موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في دائرة النقاش الدائر حول توزيع التركة، هل يمكن استعمال الرأي والاجتهاد مع وضوح دلالات النص..؟
نشر في أخبارنا يوم 01 - 02 - 2014

تعيش الشعوب الإسلامية بجانب ما تعيشه من اضطراب سياسي واجتماعي واقتصادي، اضطرابا فكريا وخلل المفاهيم ومحاولة كل فصيل أن يجد لتوجهاته ما يبرر تلك التوجهات، والواقع أن هذه البلبلة من المفاهيم ليس جديدا على المسار الفكري منذ البداية في هذه المجتمعات، حيث كان البعض يتبنى توجها معينا ثم يبحث له بعد ذلك عن سند من كتاب أو سنة أو غير ذلك مما يعتبره سندا لاتجاهه ودعواه، وهكذا دخل الكثير من التوجهات الدخيلة في ثنايا فكر هذه الفرقة أو تلك، واعتبر من بين التوجهات المنتسبة إلى الفكر الإسلامي وحتى في بعض الأقوال الفقهية في مذهب من المذاهب.
وإذا كان هذا من الوجهة الفكرية والسياسية تجد من يعترض عليه وبين مأساه و مصدره، وذلك لتوفر الناس على ميزان دقيق يرجعون إليه حيث كان النقد والاعتراض يتم من داخل المذهب نفسه أو الفرقة نفسها لأنها تجد من الشجاعة والقوة الفكرية والإيمانية ما يجعلها تنخل الأفكار وتغربلها للوصول إلى ما هو الصحيح، وكثيرا ما تجد لديهم عبارة أن هذا الأمر دخيل على المذهب وليس منه أو دخيلا على الفرقة وليس من أفرادها ولا من أصولها الفكرية وهكذا كان الفكر يتفاعل ويرجع في النهاية إلى الكتاب والقرآن وما صح من حديث الرسول أو أحد السلف الصالح الذي لا يقول عن هوى، ولا عن توجه دخيل.
لقد كان الأمر على هذا النحو بصفة عامة، ولكن الذي حصل ويحصل اليوم في المجتمعات الإسلامية، هو أن البعض يتجه إلى النصوص القطعية محاولا تجاوزها اقتداء بهذا التوجه الفكري أو ذاك، أو مساندة لمسار معين بمعنى أن الميزان الذي يحتكم إليه داخل المجتمعات الإسلامية يحاول البعض تجاوزه.
ونحن هنا لن ندخل في ضمائر الناس ولا ما يضمرونه من قناعة في نفوسهم وإنما نأخذ الأمر على أساس الاجتهاد، ونقول أن الاجتهاد له شروطه وله الميدان الذي يمكن أن يتم فيه هذا الاجتهاد فهناك في الحياة العامة للناس مجالات كثيرة للإبداع والاجتهاد وليس كل شيء مباح فيه الاجتهاد، فالذي يجتهد لإبطال نص والعمل به لا يقوم بالاجتهاد على الأساس الشرعي، ولكنه مثله مثل من يقول برأيه في أمور غير قابلة للرأي لأن النص دلالته واضحة.
وأشير هنا إلى أن الأمر ليس مجالا لحرية الرأي والاعتقاد لأنه عندما تطلب مني أن ألغي نصا قرآنيا أو جزء من آية فكأنما تقول لي تجاوز إيمانك بهذا النص واستبدله. بما قاله المفكر الفلاني أو الفلاني، وشرع ما شرعه فلان أو فلان، وكأن ما تقول لي كما قال الأولون كما جاء في القرآن (ايت بقرآن غير هذا أو بدله)، وهذا لم يبقى في دائرة الشرح والتحليل والتأويل، ولكنه يدخل في إطار إيقاف العمل بنص واضح وهو أمر بجانب أنه غير ممكن للتمسك به من لدن المجتمعات الإسلامية ولكنه يخلف فقط بلبلة ويصرف الناس عن العمل في إطار من الوحدة والتماسك الضروريين.
وفي هذا السياق سياق النقاش وإبداء الرأي ما دام الجدال قد فتح، نناقش في هذا الحديث رأي أحد المفكرين ببلادنا.
