لوعة رحيله مازالت طرية حارقة في نفوس تلاميذه ومجايليه ومتابعي مسيرته الفنية والفكرية الحافلة، لكن قانون التاريخ يفرض الحديث عن محمد شبعة بصيغة الماضي، وتقديم خلاصات تراثه واستلهام دروس تجربة تشكيلية خاضها بالريشة والقلم، ممارسة ونقدا. لحظة وفاء واعتراف كانت تلك الندوة التي احتضنها المعرض الدولي للنشر والكتاب، أمس الجمعة، بقاعة محمد الصباغ، في فقرة استرجاعية تبوأ فيها شبعة، موقعه الطليعي الذي يستحقه كواحد من رواد التشكيل المغربي ، ذلك الراحل ذو الصوت المزدوج، الذي تجاور لديه إبداع اللوحة مع الكتابة النقدية الأصيلة، كما قدمه الشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي. يعتبر التشكيلي أحمد جاريد أن محمد شبعة فنان مؤسس، كان أول من طرح سؤال الهوية في التشكيل المغربي بكيفية جذرية (إلى جانب الشرقاوي وبلكاهية) مسنودا بوعي إديولوجي جعله يتزعم مقاومة التصوير الفطري والمنحى الفولكلوري الذي ترعاه مدرسة كولونيالية تحقر الفن المغربي الحديث. ويضيف جاريد أن الراحل ثابر من أجل تكوين نظري يوازي تكوينه التشكيلي، وعرف بمواقفه الصارمة تجاه قضايا الفن والمجتمع، كما كان الفنان المثقف الذي جمع بين الحرفة والكتابة والتأمل في الفعل الإبداعي. واستعار الفنان التشكيلي صلاح بنجكان قولة لبورخيس حين وصف محمد شبعة بأنه "كان يعمل بجدية طفل يلهو" مشددا على أن الوقت حان لكتابة تاريخ فن تشكيلي مغربي راكم حتى اليوم ثلاثة أجيال من المبدعين. وسجل بنجكان أن الراحل كرس القطيعة مع كل ما هو كلاسيكي ومدرسي تعلمه في مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، مبتعدا عن النمطية والتبعية. إنها مرحلة يطلق عليها بنجكان لحظة "قتل الأب". أما ابنة الراحل، قدس شبعة، فاستعادت من سيرة والدها ذلك الفنان الذي كان يرى أن مهمته تتجاوز إنجاز العمل الإبداعي الذي يصفق عليه الجمهور في المعارض، بل حفر إسمه كحامل لمشروع ثقافي نضالي واضح المعالم. يذكر أن محمد شبعة يعتبر من مؤسسي الحركة الطليعية للفن التشكيلي، تحت اسم "جماعة 65? إلى جانب فريد بلكاهية ومحمد لمليحي. وولد الراحل في طنجة سنة 1935، والتحق بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان قبل أن يلتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما، ليعود إلى المغرب أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء تم أستاذا بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط.