يرى عدد من المراقبين والمحللين السياسيين المهتمين بحقل العلاقات الدولية، أن الزيارة الملكية لجمهورية الصين الشعبية تحمل الكثير من الإشارات الجيوسياسية والأبعاد الاقتصادية المهيكلة، التي من شأنها أن ترسم الملامح الكبرى للتوجهات الإستراتيجية الجديدة للمملكة في علاقتها مع القوى الدولية الكبرى خصوصا تلك الصناعية منها. وفي هذا السياق، يختزل محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، الزيارة الملكية لجمهورية الصين، في ثلاثة أبعاد اقتصادي وسياسي واستراتيجي، معتبرا إياها تكريسا واضحا للتحول الحاصل على مستوى نموذج السياسة الخارجية للمغرب، التي تعتمد مبادئ متجددة من قبيل الصرامة والشراكة، وبلورة رؤية للدور الذي يمكن أن تؤديه الرباط إقليميا ودوليا، والتحرك بسرعة ولو عبر"التوجه شرقا" لملء الفراغ الناجم عن الهشاشة المحيطة بالعمق الاستراتيجي للمغرب، علاوة على بناء صورة إقليمية ودولية متجددة. ويلفت المحلل السياسي، في تحليله لجريدة "العمق المغربي"، الانتباه إلى أن العلاقات المغربية الصينية، تنبنى على معادلة رابح رابح، وفق سياسة براغماتية متكاملة، تقوم على إدراك بارز للمصالح الوطنية، والحفاظ عليها، مضيفا وفي الآن نفسه إدراك لتوازنات وحسابات تبادل مصالح تعكس قيمة المغرب الإقليمية، ومكانة الصين الدولية، فضلا عن انخراط المغرب بالعمل في ما يسمى "سيولة الأقطاب الدولية " وليس الذوبان في معادلة مرسمة من قبل قطب دولي معين، في ظل تغير التوازنات الدولية خلال العقدين السابقين ما بين صعود وهبوط لقوى قديمة. ويؤكد بودن، أن هذه الزيارة الملكية الثانية للصين الشعبية التي تأتي لتتوج جهودا دؤوبة بذلت من أجل تحقيق نتائج ملموسة لحزمة من الاتفاقيات ومذاكرات التفاهم، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الملك محمد السادس لبكين فبراير 2002 في عهد الرئيس جيانغ زمينغ، والزيارة التي قام بها الرئيس الصيني هو جين تاو في أبريل 2006 للمغرب، مبرزا أن إدارة العلاقات المغربية الصينية تستوجب الانتقال إلى أفق استراتيجي، وهو ما ترجمته هذه الزيارة إلى شراكة استراتيجية. ويرى ذات المحلل السياسي، أن ضبط إيقاع جديد للعلاقات المغربية الصينية، بمصالحها المتبادلة وتعقيداتها وفرصها يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإقرار بأن علاقات ومصالح البلدين لها أفق ضخم، طالما أن الصين معروفة بكونها شريكا لا يطرح الكثير من الأسئلة، والمغرب معروف كدولة وفية لتعهداتها، مؤكدا أن العلاقات المغربية الصينية، تحتاج لبعض التكافؤ، والتفهم المتبادل للمصالح الوطنية والإقليمية للطرفين معا، والحد من تعرضها لتقلبات الضغوط والتوازنات. كما يعتبر بودن، أن قرار المغرب بتنويع بدائل التحرك الخارجي، هو قرار استراتيجي، لا يهدف كليا إلى استبدال طرف بطرف، أو محاسبة طرف على علاقاته، بل هو تعظيم للمصالح المغربية، وتأكيد لاستقلالية القرار المغربي، مشيرا إلى أنه لا يجب أن يكون التعاون مع الصين "بعقلية غربية" بل "بعقلية شرقية"، وهذا يحتاج إلى تعاون أكثر من رسمي والتغلب على الفجوة المعرفية، عبر التبادل المعرفي. الزيارة الملكية للصين، هي تعبير عن إيمان ملكي عميق، بالرغبة في تعظيم مصالح التعاون جنوب جنوب، يوضح ذات المتحدث، مضيفا أنها "نسق مستمر لما تم التعبير عنه من قبل الطرفين في دورات منتدى التعاون الإفريقي الصيني "فوكاك"، ورئاسة المغرب لمجموعة 77 والصين، وتنظيم المغرب للمنتدى الصيني الإفريقي الأول للمقاولين سنة 2015، والدعوة الملكية لتدعيم مبادرة النيباد ومبادرات التعاون الإفريقي الصيني سواء عبر تنفيذ خطوط إعلان بكين وخطة عمل بكين التي أسست لنموذج التعاون. إلى ذلك أشار بودن، إلى أن زيارة الملك محمد السادس إلى الصين، انطلقت من منطقة الخليج العربي، معتبرا أنها إشارة لا تخلو من أهمية، فبعد انطلاقها سنة 2002 من المملكة العربية السعودية، تنطلق سنة 2016 من الإمارات العربية المتحدة، لافتا إلى أن دول الخليج أضحت هي الأكثر حضورا في علاقات الصين العربية، كاشفا عن قرب إنشاء منطقة تجارية حرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي. وخلص المحلل السياسي، إلى أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين، هي الكلمة المفتاحية للعلاقات بين البلدين، مبينا أنه بالرغم من وجود خلل على مستوى الميزان التجاري، إلا أنه على المستوى السياسي ثمة ايجابية، وفهم متبادل للأهداف السياسية، فضلا عن التعاون الجماعي من خلال منتديات التعاون الصيني العربي، ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي. إلى ذلك، اعتبر رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أن إبرام شراكة استراتيجية بين المغرب والصين، هو تعبير عن استعداد صريح لصياغة نمط دخول تنموي، وتعاون اقتصادي، وبناء تراكم يليق بمكانة البلدين، وخلق شبكة مؤسساتية للاتصال الاستراتيجي، خاصة وأن هناك إدراك مشترك بين الجانبين للأهمية، واحترام عدم التدخل في شئونه الداخلية.