***********
الغلو شذوذ
في الحديث الأخير تعرضنا لموضوع "الإرث" وبالأخص تحديد الأنصبة والفروض كما وردت في القرآن الكريم، والتي هي محل إجماع وإيمان المسلمين جميعا بدون استثناء والتي كانت ولا تزال تطبق وتنفذ لدى المسلمين جميعا منذ نزل بها الوحي إلى الآن، ولاشك أنها ستبقى كذلك ما بقي الإيمان بالقرآن قائما وتعاليم الإسلام تنفذ قائما في الأرض، لأنها جزء من منظومة قانونية وشريعة متكاملة، ولا يضرها أو ينال منها موقف يتخذه هذا الإنسان أو ذاك أو هذه الجماعة أو تلك، فقد عرف تاريخ الإسلام جماعات وطوائف مغالية وشاذة، اتخذت مواقف من التشريع ومن الفرائض من صلاة وزكاة وصوم وحج، ولكن تلك الجماعات والطوائف انتهت وانتهى أمرها وبقي التشريع جاريا والإسلام شامخا كالطود، وبقي من أولئك شذارات يرويها التاريخ عنهم وعن قادتهم وزعمائهم، ووضعهم الناس حتى من يتعاطف معهم من المؤرخين قديما وحديثا، حيث ينبغي أن يكونوا من حيث الواقع والتاريخ وعلى أي حال فهم عندما يذكرون يذكرون في هذا السياق سياق الشذوذ والشذوذ يثبت القاعدة ولا ينفيها.
التقليد
ونحن اليوم أمام اقتراحات من طرف بعض الناس الذين يرون ضرورة مسايرة ما يجري لدى الغير ويعني هذا بالضرورة تقليد ما يجري في دول وحضارات غير الحضارة العربية الإسلامية، فهؤلاء الناس يرون ضرورة إتباع القانون الكنسي في موضوع الطلاق والتعدد وغيرهما فكما هو معروف فالقانون الكنسي لا يعترف بالطلاق، لأن الكنيسة ترى أن الإنسان لا يمكنه أن يتجرأ على حل عقد تم بيد الله لأن القسيس عندما يبارك الزواج فهو ينوب عن الله، هكذا يعتقدون. وليس الأمر عند هذا الحد، بل لا يجوز للمطلقة أن تتزوج مرة أخرى لأن من تزوج مطلقة أخيه فقد زنى. ومن هنا فالمطلقات عندما تتزوج تعتبر زانية ومن تزوجها زانيا.
وعلى أي حال فمادام الغرب الكاثوليكي فقد قبل بالطلاق وقننه فلا بأس أن تتبعه ما دام في الأمر متسع، وتم قبول تقييد التعدد وهو أمر كذلك لا يوجد ما يمنعه إما أن يلغي نص من كتاب الله في موضوع الإرث فهذا أمر لا يمكن قبوله والدعوة إلى ذلك ليست مبنية على منطق سليم.
الاجتهاد والتكفير؟
لقد تتبعت كما تتبع غيري من الناس النقاش الدائر في الموضوع المتعلق بالإرث والذي تم تحويله إلى نزاع بين الإيمان والكفر أو بين التكفير والتبديع والحق في إبداء الرأي والاجتهاد ومما لا جدال فيه أن الاجتهاد وإبداء الرأي واستعمال العقل كل هذه الأمور مقبولة، ولكن يجب التذكير أنها في مجال تأويل النصوص الشرعية يجب توفير شروط معينة وهي ما يعبر عنه بآلية الاجتهاد ومن القواعد المقرر في هذا الباب أنه لا اجتهاد مع وجود النص غير أن الذي تم هو تحويل الموضوع إلى نزاع، وهذا في الواقع يرجع بالأمر إلى قواعد كلامية فقهية ومساطر وإجراءات في موضوع لا يمكن الجزم فيه بسهولة ويسر، لأن القاعدة الأساس عند المالكية أن قبول إيمان ألف شخص بذريعة من الذرائع وعدم التعرض لإيمانهم أسهل بكثير من إخراج شخص واحد من الدين بشبهة قابلة للتأويل.
مساهمة في النقاش
وعلى أي حال فإن بعض الإخوة الذين قرأوا ما كتبه الأستاذ الدكتور عبد الله العروي المفكر والمؤرخ في هذا الموضوع في الأسبوع الأخير والذي هو ليس جديدا في مواقف اقترح علي المساهمة في النقاش من خلال المبررات التي يرى الأستاذ أنها تبرر ما يدعوا إليه من العودة إلى ما قرره الرومان في هذا الصدد.
