كشف حادث حلق شعر الفتاة "شيماء" التي تشتغل نادلة بمقصف جامعة مكناس من طرف مجموعات طلابية يسارية متطرفة، خلال الأسابيع الماضية، كثيرا من التناقضات في خطاب الجمعيات "الحقوقية" المغربية، وأماط اللثام عن واقع وحقيقة الفعل الحقوقي في بلادنا، وعن وضاعة خطاب بعض من ممتهني هذا الخطاب، الذي فتح على بعضهم مجالس ومناصب وسفريات ووفر للبعض الآخر فرص شغل ورواتب يستعينون بها على نوائب الدهر. كما أماط حادث الاغتيال الوحشي للطالب عبدالرحيم الحسناوي سنة 2014، من طرف نفس العصابة اليسارية (فصيل القاعديين-البرنامج المرحلي) بجامعة فاس، اللثام عن حجم اللعنة التي أصابت هؤلاء الحقوقيين المنتمين في أغلبهم لقبيلة سياسيي اليسار(مع إنصاف مبدئييهم)، الذين أعمتهم الأيديولوجية عن إبصار هذه الحقائق وعن إدانة هذه الجرائم، ولا غرابة إن علمنا أن صنفا غريبا من الحقوقيين انتدبوا أنفسهم للدفاع عن هؤلاء المجرمين، حيث وفرو لهم كتيبة محترفة من المحامين دون مقابل، استغلوا انتماءاتهم السياسية وتحالفاتهم المشبوهة ونفوذ أحزابهم وتمدد تيارهم إعلاميا للتأثير على مسار القضية برمتها ! في المقابل عائلة الضحية وذويه وأقربائه استطاعوا بالكاد توفير محاميين يتيمين أحدهما ظل غائبا عن جل أطوار المحاكمة ! والآخر ظل يقف موقف العاجز في مواجهة سياسيين مخضرمين محترفين ! سقوط حقوق النساء من أجندات الحركة النسوانية: في نفس السياق، لم تصدر الجمعيات النسوانية التي تتغنى ليل نهار بحقوق المرأة، ولا جملة تفيد بإدانتها لانتهاك جبان لحرمة هذه الفتاة، التي تشتغل ليل مساء لكسب قوت يومها ولإعالة أسرتها الفقيرة ضد الفعل الإجرامي لهذه العصابة، في المقابل لما مدح رئيس الحكومة النساء ووصفهن بالثريات مثلا، خرجت عشرات من هؤلاء النسوانيات للشارع وتناسلت البيانات والتصريحات والحوارات للتنديد وشجب رأي عابر يكن التقدير لحرائر النساء، ما يكشف بالملموس تناقض خطاب نسوانيات الأحياء الراقية بالرباط، اللاتي يشتغلن فقط على تغيير قوانين المناصفة ليضمن مقاعد مريحة في البرلمان وفي المجالس المنتخبة وفي مؤسسات الدولة، وكذا الاستفادة من تمثيلية المغرب في أجهزة الأممالمتحدة بنيوورك وجنيف والبرلمان الأوروبي وفرصة الاستجمام في عواصم العالم ! أما قضية الفتاة "شيماء" والنساء القرويات ونساء دور الصفيح والأرامل ونساء الشارع وذوات الحاجات الخاصة والمعطلات... فلا تدخل ضمن أجندات هذه الجمعيات النسوانية، التي تستفيد من المال العمومي والمرفق العمومي والدعم الدولي، لا لتأدلج قضية المرأة وحقوقها وتستغلها مطية ! بل للدفاع عن حقوق كل النساء مهما تباينت انتمائاتهن الجغرافية والاجتماعية.. شذوذ خطاب بعض الفعاليات الحقوقية : والحقيقة المرة بالفعل أن يتحول بعض الحقوقيين إلى طابور خامس، لا يحسن إلا الدفاع عن مسائل شاذة في مجتمعنا، وينضمون في سبيل ذلك المعارك تلو المعارك، ويستغلون حضورهم في الإعلام بفضل انخراطهم المبكر في العمل السياسي والإعلامي وانحدار أغلبهم من أسر ميسورة متعلمة، وفي مجمل الأحيان يستعينون بخصومنا الأجانب مالا ومنظمات