تشخيص واقع حال المدن المغربية، وخاصة الكبيرة منها، كشف عن اختلالات خطيرة ومظاهر عجز متعددة، كانت السبب في كبح وتيرة نموها الاقتصادي، وعدم كفاية أو ضعف جودة الخدمات الأساسية المقدمة لساكنتها، مما كشف عن وجود أزمة حكامة على مستوى التدبير الترابي. وأمام تحديات العولمة ورفع الحواجز الجمركية وتوقع ارتفاع نسبة التمدن، تضاعفت تحديات المدينة وتطورت، بل تعددت وظائفها، بحيث أن تدخلها لم يعد يقتصر على تدبير مرافق القرب وتوفير البنيات التحتية المحلية الضرورية، بل تعداه ذلك إلى توفير المناخ الملائم لتحقيق التنمية وإنعاش الشغل والمحافظة على المحيط البيئي السليم. وحتى تتمكن المدينة المغربية من تحقيق الاستثمار المنتج والاندماج الجهوي المستدام والجودة في إطار العيش، أصبح لزاما على المسؤولين المركزيين والمحليين على حد سواء، وضع سياسة ذات بعد ترابي شمولي مندمج، تعتمد مقاربة التشاور والتشارك، وتمكن من التوافق والتعاقد بخصوص وظائف حيوية، وتدبر التجهيزات وكذا البنيات التحتية الضرورية، وترسي سياسة عقارية ناجحة وقادرة على حل إشكالية السكن غير اللائق بأبعاده الثلاثة ( الصفيحي وغير القانوني والمهدد بالانهيار )، وإحداث مرصد دائم للمراقبة والتحكم في المعاملات العقارية التي تهم ضاحية المدينة والمراكز الصاعدة، لتلافي المضاربات العقارية، ولتتحكم في عمليات التمدن. بالإضافة إلى تيسير السبل لوضع وتنفيذ المشاريع الحضرية المنعشة لاقتصاد المدن، إما في إطار ما يطلق عليه بالشبكات الحضرية ( الثنائيات القطبية، التكتلات الحضرية أو بين الجماعات)، أو في إطار منفرد وحسب خصوصيات كل مدينة على حدة. أهداف سياسة المدينة كثيرة ومتنوعة بتعدد وتعقد الإشكاليات والاختلالات التي تفرزها المدن ذات الوظيفة الاقتصادية أو الإدارية. ويمكن اختزالها بصفة إجمالية في خمسة متطلبات تتقاطع في الجوهر، وهي كالآتي: - إحداث مدينة مندمجة ومتضامنة ومنسجمة وتنافسية ومستدامة، مبنية على التشاور والتشارك، - إيجاد حلول جذرية وشمولية لكل المشاكل التي يفرزها المجتمع الحضري، - محاربة الإقصاء المجالي والاجتماعي من خلال معالجة وإدماج الأحياء المهمشة والمتدهورة بالمدينة، وتوفير فرص الشغل والخدمات الضرورية لساكنتها، - تكريس مبدأ الحق في المدينة droit à la ville، مع تأمين للساكنة إطار عيش يساعد على الانسجام الاجتماعي وإبعاد مظاهر التمييز، - توفير حياة طبيعية تسودها العدالة والمساواة في الفرص، بخصوص الخدمات الحيوية وذات الأولوية بالنسبة لجميع الحواضر، وهي : الأمن التربية - التشغيل التنمية الحضرية، على أن يتحقق ذلك في إطار محاربة معيقات الانسجام الاجتماعي، وتقوية الإحساس بالانتماء إلى الجماعة. تحتل السياسة التعميرية، وما ارتبط بها من برامج سكنية، مكانة محورية ضمن متطلبات آليات التدبير الفعال والناجع للمدينة. فالتخطيط الحضري التوقعي المتمثل في مقتضيات وثائق التعمير بمختلف توجهاتها ومجالات تدخلاتها، تهدف بالأساس إلى تنظيم وتقنين استعمال المجال، بغرض تحقيق التوازن والانسجام والتكامل والاندماج بين مختلف القطاعات، من سكن وصحة وتعليم وثقافة ورياضة وترفيه ودور شباب وأندية نسوية وأماكن مخصصة للتعبد وللأنشطة الصناعية والتجارية والخدمات، وكذا طرق ومساحات خضراء، وذلك بغية توفير الخدمات الأساسية وأسباب الراحة للساكنة. ولعل تنفيذ توقعات وثائق التعمير، وإن كانت ترتبط في المقام الأول، بتوفير سياسة عقارية ذكية ومحكمة، فهي تتطلب من الناحية التقنية تنسيقا دقيقا بين المسؤولين