جميعا . ثانيا تعمل على حمل اللواء الثقافي و الحضاري للهوية الامازيغية بمعنى تعمل على أن تكون بوصلة تحرير الموروث الثقافي الامازيغي من القيود اللغوية التي سجنتها مند أمد بعيد كما أنها تحاول أن تكون لغة علمية وتربوية وتعليمية تدرس بها العلوم وفلسفات الفكر الإنساني لكافة الحضارات الإنسانية. ولتحقيق هذه الأهداف : لابد أولا من احترامها لجميع اللهجات الامازيغية بمعنى لابد من أخدها مفاهيميا واصطلاحيا بمفردات تلك اللهجات وتقويمها لتكون بوصلة الانطلاق وبوصلة التفاهم والتواصل بين ثقافات مكونات الهوية الامازيغية لتشكيل حضارة امازيغية متينة لا تشوبها شائبة ولابد من اعتماد السلم الأفقي في إحيائها أي الانطلاق من اللهجات لتحديد هذه اللغة وتوحيدها . ولابد لها كذلك أن تعمل بالمفردات والمصطلحات اللغوية الأكثر تداولا لدى مكونات الهوية الامازيغية بمعنى ذات الصيت الشمولي لدى أقطاب الهوية الامازيغية . و لابد لها كذلك أن يشمل تمثيلها ثقافة كل روافدها ومكوناتها دون استثناء ،ولا يجب الاحتماء بمصطلحات مكون أو لهجة واحدة فهذا سيؤدي إلى جمودها وركودها وفشل إحيائها لدى المكونات الأخرى . ويجب كذلك على ممثليها والمدافعين عنها والمتشبثين بها كاللغة الأم أن يحترموا اللغات الأخرى والثقافات الأخرى وان يؤمنوا بالتعددية اللغوية والثقافية ويستفيدوا من تجربتها وان يقترضوا منها ما يحتاج إلى الاقتراض في إطار المصطلحات التقنية الجديدة والمصطلحات العلمية المعاصرة . وعلى كذلك العاملين على إحيائها وتوسيع رقعت تداولها وحفظها من الجمود أن يعملوا على احترام سياقاتها اللغوية كما هي متداولة لدى عامة الناس واحترام القواعد المعمول بها لدى جميع لغات العالم وهذا لأجل إعطائها دفعة قوية أمام هذه اللغات العالمية. وهناك شروط أخرى يجب الاخد بها حينما تتمكن هذه اللغة من إحياء ذاتها ووجودها داخل المجتمعات الامازيغية ولدى الأفراد الدين يقطنون رقعتها الجغرافية مثل ترجمة فلسفات الفكر الإنساني و العلوم والثقافات وتدريسها بها ، مثل العمل على اكتشافات واختراعات جديدة باسمها . وكل هذا لأجل إخراجها من منطق المعيرة والنقص حيث أنها ما دامت لغة فرعية ولم تستطع بعد المزج بين مفردات هذه اللهجات وخصوصا المصطلحات التي تفهمها نسبة كبيرة من مكونات الهوية الامازيغية فإنها ستظل بين منطق النقص والمعيرة وستظل تعاني الجمود والركود ولن تتمكن من فرض صيتها داخل المجتمعات التي تحمل هويتها ، فكيف لها أن تتمكن من حمل لواء حضارتها وثقافتها ومبارزة اللغات الأخرى التي استطاعت أن تصمد لقرون من الزمن والتي استطاعت أن تحمل لواء الثقافات والعلوم والفلسفات الإنسانية والحضارية مند فجر التاريخ البشري . وأخيرا إن إحياء اللغة الامازيغية يحتاج إلى بدل مجهودات كبيرة من كافة الفاعلين والمفكرين والمثقفين الامازيغيين والى اتخاذ خطوات مهمة وإعداد إستراتيجية محكمة ذات الأمد القريب والبعيد وخالية من مظاهر الإيديولوجيات والنزعات القومية والطائفية والقبائلية والعصائبية والدينية ومن كل ما قد يضرب في لغة أو ثقافة أو دين أو حضارة أخرى مهما كانت ، حيث أنه لابد من جعل الأخر يعترف بها ويتقبلها ويقبل الاخد بها واحترامها وإعطائها قيمتها رمزيا ونظريا وعمليا وعلميا ،وهذه هي فلسفة إحياء أي لغة تعرضت للإقبار والطمس والإبادة من طرف الحضارات واللغات والثقافات المتعاقبة عليها وهذا هو حال اللغة الامازيغية والحضارة الامازيغية العريقة. ولنا موعد اخر مع موضوع تحت عنوان : أسس إحياء الثقافة الامازيغية إن شاء الله