لتصفية "خصومهم" المغاربة العزل! إن أي مواطن بسيط إن بحث له عن مكان في برنامج هذه الجمعيات للتمكين لحقوقه الأساسية (الحق في التعليم والعمل والشغل والصحة وضمان تكافؤ الفرص وغيرها)، سيجد نفسه يغرد خارج سرب هؤلاء "الحقوقيين" بل سيصاب بالصدمة من قضايا اشتغالهم اليومي (الدفاع عن منتهكي حرمة رمضان، وعن جماعة الصايات وعن "الحرية" الجنسية وعن حركات الشذوذ الجنسي، والتنصير، وسابقا كانت لهم مواقف واضحة تتماشى مع طروحات تستعدي الوحدة الترابية...) في الحاجة لتحييد الخطاب الحقوقي: الخطاب الحقوقي إن جاز لنا القول والاقرار بوجود خطاب حقوقي في الأصل، يسيطر على كبرى جمعياته ثلة من الناشطين السياسيين في أحزاب يسارية راديكالية معارضة، وفي كل مؤتمر تتسرب أخبار من أوساط المؤتمرين عن وجود صراعات محتدمة من طرف الأحزاب السياسية المذكورة حول زعامة هذه الهيئة ذات النفع العام، والمستفيدة إلى جانب الدعم العمومي الحكومي السنوي، من دعم آخر لمنظمات ومؤسسات غربية التي توجه دعمها السخي للمدافعين عن طروحاتها في وطننا دون غيرهم ممن لهم وجهة نظر مغايرة ! وإن الحركة الحقوقية اليوم بكل أطيافها، مدعوة إلى فتح نقاش عمومي والانخراط في حوار وطني مسؤول، لمساءلة التجربة الحقوقية المغربية وتشريح دقيق لخطابها ومكامن قوتها وضعفها، والدعوة لتجديد النظر في الخطاب الحالي المستغرق في التقليدانية، الذي لايزال يحمل بين طياته مآسي الصراع المرير بين حركة اليسار والمخزن سنوات السبعينات والثمانينات، وتكون من أولى خلاصات هذا الحوار الفصل التام بين خطاب الإيديولوجيا وخطاب حقوق الانسان، وتجعل من أولويات اشتغالهم وبرامجهم الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية. عن إنسان الجبل والهامش ودور الصفيح، عن الطفل الذي لا يستفيد من حقه في تعليم عصري منتج، عن الفتاة المشتغلة في بيوت الأسياد، عن المرأة والعجوز الذي لا معيل لهم، عن قضايا إعادة إنتاج وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل...إننا بحاجة فعلا لحركة حقوقية تدافع عن الإنسان عن كرامة الإنسان...أما قضايا الهوية والسياسة فلها مدبروها ومختصوها هم أدرى بشعابها وأفقه بمسالكها، بل على سياسيي العمل الحقوقي الحالي تقديم استقالاتهم منه، والدخول لميدان السياسة من بابها الواسع والمواجهة المباشرة، والانخراط والالتحام بهموم الناس، ومواجهة الفكر بالفكر، والحجة بالحجة والبرنامج بالبرنامج .. فالحركة الحقوقية كالجهاز الأمني، مفترض فيها حماية حقوق الناس والذود عنها من كل اعتداء وانتهاك، وهي كالجهاز القضائي مطلوب منها أحكام قواعد الإنصاف والعدل والتجرد والاستقلالية، ولن يتحقق تحقيق هذه الرؤية النبيلة إلا إذا حيّد الفعل الحقوقي عن كل انتماء أيديولوجي وسياسي كيفما كان، فضمان فعالية القضاء وقوة الأمن بمختلف رواتبه، يكمن في ولائهم أولا وأخيرا للوطن والمبادئ الدستورية الحاكمة، وليس التبعية للحزب الفلاني والفكر العلاني والتحيز المعرفي والنفسي للأشخاص والمواقف والذوات، بل كل تحيزهم يجب أن يحتكم لمبادئ سامية نبيلة ناظمة..