إن قراءة في المشهد العربي ما بعد الربيع العربي وما بعد سقوط مجموعة من الديكتاتوريات والانظمة الشمولية، وغرق بعض من هذه الدول في الحروب والفوضى التي احدثت دمارا وخرابا وتشريدا للشعوب، مع إعادة رسم خريطة هذه الدول على اساس طائفي وعقائدي وعرقي، وطمس تاريخ حضارات متجذرة في القدم كما هو الامر في كل من الدول الشرق الأوسطية كبلاد الرافدين والشام واليمن ومصر او تقسيمها كما حدث في السودان، نتيجة لتعنت بعض الحكام او لتدخلات اجنبية وفق اجندات مدروسة في الزمان والمكان ووفق تخطيط استراتيجي بعيد المدى الغرض منه التحكم في العالم العربي واقتسام خيراته وسلخه عن هويته وانتماءه، بمساعدة غباء بعض الرؤساء المرضى الذين كان همهم الوحيد ومازال الحفاظ على الكراسي المريحة وثوريتها لأبنائهم ولأحفادهم ولو ادى الامر إلى قتل شعوبهم وتشريديها. من كل هذا وذاك مازال البعض لم يستفق من غيبوبته ولم يمل حلاوة امتصاص دماء الشعوب والاستحواذ على خيراتهم، بل ان بعضهم اصبح يراهن على أنظمة تحتضر مثل النظام السوري ستصبح مستقبلا من الماضي بحكم التاريخ والواقع، وهذا ما يحدث بين الجزائر وسوريا وتقارب النظامين نظام الكسيح بوتفليقة ونظام السفاح بشار في مشاهد عنترية، محاولة من حكومة الجزائر وجنرالاتها الى جر ما تبقى من شمال افريقيا الى الدخول في حروب اقليمية وخلق نزاعات مفتعلة قد تأتي على الاخضر واليابس لا احد في منأى عنها، فعوض ان توجه طاقاتها الى خدمة الشعب الجزائري وتنميته حيث البقاء للأقوى اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا فهي تجتر تلك الأسطوانة المشروخة التي تعتمد على تصريف مشاكلها الداخلية الى جيرانها خصوصا المغرب، وخلق اعداء وهميين محاولة منها لتغطية الاوضاع الاجتماعية والسياسية المتردية التي تعيشها الجزائر وللاستقرار الذي يعيشه قصر المرادية مع رئيس مريض لا يفكر الا في مداوة اعضاء جسمه بقدر ما يفكر في مصلحة شعبه المستقبلية، ومع جنرالات متحكمين في دواليب السلطة ومعروفين بتلطخ أيديهم في قتل ابناء الشعب الجزائري خلال فترة التسعينيات، ومحاولاتهم الدائمة في نسف اي استقرار في المنطقة كما وقع في ليبيا ووقوفهم حجرة عثرة امام محاولات المغرب جمع الفرقاء الليبين بالصخيرات من اجل توقيع معاهدة الصلح بين الأخوة المتصارعين على السلطة. إن الصراع الحالي بين المملكة المغربية الضامنة لاستقرار المنطقة بقيادة ملك شاب متفتح وعبقري في اتخاذ قرارات شجاعة ساهمت في بناء المغرب والسير بتنميته وبنموه واستطاع اجتياز عواصف الربيع العربي بإصلاحاته، والجزائر وصنيعتها ما يسمى ببوليساريو بقيادة المريض الثاني ع العزيز المراكشي، هو صراع دولة عريقة بنت حضارات امتدت الى الأندلس وحكمت شمال إفريقيا وتوغلت في أدغالها لعقود من الزمن، مع فئة ضالة تتحكم في السلطة بدولة الجزائر وتحاول الحفاظ على امتيازات وريع اكتسبته منذ سنوات وأصبح جزءا لا يتجزأ من نظامها، لكن لعلّ ما يصدم المتابع، هي مواقف بعض المثقفين الجزائريين اللامباليين، والذين يتفرجون مستفيدين او مستسلمين، فالمستسلمين منهم يبررون تقاعسهم عن إنقاذ شعبهم من جبروت الجنرالات ورئيسهم المريض بأن المعركة معركة النظام وقد يزيد بعضهم، بأن النظام ظلمهم وأجبرهم على الانزواء بعيدا، قهرا وتعسفا، والمستفيدين منهم يصمتون ولا يتكلمون الا بقدر أرباحهم وخسائرهم الشخصية على حساب الوطن في أقوى تجسيد لقمة الانتهازية. إن ما يحدث حاليا من الجزائر في المنطقة المغاربية من خلق القلاقل وتهديد استقرار الجيران ومحاولتها المتعددة في تغذية وإرهاب الشعوب المجاورة من مالي إلى ليبيا مرورا بالصحراء المغربية، بعدما نجحت إلى حد ما في تفتيت جارتيها الشقيقتين مالي وليبيا ، لمعرفتها ان أبار نفطها تنبع من الحدود المالية وخوفها من قيام دولة قوية تطالب بكامل حقوقها، إلى ليبيا بعدما خسرت احد حلفائها الديكتاتوريين وخوفها من قيام ونهضة دولة ديمقراطية، فتصبح معزولة مغاربيا ودوليا هاجس يؤرق حكام الجزائر، ويدفعهم إلى استعمال جميع الأساليب لرشوة وشراء حلفاء ومنظمات ضغط دولية مدنية وحقوقية وإرهابية وحتى مكاتب دراسات لتحريف وتزوير الواقع والتاريخ والجغرافيا، هدرا لأموال الشعب الجزائري وهضما لحقوقه، أو الاستنجاد بنظام سفاح الشام بشار القاتل ومخرب بلاده، بعدما تضامن الأخوة الخليجيون في القمة الخليجية المغربية الأخيرة وناصروا قضية المغرب الأولى وأكدوا على وحدته الترابية والوقوف ضد كل من حاول فصل المغرب عن صحرائه، هذه القمة التي تميزت بالخطاب القوي للملك محمد السادس رسم من خلالها سياسة المغرب الخارجية وحدد الخطوط الحمراء التي لا يمكن للمغرب أن يقبل أن تتجاوزها الدول الأخرى وحتى ولو كانت دول قوية.