وإذا كان الدكتور ذا مكانة في التاريخ لأن هذا ميدانه ومجاله فلنحاول معه استقراء التطور الذي حصل في الموضوع وما يجري بين الناس حاليا ولكن قبل ذلك نذكر القارئ بما كتبه الدكتور قال من بين ما قال في عدد يوم 18 يناير 2014 في جريدة (الاتحاد الاشتراكي):
رأي واقتراح
«لما اقترح علي موضوع عوائق التحديث، فكرت كثيرا من أين أبدأ، وفي وقت من الأوقات قلت: أبدأ بمثال ملموس وأنطلق منه رغم ما قد يجره على من انتقادات تعودت عليها. المثال يتعلق بحقوق المرأة بما أنني كنت دائما مطالبا بتحريرها فيمكنني أن أقول ما أراه حقيقة بالنسبة إلي».
«هناك ضغط خارجي على المغرب، هنا أيضا نرى ونلمس معنى التخلف، أي عندما لا تجد أنت ما تدافع به عن تصرفك الداخلي وكما يقال فإن المجتمع الدولي يطالب بالمساواة، أما المجتمع المغربي وغيره من المجتمعات المماثلة لا يود ولا يريد، لا يستطيع أن يطبق ذلك مائة بالمائة في جميع المجالات فيتحايل، يقبل مرة هنا ومرة هنا ولا يستطيع أن يقول: هذه النقطة لا لا أو... لأنه حينئذ سيشار إليه بأنه مختلف عن القانون وعن الفكر وعن التطور».
«هذا يعني أن ما تقبله الصين واليابان وإفريقيا السوداء تأتينا أنت وتقول: آه حضارتي لا تسمح بذلك، إذن اقفل عليك الباب وسر لأدغال إفريقيا واترك العالم لأصحابه، فيتحايل ومن ضمن التحايل (المدونة) نصفق لها طبعا هذه المدونة قالت بالمساواة بين الرجل والمرأة فتقرر ان تطبقها فيما يتعلق بجانب من جوانب الإرث، وهو توريث أبناء البنت، كيف يمكن أن يرث أبناء الابن الولد من الجد وأبناء البنت لا يرثون هذا حيف مقبول عند كثير من الفقهاء عند الحنفيين مثلا، إلا أن المالكية كانت ترفضه في 1958. الفقهاء المالكيون علال الفاسي والشفشاوني وغيرهما رفضوا هذا الحل...».
«فمن المظاهر التي تعيق التقدم والتحديث هي أنه لا يمكن لهذا النوع من الإرث تحقيق التراكم الاقتصادي فتوريث البنت يزيد من تفتيت الميراث بينما علل البعض أسباب التطور الحديث في أوروبا بكون الأوروبيين أعطوا الحق لكل فرد في أن يتصرف فيما ملك، وهي قاعدة مأخوذة من الرومان، ولا حق للعائلة للأسرة، للقبيلة في التدخل، الابن لاحق له فيما كسبه الأب، فكرة قاسية غير واقعية، ولكن كانت تمكن من التراكم، فأنا إذا شقيت في جمع ثروة طيلة حياتي، يمكن أن أتركها لشخص واحد وهو كذلك يتركها لشخص واحد فالثروة لا تتفتت».
«وبما أن الرأسمالية مبني على الرأسمالية المكون، ففي البلدان التي أخذت القانون الروماني طورته في اتجاه سلطة الفرد بما أنه صاحب الحق فيما ملك.
وطبعا حينما كنت أقول هذا لعلال الفاسي كان يقول لي لا ..لا..لا الملكية للجميع وليست للفرد وقد كتب ذلك غير أن علال الفاسي لم ينتبه لهذه القضية، وهي أنك إذا لم تعط حق التصرف في ملكية لمالكها لا يمكن أن تربي رأسمالا ذاتيا يمكنه هو فيما بعد أن يتطور جيلا بعد جيل».