عن مختلف السياسات العمومية، مركزيا وجهويا. لهذه الغاية، كرست سياسة المدينة، التي تعتبر التخطيط الحضري أحد أهم روافدها، لتفعيل الالتقائية الضرورية والتنسيق اللازم بين مختلف التدخلات على مستوى المدينة. ونسوق في هذا الصدد بعض المحاور التي من المفروض أن تستأثر باهتمام سياسة المدينة، كمواضيع للحوار والتدخل والتنسيق: - العلاقة التي تربط بين سياسة السكن والتعمير، ومتطلبات الحياة الاجتماعية المتوازنة، بالأحياء والمناطق ثم بالمدينة بصفة عامة، - إدماج المفهوم الشمولي للإقصاء. والمطلوب بهذا الخصوص العناية بثلاثة مواضيع رئيسية، كمدخل لمعالجة هذه الظاهرة، ويتعلق الأمر ب: التربية والتكوين، إدماج الشباب في الحياة المهنية، التأطير المتوازن والعادل للمجال بالتجهيزات والخدمات الضرورية، - التأكيد على أن التنمية الاجتماعية لأحياء المدينة تمر أساسا عبر: دمقرطة تدبير المدينة توازن التركيبة الاجتماعية للأحياء mixité sociale إدماج الشباب بالمدينة والمجتمع الربط بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأحياء إرجاع القيمة الحضرية والثقافية والتاريخية للأحياء السكنية العتيقة الوقاية من انعدام الأمن تقوية الممارسات الثقافية والفنية. وكيفما كانت طبيعة وعدد مواضيع سياسة المدينة، فالمطلوب أن يتم اختيارها بناء على مقاربة إرادية وتشاركية في نفس الآن، تأخذ بعين الاعتبار ، على الأقل، ثلاثة متطلبات : * مشاركة السكان، لتمكينهم من بلورة مشاريعهم وتحديد أولويات برامجهم التي تمس معيشهم اليومي، ثم المساهمة في إعداد وتنفيذ وتتبع وتقييم المشاريع المقررة، * الخدمات العمومية ومتطلبات الحياة الضرورية اليومية، بحيث يجب تلافي التعامل بانتقائية مع مطالب وحاجيات الساكنة. إذ لا يمكن إحداث خدمة عمومية لكل وضعية على حدة، بل يجب التفكير في مرافق عمومية لمجموع تراب المدينة ولكل ساكنتها، وذلك انطلاقا من المطالب المعبر عنها على مستوى الأحياء، ومن طرف الأشخاص في وضعية صعبة، كقاعدة عامة، يتمحور مضمون عقدة المدينة حول برامج سياسة المدينة. وغالبا ما يتم التوافق حول هذه البرامج بين المستويين المحلي والمركزي، وذلك في احترام تام لاختصاصات كل طرف. من خلال تشخيص واقع حال الحواضر واستقراء حاجيات ومتطلبات ساكنتها، يتم تحديد أولويات برامج الهيآت المشرفة على تدبير الشأن المحلي. ولتحقيق ذلك، تتوفر المجالس المنتخبة من الناحية القانونية على صلاحية إعداد المخططات المحلية والجهوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا التصاميم الجهوية لإعداد التراب. وهي تعتبر أحد المصادر الموجهة لسياسة المدينة. وانطلاقا من المشاكل والاختلالات الخطيرة التي تعرفها المدينة المغربية ( الكبيرة والمتوسطة والصغيرة )، من المتوقع أن تركز سياسة المدينة بصفة متوازية، على أربعة مواضيع ذات راهنية ملحة، وهي: - ضبط النظام العام بمفهومه الثلاثي، الأمن والسكينة والصحة، - التربية والتكوين، - التشغيل والاندماج الاقتصادي، - السكن والتنمية الاجتماعية. وتبقى برامج القطاعات العمومية الأخرى، الطرف الثاني المكون لعقدة المدينة، حيث تحتل فيها سياسة التعمير / السكن مكانة متميزة، بالنظر لدور التخطيط المجالي الذي يضطلع به هذا القطاع إزاء باقي القطاعات الحكومية الأخرى. - الحدود والتمفصلات في تفعيل السياسات التنموية للجماعات الترابية تدبير المدن وخاصة الكبرى منها، ليس شأنا محليا محضا، ولكن تتدخل فيه الدولة كذلك، باعتبار أن المدينة هو الفضاء الذي سوف تحسم