تعمل الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء، على اتخاذ مجموعة من التدابير، التي من شأنها تأسيس إطار عام لعمل الوساطة الزوجية في المغرب. من خلال البحث عن سبل إيجاد مرجعية مبنية على المساواة بين الجنسين، ووضع قواعد صلبة، ومعايير من شأنها المساعدة على خوض غمار هذا الرهان، وإنجاح تجربة فض النزاعات خارج أسوار المحاكم، التي تعد حديثة التجربة في المغرب. تسعى الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء إلى الاعتراف بالوساطة العائلية كمهنة، ووضع قانون تشريعي لها في المغرب، يضع قواعد مضبوطة، تعترف بمهنة الوساطة، وتحدد شروط العمل فيها، بموجبها تحدد مناهج لتكوين الوسطاء والوسيطات، وتضبط أهدافها وأخلاقيات ممارستها، لتصبح عملية الوساطة بين أطراف متنازعة، مسعى أمثل لترميم العلاقات وإحياء الحوار في ما بين الأطراف المتنازعة، ووسيلة بديلة في حل النزاعات عوضا عن التقاضي أمام المحاكم. وتحاول الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء لجعل الوساطة العائلية صيرورة لإعادة موازين القوى داخل العلاقة الزوجية، مع احترام أخلاقيات المهنة، وهو ما ناقشه عدد من النساء الجمعويات، حقوقيات ووسيطات اجتماعيات، نساء ورجال من سلك القضاء، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته الجمعية، أخيرا، في الدارالبيضاء، لتدارس كيفية جعل الوساطة العائلية أداة لمساعدة الأطراف المتنازعة على حل مشاكلهما ونزاعاتهما بكل مسؤولية واستقلالية، والتكفل بمسار علاقاتهما. وشهد اللقاء تبادلا للأفكار والآراء وللخبرات، إذ حاول المتدخلون تقديم تصورهم حول شكل ممارسة الوساطة العائلية في المغرب، والإجراءات الكفيلة بضمان نجاحها، والإكراهات المحتمل مصادفتها بمناسبة العمل بها. وانصب النقاش على ضرورة إيلاء الاهتمام للوساطة العائلية، لما تكتسيه من أهمية في التخفيف من وطأة التوتر في العلاقات الزوجية والأسرية، وفي إيجاد حلول للنزاعات القائمة بين الأزواج، باعتبارها بديلا عن المساطر القضائية المعقدة والمكلفة ماديا ومعنويا، ولدورها الذي أصبحت تضطلع به في مساعدة المرأة على تحقيق ذاتها، وتأهيلها للعب دورها الكامل في النهوض بأوضاعها، خدمة لقضيتها بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. ويأتي ذلك في ظل تأسيس الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء، تأسيس مركزا للوساطة الزوجية المبنية على النوع الاجتماعي، السنة الجارية، تتوخى منه أن يكون فضاء لتقوية قدرات النساء لحل نزاعاتهن الزوجية، ومرافقة الأزواج، الذين يلجأون للوساطة الزوجية وسيلة لحل نزاعاتهم، وتكوين الوسيطات والوسطاء، والإشراف، وتبادل الخبرات حول كيفية ممارسة الوساطة من طرف وسيطات ووسطاء. ولم يفت بعض المتدخلين الإشارة إلى أن الرغبة في اللجوء إلى خدمات الوسيط، تأتي في ظل عدم وجود دراسات اجتماعية حول الأسرة المغربية، مقابل تعدد الثقافات الأسرية والاجتماعية، تختلف حسب كل جهة معينة من المغرب. شروط ممارسة الوساطة عرف اللقاء عددا من المداخلات، التي ركزت على ضرورة مأسسة عمل الوساطة في المغرب، عوض اعتبارها مجلسا للصلح، على أساس أن يجريها وسطاء مكونون في المجال، يفضل أن يكونوا خريجي معاهد متخصصة، تدربوا فيها على أيدي خبراء، من شأنهم أن يمنحوهم تكوينا كافيا في المجال، كما هو معمول به في تجارب دول أوروبية، حيث اللجوء إلى الوساطة أضحى متقدما، يلجأ إليها وسيلة اختيارية لحل النزاع. ووصفت بعض المتدخلات مهنة الوساطة بالمجال المعقد، لأنه يتطلب من الوسيط التوفر على مؤهلات خاصة، تسمح له بإدارة جلسة