إن الأستاذ العروي يذكر هنا أن الغرب نقل ما نقله عن الرومان في موضوع الوصية وليس الإرث في الواقع وعلى أي حال فما دام النقاش حول الإرث مفتوحا فلا بأس من مسايرة بعض المقابلات فهذا الباب فهي قديمة وحديثة وقد تفرغ احد القضاة المصريين في بداية القرن إلى هذه المقابلة فكتب كتابه الشهير والذي لا يزال حجة في هذا الباب بقطع النظر عن التعديلات التي يخضع لها القانون ما لم يكن عقيدة لقد كتب القاضي محمد حافظ "صبري" من رجال القضاء المصري، هذا الكتاب الذي أعطاه عنوان: (المقارنات والمقابلات بين أحكام المرافعات والمعاملات والحدود في شرع اليهود ونظائرها في الشريعة الإسلامية الغراء ومن القانون والقوانين الوضعية) الطبعة الأولى 1902م/1320ه.
المقارنات والمقابلات
وقد نهج نهجه أحد علماء الأزهر وخريج الجامعة الفرنسية وهو (سيد عبد الله علي حسين) وكتب (القارنات التشريعية بين القوانين الوضعية والتشريع الإسلامي) مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه (ط.1) 1949م والكتاب في أربع مجلدات.
يقول صاحب القابلات محمد حافظ صبري
في الكتاب الخامس المتعلق بالمواريث الباب الأولى في مستحقي الميراث بحكم الشرع والمادة الثانية عشرة بعد الثلاثمائة» وقد جعل الأصل هو القانون اليهودي ثم يقارنه بغيره.
الميراث اليهودي
أول من يرث في الميت ولده الذكر –وإذا تعدد الذكور من الأولاد فللبكري حظ اثنين من إخوته- ولا فرق بين المولود من نكاح صحيح أو غير صحيح من الأولاد في المواريث. فيعطي لكل منهم نصيبه بقطع النظر عن النكاح الذي ولد منه. ولا يحرم البكري من امتيازه بسبب كونه من نكاح غير شرعي (كاتخاذ الخدن والتسري) اما البنات فمن لم تبلغ منهن الثانية عشر فلها النفقة والتربية حتى تبلغ هذا السن تماما: راجع بابا بترا والفاسي على بابا مصيعه).(ص:334)
«على أن نفس هذه الفقرة التي استشهد بها ربى منشه لا تفيد وجوب كون القضاة الذين يحكمون للبكري بحقه في الميراث متحصلين على الإجازة بذلك من قضاة الأراضي المقدسة كما أفتى بذلك ربى منشه.
راجع كتاب حاحوت هلاشون (فصاحة اللسان) المطبوع في البندقية سنة 1546 صحيفة 28 وكتاب فتاوى عيدون بيهوسف جزء ثاني بالعبارة 58».
بين الشريعة العبرية وشريعة الإسلام
وبعد هذه المادة ومصدرها من كتب الفقه اليهودي يعلق القاضي المصري مقارنا بينها وبين أحكام الشريعة الإسلامية.
1 - قد تضمنت هذه المادة جملة أحكام كلها مخالفة للشريعة الإسلامية السمحاء ومعظم الشرائع الحديثة.
الأول: إن لا فرائض مقدرة للآباء والأزواج والبنات والإخوة والأخوات ولا غيرهم من الأقارب كما هو الحكم في الشريعة الإسلامية الغراء.
الثاني: إن لا ميراث للبنات ولا الزوجة ولا الآباء ولا غيرهم من الأقارب مع الولد الذكر بكريا كان أو غير بكري.
الثالث: إن للبكري من الأولاد حظ اثنين من إخوته.
الرابع: إن لا فرق بين أن يكون الولد من نكاح مشروع أو غير مشروع كاتخاذ الخدن.
الخامس: إن سن البلوغ للبنات اثنتا عشر سنة.
السادس: إن الميت إذا ترك ولدا ذكرا وابنة قاصرة فلا يكلف الولد إلا بالنفقة عليها وتربيتها حتى تبلغ هذا السن. ثم يعلق القاضي المصري عن الهدف من حصر التركة بالقول:
والحكمة في حصر المواريث في الأولاد الذكور حفظ قوام العائلات على التعاقب والعصبية إلى ما شاء الله كما كان الحال في جميع الشرائع القديمة. وتظهر هذه الحكمة ظهورا جليا من تمييز أرشد العائلة وزيادة نصيبه عن إخوته.