فيه إشكاليتان تتميزان بطبيعة أفقية تتجاوز حدود المدينة والجهة كذلك، ألاوهما التشغيل والتنمية بصفة عامة. الجانب المؤسساتي استنادا لمبدأ التفريع principe de subsidiarité، تتوفر المجالس الترابية على اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة وأخرى منقولة إليها من هذه الأخيرة، بخصوص تدبير الحواضر. ويحدد دستور 2011 في فصله 146 الأمور التي يجب أن يدققها القانون التنظيمي للجماعات الترابية بخصوص تراتبية توزيع مهام كل هيأة منتخبة في تدبير أمور المدينة. ويتعلق الأمر بشروط مساهمة السكان في تدبير الشأن العمومي، وتدقيق الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة للمجالس المنتخبة، وموارد وكيفيات تسيير صندوق التضامن وصندوق التأهيل الاجتماعي، وشروط وكيفيات تأسيس المجموعات الترابية، وتحديد المقتضيات الهادفة إلى تشجيع وتنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى تطوير التنظيم الترابي في هذا الاتجاه. حتى تتمكن المدينة من وضع سياسة ذات بعد ترابي ومتناسقة القطاعات العمومية، تكون قادرة على منحها الجاذبية والتنافسية المطلوبتين، من الضروري التعجيل باستصدار ميثاق عدم التركيز الإداري لتحقيق الانتشار الترابي للمصالح الخارجية للإدارات والهىآت العمومية، وخاصة بالقطاعات الأساسية ( التربية، التكوين، الماء، النقل، السكن، التعمير...)، لتلافي تداخل الاختصاصات وازدواجية الهيآت العمومية والاستعمال غير الملائم للموارد البشرية والمادية، ولتصريف السياسات العمومية على صعيد المدينة أو الجهة، بين إدارات الدولة والمجالس المنتخبة وباقي الشركاء، ولتفويض اختصاصات الدولة لمصالحها غير الممركزة، بما في ذلك تعميم عقود البرامج والتدبير بين الوزارات ومصالحها الخارجية. وعلى هذا المستوى، يبرز الدور الحيوي لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم الذين يمثلون بقوة الدستور، السلطة المركزية بالجماعات الترابية، حيث يسهرون على تطبيق القانون والنصوص التنظيمية للحكومة، ويمارسون المراقبة الإدارية. كما يساعد الولاة والعمال الجماعات الترابية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، ويقومون بمهمة تنسيق أنشطة المصالح الخارجية للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها. مما سبق ذكره، يتضح بجلاء الجهات المعنية بوضع وتفعيل السياسة الترابية، ويتعلق الأمر ب : - الهيآت المنتخبة على مستوى المدن والجهات، والتي يسند إليها القانون صلاحية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لمجالاتها، - اللجان الوزارية المكلفة بشؤون الجماعات الترابية ( المدينة الجهة). لها صلاحيات تنسيقية وكذلك تقريرية بخصوص القضايا الترابية، والتي تدخل في صميم اختصاصاتها، وخاصة الأمور المرتبطة بالتنمية الترابية وبضبط النظام العام، - الجهاز الإداري الذي تسند إليه مهمة الإشراف جهويا، على إعداد وتنفيذ عقدة المدينة أو عقدة التكتل الحضري أو عقدة ما بين الجماعات أو عقدة البرامج بين الدولة والجهة. ويفرض المنطق أن يكون هو الجهاز نفسه الذي يشرف على عملية التخطيط المجالي التوقعي والتخطيط التنموي. وفي جميع الأحوال، فالمهمة المذكورة سوف تكون تحت الإشراف والمراقبة المباشرة لعامل العمالة والإقليم الذي توجد في نفوذه الترابي المدينة المعنية بهذه العقدة، أو عند الاقتضاء والي الجهة، في حالة عقدة التكتلات أو العقدة التي تجمع بين عدة جماعات، وكذا عقدة التخطيط التي تجمع بين الدولة والجهة. الجانب التشريعي والتنظيمي علاوة على الجوانب التي سوف يفصل فيها كل من القانون التنظيمي للجماعات الترابية وميثاق عدم التركيز السالف الإشارة إليهما، بخصوص تحديد التراتبية الترابية لاختصاصات المجالس المنتخبة، وتنظيم علاقة الدولة مع ممثليها محليا وجهويا، كان من الضروري تقنين مستويات الاندماج الترابي والمرفقي وأهدافه، إن على المستوى الأفقي بين الجماعي، أو على المستوى العمودي، بين الهيآت المنتخبة والدولة. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى استصدار قانون يحدد مضمون وآليات الاندماج الترابي، وتكون من بين أهدافه على وجه الخصوص: - تقوية التضامن بين الجماعات الترابية من أجل تحسين ظروف الحياة بالمدن التي تعاني نقصا في مواردها المالية، - تنمية الانسجام الاجتماعي والقضاء على التمييز بين الفآت من خلال: توازن السكن بالمدن والأحياء، رد الاعتبار للمدن العتيقة، التطور الحضري للتكتلات العمرانية، وضع سياسة عقارية، - إحداث مناطق لتجديد الدينامية الحضرية، - إحداث المناطق الحضرية الحرة، - إحداث مناطق الأنشطة المختلفة لاحتضان مختلف الأنشطة غير المهيكلة، التي تشوه المظهر الحضري اللائق للمدن وتمارس منافسة غير مشروعة بالنسبة للأنشطة المنظمة. الإجراءات المواكبة، وضع وتنفيذ سياسة المدينة يمر أساسا عبر آليتين أساسيتين: - التخطيط، وهو نوعان: * تخطيط مجالي توقعي ( وثائق التعمير وتصاميم إعداد التراب )، يهتم بتنظيم استعمال المجال وبتنسيق مختلف التدخلات، وذلك بغية إعداد مجال متوازن ومنسجم ومندمج ومستدام، وقادر على الاستجابة لحاجيات ساكنته. * تخطيط تنموي توجيهي، يعنى باقتراح الأفكار والبرامج الرامية إلى معالجة الاختلالات وتثمين المؤهلات، من أجل تحقيق القفزة التنموية المرجوة على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، - آليات تحقيق التوقعات وتوطين التوجهات، وهي نوعان: * المشاريع الحضرية الكبرى GPU، تعد لمعالجة الاختلالات الاجتماعية والمجالية الخطيرة، من خلال تفعيل مبدأين أساسيين وهما، التضامن المجالي والاندماج الاجتماعي. غالبا ما تمدها الدولة كشريك في تدبير المدينة، بدعم كبير حتى تنجح في تمكين الحواضر من انطلاقة جديدة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضرية. * التعاقد العمودي، وهو التزام يجمع بين الدولة والجماعات الترابية وباقي الشركاء من أجل تنفيذ، وبطريقة تشاركية، السياسة الترابية اللازمة لتمكين المجال من تحقيق تنمية متوازنة وقادرة على الدمج المتجانس لكل مكوناته. ويجب أن تكون الأداة المفضلة والوحيدة لتفعيل السياسة الترابية. ومن المستحسن أن تشمل تراب عدة جماعات، وفي بعض الحالات عدة جهات، وذلك بالارتكاز على مؤسسة عمومية للتعاون، وأن تستند إلى مشروع ترابي مشترك بين الجماعات المعنية. - نطاق التدخل لايمكن معالجة الاختلالات الصعبة التي يعرفها مجال معين إلا في إطار شمولي مع باقي أجزاء المدينة والجهة. إذ أصبح التمازج أو الاختلاط الاجتماعي شيئا جد مطلوب لتلافي الاحتقان والميز الاجتماعي والإقصاء المجالي. بل أكثر من هذا، المطلوب حاليا تفاعل سياسة المدينة مع العلاقات التي تربط الحاضرة وباقي التكتلات الترابية المجاورة، أو بمعنى آخر تفاعل المدينة مع مختلف المكونات السوسيو مجالية للجهة التي تنتمي إليها عموما، وذلك في إطار عملية هيكلة الشبكة الحضرية الجهوية، التي تعتبر في الوقت الراهن مطلبا حيويا من أجل تقوية الجاذبية والتنافسية الترابية. وهذا التحدي الترابي، ليس هو الوحيد الذي يفرض