ما تزال الأوضاع بأوكرانيا تتطور نحو الأسوأ، خاصة بعد موجة التصعيد بين السلطات والمعارضة والتي أوقعت 25 قتيلا و241 جريحا ، وذلك بسبب اختيار طرفي الأزمة لغة النار والحديد وإعمال منطق كسر العظم. فخلال الساعات الأخيرة، اتسعت رقعة العنف بهذا البلد، وذلك على خلفية أزمة سياسية، وصفها المراقبون ب"المستعصية" تفجرت منذ ثلاثة أشهر، عقب رفض الرئيس الأوكراني التوقيع على اتفاق للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي. ودخلت البلاد منعطفا ، اجمع الكثيرون على أنه "خطير"، إثر شروع قوات الأمن الأوكرانية في اكتساح ساحة "الميدان" بالعاصمة كييف، فجر اليوم الأربعاء، والتي يحتلها المتظاهرون منذ ثلاثة أشهر. وأدت عملية الاكتساح هاته إلى اشتعال النيران في الخيام المنصوبة بالساحة، وإلقاء قوات الأمن لقنابل مسيلة للدموع وقنابل صوتية، ما أدى إلى سقوط ضحايا. وفي ظل هذه التطورات، جاءت ردود الفعل من مختلف العواصم العالمية تدعو إلى اعتماد الحوار والتزام الهدوء، وتحذر في الوقت نفسه من خطورة إمكانية انزلاق البلاد إلى نفق مظلم. وفي هذا الصدد، دعا نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرئيس الأوكراني إلى سحب قوات الأمن من شوارع كييف، وذلك بعد اتصال هاتفي بين الجانبين، معربا عن إدانة بلاده للعنف "مهما كان مصدره"، ومؤكدا أن مسؤولية الحكومة تكمن في تهدئة الوضع. أما موقف روسيا من الأحداث الجارية بأوكرانيا، فجاء على لسان المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، حين قال إن بلاده ترى في الأحداث الأخيرة بأوكرانيا "محاولة انقلاب"، مضيفا أن "الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يحمل المتطرفين في صفوف المعارضة الأوكرانية المسؤولية كاملة عما يجري في البلاد". وأضاف أن "موسكو تدين بحزم أعمال العنف التي ترتكبها العناصر المتطرفة التي استغلت شروط العفو المعلن في البلاد للشروع فورا في استخدام القوة"، مشيرا إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بحث مع نظيره الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، خلال مكالمة هاتفية جرت بينهما الليلة الماضية، تطورات الأحداث في أوكرانيا. وعن موقف الاتحاد الأوروبي، قال مسؤول بالاتحاد إن وزراء خارجية الدول الأعضاء سيعقدون جلسة طارئة بشأن أوكرانيا في بروكسل غدا الخميس، متوقعا أن يناقش الوزراء فرض عقوبات على المسؤولين عن العنف واستخدام القوة المفرطة في احتجاجات اوكرانيا. وفي هذا الصدد، توقع جوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الاوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي، أن توافق حكومات الدول الأعضاء على وجه السرعة على فرض عقوبات على المسؤولين عن العنف واستخدام القوة المفرطة بأوكرانيا. ومن جهته، دعا وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، السلطات الأوكرانية إلى بذل الجهود لوقف النزاع الدموي في العاصمة كييف. وقال شتاينماير، في تصريح له ببرلين "حدث عنف وعنف مضاد .. لكن يتعين على قوات الأمن أن تعمل الآن على تهدئة الوضع وعدم توسيع نطاق استخدام العنف"، مشيرا إلى أن "العنف ليس هو المخرج للأزمة التي تعيشها البلاد ". وفي باريس، أعلن وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أنه سيتم "على الأرجح" فرض عقوبات على أوكرانيا، مضيفا أن هناك نقاشات مع الجانب الألماني"، وربما قد تم اتخاذ قرار بفرض عقوبات على كييف. وأشار رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى أن ما حدث الليلة الماضية "هو حالة من الرعب لا يمكن أن تثير سوى السخط "، مشددا على ضرورة العمل على استعادة الهدوء في أقرب وقت ممكن واستئناف الحوار بين الحكومة والمعارضة. ومن جانبها، دعت الحكومة البريطانية إلى ضرورة محاسبة نظيرتها الأوكرانية، معتبرة أن "أعمال العنف التي استهدفت المتظاهرين السلميين أمر غير مقبول". وقال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، إنه سيشارك، يوم غد الخميس، في اجتماع لوزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي يخصص لبحث الوضع في أوكرانيا . أما وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت، فقال إن وقت الحوار بين السلطات والمعارضة في أوكرانيا قد انتهى لأن "أيدي الرئيس الأوكراني ملطخة بالدماء". وناشد آندرس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الاطلسي (ناتو)، كافة الأطراف في أوكرانيا بالتوقف عن أعمال العنف، كما دعا جميع أطراف الأزمة الراهنة إلى استئناف الحوار على الفور بما في ذلك الحوار عبر البرلمان. وعلى المستوى الداخلي، " نأى" الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، بحكومته عن التورط في المواجهات الدامية بين الأمن والمتظاهرين والتي خلفت أكبر حصيلة في الخسائر البشرية منذ تفجر الأزمة، متهما في الوقت ذاته زعماء المعارضة بتجاوز "الخطوط الحمراء" من خلال دعوة أنصارهم لحمل السلاح وارتكاب أعمال عنف بهدف "الإطاحة به " من السلطة. وقال يانكوفيتش، في كلمة وجهها إلى الشعب الأوكراني اليوم الأربعاء، إن "زعماء المعارضة تجاهلوا مبدأ الديمقراطية الذي يقوم على الوصول إلى السلطة من خلال انتخابات، وليس عبر التظاهرات في الميادين .. لقد تخطوا الحدود بدعوتهم الناس إلى حمل السلاح"، مشددا على أن هذه الدعوات "تنتهك القانون بشكل صارخ، وأن المذنبين سيمثلون أمام القضاء". وكانت دائرة الاحتجاجات، وفقا لما ذكرته تقارير إعلامية، قد اتسعت إلى مدن أخرى في أوكرنيا، حيث استولى محتجون في غرب البلاد على مباني دوائر السلطة والشرطة والجيش.