اتساع التضامن
ونجد استنتاج القاضي يسير في نفس اتجاه الدكتور العروي في جانب من جوانبه ويعقب عن هذا بقوله:
2 – ولكن الشريعة الإسلامية نسخت هذه الأحكام بأخرى حكمتها تخالف حكمة الشرائع القديمة كلها، ففوضت للآباء فروضا لابد من استيفائها على كل حال مع الأولاد وغيرهم من الورثة، وفرضت للبنات والنساء والأزواج والأخوات وغيرهم من الأقارب. فكأن حلقة التضامن العائلي والعصبية اتسعت عما كانت عليه قبل الإسلام.
ولما كانت مسائل المواريث وأحكامها من أهم ما يجب على العالم وغير العالم معرفته قد رأينا لزوم البحث في هذا الموضوع بحثا مطولا ليحبط به الطالب إحاطة تامة.
أهمية دراسة الموارث
ويعلق القاضي بعد ذلك ليس أهمية دراسة المواريث قائلا
3 – اعلم أن أحكام المواريث من الأحكام الأساسية التي عليها مدار النظام العام لكل أمة كما حققه المحققون من الباحثين في أحوال الأمم القديمة والحديثة. فمنها تعلم طريقة تعيش الأمة وطريقة حفظ كيانها، ودرجة محافظا على وجودها. ويكفي الاطلاع على مفصلاتها لمعرفة كثير من الأحكام في الأمور الأخرى.
5 – فمن علم مثلا أن الزوجة لا ترث في الشرع العبري من تركة زوجها شيئا استنتج أشياء كثيرة من معاملة المرأة في النكاح والطلاق والمعيشة المنزلية وغير المنزلية وسائر المعاملات.
6 – ومن علم أن البنت عند قدماء المصريين كان حظها في الميراث من والدها حظ الولد الذكر استنتج أيضا أن شرع قدماء المصريين كان يعامل المرأة معاملة الرجل في جميع الأحوال متزوجة كانت أو غير متزوجة. وان الشارع المصري في زمن الفراعنة لم ينظر إلى الفرق الطبيعي الموجود بين الرجل والمرأة في الجسم والعقل والقدرة على الأعمال كما نظر إليه الشرع الإسلامي في معاملة الزوجة في النكاح والطلاق والمعاملة المنزلية والميراث والتكليفات الأخرى.
يشير القاضي هنا إلى القيود التي يفرضها القانون الفرنسي على تصرف المرأة المتزوجة.
7 – ومن علم أن شرع الفرنسيس يعطي البنت من ميراث والدها نصيب الولد الذكر بقطع النظر عن فرق الجنس يندهش كل الاندهاش عندما يطلع على أحكام تصرفات الزوجة وميراثها عندهم ويجزم بوجوب التوفيق بينها وبين بعضها على توالي الأيام.
تراكم الثروة
ويرى القاضي المصري أن توزيع التركة من باب توزيع الغنى.
8 – ومن أحكام الميراث يعلم أيضا وجه اكتساب الأموال والثروة في الأمة إن كان للنساء فيه دخل أم لا. وتعلم أيضا درجة التضامن في العائلات بين الأقارب الأقربين والأقارب البعيدين بالنسبة لغيرهم كالعمات والخالات وأولاد الأعمام وأولاد الخالات وذريتهم. وتعلم أيضا درجة حاجة الأمة إلى ارتباط العائلات ببعضها وعدمها. ومنها يعلم أيضا إن كانت الأمة تجارية أو حربية أو صناعية أو زراعية أو غير ذلك.
9 – والخلاصة أن أحكام الميراث تختلف في كل امة بحسب اختلاف طرق تعيشها وكيفية معيشتها وحاجة أهلها وحاجة الحكومة إلى الأهالي في الأعمال العمومية.
أحكام المواريث لدى بعض الأمم
وشرع القاضي في إيراد بعض النماذج:
10 – ولنذكر الآن أحكام الميراث عند بعض الأمم القديمة نقلا عمل حققه العلامة (ريفللو) الفرنساوي لمقارنتها بالشرع العبري والشريعة الغراء والقوانين الفرنساوية ليظهر الفرق الكبير الذي بينها وبين بعضها وفضل الشرع الإسلامي عليها جميعا بسبب تقدير الفروض.
