أن تخرج علينا جريدة الأخبار في يوم 25/08/2014 بمسابقة للكلمات المسهمة، من إعداد السيد "عمر بنعبة"، و أن تتضمن سؤالا مثل : " أمازيغي أو شخص متحجر القلب"، ليكون الجواب هو " بربري "! فهذا قد تجاوز كل الخطوط. نريد أن نفهم ماذا تقصد الجريدة من إدراجها هكذا سؤال في مُسَهَّمتها؟ ألا ترون أنه تصرف يتزامن و الحملة التي يقودها الأمازيغ من أجل مقاطعة إحصاء شتنبر 2014، بسبب بعض الأسئلة المدرجة في اللائحة و التي تحيل إلى التشكيك في نسبة الأمازيغ و الناطقين بالأمازيغية في المغرب؟ أليس هذا رد فعل وضيع حيال الصحوة الأمازيغية في المغرب و محاولة في تسميم الرأي العام بهكذا أفكار عنصرية و إقصائية؟ نعلم جيدا أن هناك إعلام و ضيع، و إعلام أصفر، و إعلام مسترزِق، و ...، لكن أبدا لم نتصور أن الوضاعة درجات و أن أقصاها ما أبانت عنه جريدة الأخبار بطرحها هذا السؤال، سواء أكان من باب التسلية .. بعقول القراء، أو من باب السخرية من عِرق يشكل أغلبية الساكنة، أو من باب تحقير شعب له جذوره الضاربة في التاريخ .. أو ببساطة، من أجل القدح في ذاك المواطن البسيط، الذي يتحمل مشقة اقتناء الجريدة رغم محدودية دخله، حتى يجد فيها هذا النوع من القذف و التحقير في انتماءه و هويته! هل يحق لنا الافتخار بهكذا إعلام و اعتباره إعلاما أصلا؟ لو كان القائمون على هذه الجريدة يحترمون مبادئ المهنة و لو كانوا بالأساس يسعون لمصلحة هذا الوطن كما هو مفروض، لما انزلقوا في هذا الفعل المشين المقصود، الذي يزيد من إقصاء فئة من المواطنين و يُذكي مشاعر التعصب.
... و يُرَوِّجون بعد كل هذا .. لِعنصرية الأمازيغ! الكل بات يعلم أنه ما من رد فعل من دون فعل، و ليس هناك دخان من دون نار. أكيد الإنسان المتعقل هو ضد أي تعصب و تطرف، و لكن عندما نجد مثل هذه الأفعال و صادرة عن منبر إعلامي له جمهوره الواسع، فأخبروني كيف يمكن للمرء أن يتمالك نفسه و هو يُمسُّ في هويته؟ ليس الكل عقلاء و ليس الجميع يدفع بالتي هي أحسن، و القليل فقط من يتجاهل حتى لا يعطي الموضوع أكثر من حجمه، إلا أنه أحيانا يتوجب الوقوف عند الصغائر حتى نتفادى الكبائر، و هذا الفعل من جريدة الأخبار، بقدر ما هو مجرد عبارة في خانة، بقدر ما لخص النظرة الشمولية و التوجه الفكري لهذه الجريدة و الذي بالتأكيد يصب في خانة التفرقة بين المغاربة. هذه هي الفتنة النائمة يا سيد "بوعشرين" التي كان يجب عليك الكتابة عنها و القول بعدم إيقاظها، هذا هو ما يفرق ما بين أبناء الشعب الواحد و سيجعلنا أبدا في مصاف الدول المتخلفة فكريا و أخلاقيا، هؤلاء هم من يضحكون في قرارات أنفسهم بينما المواطن الأمازيغي يشتري جريدتهم، ليجد فيها ما يحط من شأنه، رغم أن التاريخ شاهد على عراقته و أصالته. ما حان الوقت بعدُ كي نتساءل إلى أين نحن سائرون و بأي زاد؟ هل بمثل أسئلة السيد "الحليمي" مندوب الإحصاء، التي تسعى في خطة وضيعة لجعل نسبة الساكنة الأمازيغية، أقل من نسبة المقيمين الأجانب في المغرب، حتى تتعثر كل الجهود من أجل تفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية و من أجل المزيد من المكتسبات؟ أم بمثل هذه التسلية التي ندفع ثمن جريدتها حتى نجدها تقذف في أخلاق و هوية مكون أصلي و غالب و فعال في هذا الوطن السعيد؟ هكذا سلوكيات، ستجعلنا نُضيع وقتنا الثمين في القيل و القال و في إضمار المكائد و الأحقاد، عوض أن نوفر كل هذه الجهود و أن نرقى بذواتنا في التعامل مع الآخر، لاسيما و أن هذا الآخر ما هو إلا مواطن لنفس البقعة الجغرافية و من نفس الدرجة .. اللهم إذا اعتبره واضع التسلية المسَهَّمة (السيد عمر بنعبة) أقل مواطنة و درجة، حيث كيف يتجرأ على النيل تحقيرا من الأمازيغي و هو ابن هذه الأرض التي تصدح بتاريخه و بعراقته و سَماحته و كَدِّه؟؟ أكيد يلزمنا الكثير حتى نرقى إلى مصاف "الإنسان" و التعايش، و كل ما تُصَمُّ به آذاننا من شعارات عن أن هذا الشعب أفضل الشعوب ممن تمخضت عنهم الكرة الأرضية، و أنه متسامح و متكافل و راقي و.. و..، ما هذا إلا إعلامُ بالونات منمق و أكيد ليس مجاني، .. لنكن صرحاء مع أنفسنا و أمام بعضنا البعض، و لنقل جَهرًا ما نقوله في المقاهي غَيظا و تهكما : يلزمنا غسل الأدمغة المغربية وإعادة بناء تشكيل العقليات حسب المعايير الكونية الإنسانية و إلا، لن نتقدم خطوة للأمام ما لم نرجع عشرة للوراء و سيشهد التاريخ القادم أن فترتنا كانت أسوأ فترة مرت على هذه البقعة الجغرافية. و كإجابة على سؤال المسَهَّمة، فلتعلم يا سيد "عمر بنعبة" أن الأمازيغي هو ذاك الذي عَمَّر هذه الأرض ألاف السنين قبل حضارة 12 قرنا و لم ينقرض، بل مازال متشبثا بصخرها و أديمها، و مازال يَحيى تحت سماها بشعار ثلاثية "أكال، أفكان، أوال" (الأرض، الإنسان، اللغة)، الأمازيغي هو المتسامح الذي فتح أبوابه و صدره للقادمين العرب حتى يتعايشوا جميعا في سلام، الأمازيغي هو الذي قاوم الاستعمار ولم ينل حظا من الغنائم، الأمازيغي هو الذي لولا طيبته، ما تجرأتَ على هذا السؤال في مُسهَّمتك، الأمازيغي أعمق من أن ألخصه في كلمات أنت بعيد عن إدراكها. شكرا يا جريدة الأخبار، فالأمازيغي أشد إيمانا و اعتزازا بهويته من أن تخدشي فيه طرفا فشلتِ في إصابته.