تمثل التنمية صيرورة لا غاية عامة، فهي عمل إرادي للفاعلين السياسيين لتحويل وإدخال التغيير داخل تراب ما، وهي تحديث إرادي تقوم به الجماعة المحلية ومختلف الفاعلين بترابها، والتنمية المحلية مجموعة من الآليات الداخلية تعمل في إطار مشروع جماعي واستراتيجية يتعاون في تنفيذها مختلف الفاعلين، كما أنها رهان أساسي لأية تهيئة للتراب المحلي؛ يفرض تحقيق أهدافها تعاون جل الفاعلين المعنيين وإشراكهم في وضع مخطط لها. ولا يقتصر تحقيق التنمية المحلية على فعالية تدخل السلطات العمومية وباقي الفاعلين، وعلى مدى رغبة السكان ومشاركتهم، بل يبقى رهين جماعة محلية مواطنة، لها من الوسائل ما يمكنها من وضع مخطط تنموي ذي جدوى ووقع، حريصة على خدمة ساكنتها وتأطيرها، وعلى تعميم التجهيزات الأساسية، وتنمية الكفاءات المهنية لأطرها البشرية، وعلى تعزيز مجالات الشراكة مع مختلف الفاعلين المتدخلين في مجال التنمية والاستثمار المحليين.
وتمثل الديموقراطية المحلية ركيزة للتنمية المحلية، فمع حسن ترشيح واختيار المنتخب الذي تتوفر لديه إرادة إشراك السكان في تدبير الشأن المحلي، والإنصات لتطلعاتهم واقتراحاتهم، فهم المنتخب لا ينبغي أن يركز على فلسفة المشروع بل وعلى أثره على السكان، بل أن يكون قادرا على المبادرة وخلق التغيير والتجديد، يحترم البرنامج الانتخابي، وكفؤا لوضع مخطط شامل لتنمية الجماعة قابل للتنفيذ قبل نهاية الفترة الجماعية، وتنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة.
ولا ينبغي بأي حال اللجوء إلى الانتخابات أو اعتبارها مهنة ومصدر دخل وخدمة للمصالح الذاتية، بقدر ما هي مسؤولية وأمانة لخدمة المجال والسكان، وإدخال تغيير يولد تنمية المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويحافظ على الموارد والإطار البيئي، لذلك يفترض في الأحزاب انتقاء منتخبين أكفاء ذوو مصداقية مبدعين ومسيرين مجددين فاعلين، لهم برامج طموحة، لهم من التكوين السياسي والثقافي ما يؤهلهم لاتخاذ القرار والمبادرة لتسيير جماعي يتسم بالشفافية والمسؤولية بعيدا عن أي خطاب أو أفكار حملة انتخابية جوفاء، حتى ينتقل من المنتخب المسير إلى دور الفاعل في التنمية المحلية بخلق إطار إيجابي للاستثمار وتوجيه تدخلات المؤسسات العمومية لخدمة مصالحها، ومن الضروري وقف تنقل المنتخبين عبر الأحزاب وتغيباتهم عن دورات المجلس، ووجود رقابة من الأحزاب السياسية على أداء مرشحيها، وتدخلها كمصحح، ومقوم لعملهم، إذ ينبغي أن تختفي في الممارسة العملية للمجلس الجماعي كل سياسة تحدث اختلالات، فالتجربة الجماعية تتحمل مسؤولية التأخر الحاصل في مجال التجهيز والهيكلة العمرانية.
وينبغي الاستفادة من الميثاق الجماعي الجديد ل 30 أكتوبر2002 ، والذي جاء ليصحح اختلالات الميثاق الجماعي القديم، حيث حدد بدقة اختصاصات المنتخب وحدد حقوقه والتزاماته، متضمنا فصلا مطلقا بين اختصاصات سلطة الوصاية واختصاصات المجلس الجماعي، فقد أسند حالة الاختلال المالي لمجلس الحسابات وجعل الوصاية مرنة لا تعطل حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما ينبغي منح الجماعة المحلية رؤية مقاولاتية، بتأهيلها لتصبح جماعة مستثمرة، تثمن مواردها، ترفع وتحسن مداخيلها، أي جماعة مبادرة وشريكة لمختلف الفاعلين خاصة تنظيمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمؤسسات العمومية؛ وجماعة متفتحة على ساكنتها مع ضرورة إدخال آليات جديدة لتحسين عمل الجماعة وتطوير القوانين المؤطرة للعمل الجماعي، وخلق تضامن بين الجماعات وإنجاز مشاريع مشتركة.
كما على تدخلات الجماعة أن تركز على تأهيل المجال المحلي بتكييف موارد الجماعة مع حاجيات السكان، والرفع من تنافسيته بإكسابه قوة استقطاب للاستثمارات المنتجة للشغل، والحد من أشكال التهميش أي بتوفير بيئة استثمارية ملائمة للقطاع الخاص، وبأن تشمل التنمية الميادين الاجتماعية والثقافية.
وتبقى التنمية محدودة الفعالية ما لم تتجاوز المقاربة الإدارية والتقنية، وإذا ما انحصرت في شكلها العمودي حيث تفرز الإتكالية، فالمطلوب من كل تنمية بشرية على الخصوص أن تتمحور حول الفئة المستهدفة من السكان، تشركها في اتخاذ القرار وتنفيذ المشروع بشكل يدمج خبراتها وخصوصيات مجالها المحلي ويحافظ على توازنه وعلى موارده، وتخلق لديها وعيا مجاليا تدرك به كيفية خلق ظروف وتحولات جديدة أفضل في مختلف الميادين.