بين طرفين في حالة نزاع، منها أن يكون ملما بالجانب القانوني، لتفادي التوصل إلى حلول تتنافى ومقتضيات قانونية. ومن الشروط التي اتفق عليها المشاركون في اللقاء، ابتعاد الوسيط عن لعب أي دور في فض نزاعات ذات طبيعة جنحية أو جنائية، والتشديد على ضرورة تحليه بالحياد، بأن لا يكون منحازا إلى أي طرف من أطراف النزاع، مقابل مساعدتهم على الخروج من النزاع، وفق حلول مقترحة منهم، وعدم إصدار أحكام قيمة على أي من طرفي النزاع. ومن الأمور التي كان عليها شبه إجماع، تلك المتعلقة بضرورة تمتع الوسيط بجميع تفاصيل الأسرة ومشاكلها، ويفضل أن تكون له تجربة في الحياة، ومتفتحا على المجتمع، مطلعا على قضاياه لفهم أكثر لقضايا المتنازعين، وله روح التعاون، وقدرة على إبداع الحلول، إلى جانب استعداده لربط علاقات مع وسطاء آخرين للاطلاع على تجارب أخرى. ولضمان نجاح جلسة الوساطة، اشترط بعض المشاركين أن تجري بعيدا عن المؤثرات الخارجية، للرفع من إمكانات توصل طرفي النزاع إلى حلول مرضية، وأن تجري في مكان آمن، لتجنب حدوث أعمال عنف بين المتنازعين، مع حرص الوسيط على الرفع من قدرة الطرفين على التوصل إلى حلول مستقبلية، تكون من اختيارهم، دون العودة بالنقاش إلى الماضي، أو إلى تحليل مسببات المشكلة، اجتماعيا أو نفسيا أو اقتصاديا، للمساهمة في تفادي التمزق الانفعالي داخل الأسرة، أو استمرار أطرافها المتنازعة في إتمام إجراءات التقاضي، وسعيا وراء وقف جو المشاحنات. وكشف اليوم الدراسي عن اقتراب موعد تخرج فوج من القضاة، السنة الجارية، تلقوا تكوينا أكاديميا في المعهد العالي للقضاء، في إطار اتخاذ التدابير التي من شأنها تقوية دور الوساطة العائلية لخفض الضغط الممارس على قضاة الموضوع، وتوفير صيغة بديلة للأشخاص عن مساطر التقاضي. ويأتي بزوغ هذه الفكرة في ظل اعتبار عدد من المتقاضين أن المحكمة بمثابة طرف ثالث في النزاع، وعدم رضاهم على الأحكام القضائية، التي غالبا ما لا تكون وفق انتظاراتهم. وترمي وزارة العدل بهذه العملية، خفض الضغط على قضاء الأسرة، من خلال تحديد جلسة مع أطراف النزاع، تنتهي بصياغة وثيقة بين الأطراف حول الحلول التي توصلوا إليها، لا تتحمل الأسر أي أعباء بمناسبتها. "قاض وسيط" وجرى خلال النقاش التأكيد على أن يدير جلسة الوساطة "قاض وسيط"، قادر على تدبير النزاعات الأسرية، يتصف بمجموعة من المواصفات، منها القدرة الكبيرة على الاستماع والحوار. بينما رأى متدخلون آخرون، أنه لا مانع من أن يكون الوسيط، قاضيا أو محاميا أو معالجا نفسانيا، أو أحد أطر كتابة الضبط أو أشخاصا من المجتمع المدني، شريطة أن لا يكونوا في حالة التنافي، كأن يكون أحدهم مدافعا عن أحد الأطراف، إما أمام القضاء أو مساندا له في جمعية أو ما شابه ذلك، على أساس أنه إذا لم يتوصل الأطراف إلى حل يحال الملف على قاضي الموضوع. وتطرق عدد من المشاركين في النقاش إلى مسألة صعوبة ضمان الحياد التام في عملية الوساطة العائلية، التي تجريها الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء، بالنظر إلى أنها جمعيات لا تقبل بتعرض النساء لأي شكل من أشكال العنف، تبعا للثقافة التي تحكم الناشطات في المجال. ولم يخل النقاش من التطرق إلى الدور المهم، الذي يمكن أن تلعبه المساعدة الاجتماعية في المحاكم، لفض النزاعات الأسرية، ووقف الاستمرار في التقاضي أمام المحاكم، ووقف نظرة المتقاضين إلى المحكمة على أنها خصم ثالث في عملية التقاضي، إذ شددت إحدى المساعدات الاجتماعيات على الالتفات إلى العاملين في المجال، من خلال تمكينهم من أدوات العمل وظروف الاشتغال، التي تساعدهم على أداء واجبهم.