إدماج سياسة المدينة ضمن سياسة الجهة المتقدمة، بل هناك اعتبارات أخرى دستورية وتخطيطية نوردها فيما يلي: * احترام مبدأ التراتبية الترابية لاختصاصات الجماعات المنتخبة المنصوص عليه دستوريا: حيت تتوفر الجهة والجماعات الترابية الأخرى، حسب اختصاصاتها وضمن دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها ( المادة 140 ). كما لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى، وفي نفس الآن تتبوأ الجهة مكانة الصدارة تجاه الجماعات الترابية الأخرى بخصوص ممارسة صلاحيات التخطيط والتنمية واختصاصات إعداد التراب، ولكن في احترام تام للاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات ( المادة 143). * ضرورة تطابق سياسة المدينة مع توجهات سياسة الجهة المتمثلة في المخطط الجهوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا في التصميم الجهوي لإعداد التراب، ففي إطار جهوي أو بين جهوي، وكلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع تنموي مهيكل ومندمج، يتطلب تعاون وتآزر العديد من الجماعات الترابية، يمكن لهذه الأخيرة الاتفاق على كيفية التعاون بهذا الخصوص، كتأسيس مجموعات من أجل التعاضد في البرامج والوسائل ( المادة 144)، شريطة أن يتطابق هذا التدخل مع مضامين المخططات الجهوية. كما يمثل الولاة والعمال السلطة المركزية في الجماعات الترابية. ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية المحترمة لمبدأ التراتبية الترابية لاختصاصات الجماعات الترابية، ولمبدأ الانسجام والتناسق بين المشاريع على مستوى تراب الجهة.. * انسجاما مع ما سبق، تعتبر عقدة المدينة بالضرورة جزءا من تركيبة عقدة التخطيط التي ستبرم جهويا بين الدولة ومجلس الجهة. - اختيار مجال التدخل يتم وضع لائحة المدن أو التكتلات الحضرية أو بين الجماعات الترابية أو الجهات، التي سوف تكون موضوع عقد تنمية بتوافق بين الجهات المعنية بالتعاقد. وتبقى جغرافية مواقع التدخل ومبالغ التمويلات المرصودة لهذا الشأن والمتفق عليها، دائما قابلة للمراجعة ، كلما دعت الضرورة لذلك. وقد أثبتت التجربة أن مقاربة « المشروع « هي التي تحسم في تحديد مجالات التدخل، وليس فقط وبصفة أوتوماتيكية، تشخيص اختلال أو تدهور معين. فجاهزية المشروع الترابي الشمولي والتشاركي، المعد لمعالجة الاختلالات، هي التي تفرض على المتدخلين المعنيين ( الدولة والجماعات الترابية ) الجلوس حول طاولة التفاوض لتدقيق تفاصيل التزاماتهم المتبادلة. والذي يجب التأكيد عليه بهذا الخصوص هو أن عقد البرامج التنموية ليس شباكا للتمويل، بل أداة تخطيط وترسيم للمشاريع القادرة على خلق الاندماج والتضامن والتآزر الترابي والبشري للمجالات المعنية. وعموما، فسياسة المدينة وسياسة الجهة بما في ذلك الشق المتعلق بالتنمية الاجتماعية، يتم تدبيرها في إطار تشاركي من طرف الدولة والجماعات الترابية ومكونات المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية والمهنية والسياسية والجامعية...، في احترام تام للامركزية واللاتمركز وفي انسجام دقيق مع توجهات سياسة إعداد التراب وطنيا، مع تحري المساواة الترابية égalité territoriale، التي يجب أن تكون موضوع تشاور وتوافق بين السلطات العمومية والمجالس المنتخبة وباقي الفرقاء، والحرص على أن تترجم هذه المساواة مجاليا من خلال توزيع منسجم وعادل للتجهيزات والخدمات العمومية. مهيء حضري، باحث ، مفتش جهوي سابق للإسكان والتعمير وإعداد التراب والماء والبيئة، جهة فاس بولمان