كنت قد قررت أن أتواصل معكم هذا الثلاثاء حول حدث الساعة على الصعيد العالمي، ألا وهو مونديال 2014 بالبرازيل... وكيف أن العالم مشدود- وبقوة- إلى الكرة المستديرة. ينتظر فوز فريق أو بلوغ ثمن أو ربع...النهائي...أو على الأقل المشاهدة والاستمتاع بالمباريات...لكن حدثا مُقَدَّرا ومكتوبا وقع...حدث لم أُرِد أن يَمُرَّ دون الإشارة إليه...إنه وفاة سي المهدي المنجرة...رحمة الله عليه.... رجل...لا كالرجال...لم يُبدَّل ولم يُغَيَّر حتى اختاره الله إلى جواره...بعد مرض عضال ألزمه الفراش... رجل كان من أوائل "المشاغبين" ضد الاستعمار الفرنسي والغطرسة الفرنسية الاستعمارية...فناقش أساتذته الفرنسيين وهو لا زال تلميذا في "الليسي"...نضاله ضد الظلم دفعه لاحقا لكتابة كتابه "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية"...ثم كان من أوائل المغاربة الملتحقين للدراسة بأمريكا حيث حصل على أعلى دبلوماتها، ثم بإنجلترا حيث أحرز على الدكتوراه هناك... فكان حقيقة ملتزما بالتعليم من "المهد إلى اللحد" (وهو عنوان لأحد كتبه)... نعم كان من أوائل الأساتذة الدكاترة الذين درسوا بجامعة الحقوق بالرباط (يوم كانت الكلية جامعة)، ولربما ذلك ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني يقترح عليه منصب رئيس "الجامعات" (بالجمع) فاعتذر....تدرج في عديد من المسؤوليات وطنيا ودوليا وأمميا...وعلى أرقى المستويات العالمية...أحرز على عدة ألقاب عربية وفرنسية ويابانية وأممية... هو الرجل الأمة...الذي لم يكن يفكر لنفسه وليومه...بل يفكر لوطنه ولمجتمعه وللأمة... يفكر في مستقبلها وما ستؤول إليه... كان ينادي بالعدل والمساواة والحرية...فانخرط مع المدافعين عن "عدم الانحياز"، كان يعمل على حوار الحضارات والأمم...فأسس جائزة من ماله الخاص بعد حرب الخليج على العراق (بعد إصداره لكتابه الحرب الحضارية الأولى)... كان يقول أن التغيير آت لا محالة...لكن بدون سلاح ولا رصاص ولا حجر...فجاءت رياح الربيع العربي لتصدقه بعد 40 سنة... لكم ما يُؤسَفُ له هو أن بلده المغرب لم يستفد منه كما يجب...لم يستفد منه في علوم المستقبليات...بل أنه في بعض الأحيان منعت بعض الأنشطة التي كان سيلقي فيها محاضرات وندوات. رجل بأمة...مات غريبا...فطوبى للغرباء...ورحمة الله عليه... ونسأل الله أن يأجره على كل ما قدم للبشرية...وأن يغفر لنا تقصيرنا في حقه وإنا لله وإنا إليه راجعون....