الميراث عند قدماء الرومان
لا يحفى على المطلع على تاريخ الأحكام والقوانين الرومانية أن قوانين الإمبراطور غسطنيانوس الشهيرة المنقولة عنها معظم قوانين وأحكام البلاد الاوروباوية المعمول بها الآن لم تبلغ درجة التحسيس التي وصلت إليها إلا بعد اختلاط الرومان بالأمم الشرقية.
وكانت قبل ذلك لا تذكر بجانب قوانين الأمم الأخرى لخلوها من روح التفقه كما يستفاد ذلك من مطالعة احكام الانثنى عشر لوحا التي وضعها الرومان نقلا عن اليونان بمعرفة (صولون) الحكيم اليوناني المشهور.
11 – فقضى شرعهم أن الميراث عبارة عن وصية تصدر من رب العائلة بحضرة القبيلة في أيام اجتماعاتها المعينة أو أمام العساكر أيام الخروج إلى الحروب يقول فيها الموصي ما معناه انه اختار ابنه فلان أو الأجنبي فلان ليخلفه في الرئاسة على العائلة وأداء الحقوق التي تطلب منه للقبيلة والملة بعد موته.
الوصية
12 – ولصعوبة هذه الحال على النفوس فكروا في طريقة أخرى تضمن للمالك أمواله في حياته وإقامة الخليفة بعد مماته. وهي كتابة الوصية وإضافة تنفيذها الى ما بعد الموت. فمتى مات الميت حل الوارث محله في كل شيء ولذا كان اسم الوارث عندهم يفيد السيادة والرئاسة وهو بلغهم (ايريس) وما أقرب هذا اللفظ من كلمة وارث العربية، مبحث لغوي وقانوني ويناقش القاضي الألفاظ ويذكر بالترابط بينهما:
ومنه أخذ الفرنج الناقلون عن الرومان لفظ (ايريتيه) أي الوارث. وبذلك صار الميراث عبارة عن وصية كالوصايا المستعملة في هذه الأزمان.
13 – ثم تغيرت أحكام ميراثهم بالكلية في عصر الإمبراطور غسطنيانوس بعد اطلاعه على أحكام الميراث عند الشرقيين. وصارت أحكام الميراث عندهم شبيهة بالأحكام المتبعة في هذه الأزمان. وكان صدور أوامره بإتباعها في سنة 543 و 547 ميلادية قبيل ظهور الإسلام ببضع سنين.
14 – وقاعدة التوريث التي سنها هذا الحاكم هي القرابة. فحصر الميراث في الفروع. ثم الأصول. ثم الإخوة الأشقاء ونسلهم. ثم الأخوات الشقيقات ونسلهن. ثم الإخوة من الأب ونسلهم. ثم الأخوات من الأب ونسلهن. ثم الإخوة لأم ونسلهم. ثم الأخوات لأم ونسلهم.
فإذا مات الميت وترك أولادا ذكورا أو إناثا قسمت التركة بينهم بالتساوي. ويدخل معهم أولاد أخيهم المتوفي في حياة الموروث يأخذون ما كان يأخذه أبوهم لو كان حيا بطريق الحلول.
قدماء المصريين
ويتحدث القاضي الباحث بعد هذا عن قانون الميراث عند المصريين
«اما تقسيم التركة عند قدماء المصريين فكان في غاية العدل ولا يوجد بين الأمم القديمة أمة عرفت معنى العدل وتبحرت في الفقه مثل قدماء المصريين كما تدل على ذلك آثار أحكام الأمم الغابرة. ولكن المصريين كغيرهم كانوا يهتمون اهتماما عظيما بشأن الأرشد لتشييد أركان العائلة بعد أبيه، إلا أنهم لم يميزوا الارشد بشيء من المال زيادة عن أخوته. وامتيازه كان في النفوذ والسلطة والقيام ببعض الواجبات والمحافظة على أموال إخوته وأخواته وتزويج البنات وغير ذلك مما يعد في الحقيقة تكليفا لا امتيازا.
ما يتميز به توزيع التركة
ولا فرق في الميراث بين البكري ولا بين الذكر والأنثى بل جميع الأولاد سواء في التقسيم. وإذا تصادف كون الارشد بنتا كانت لها الرئاسة كالذكر. ولهذا كان المصريون في عصر الفراعنة يعيشون شركاء في العائلة شركة مفاوضة مديرها ارشد الأولاد كما هي الحال في الوقت الحاضر مع اختلاف أحكام المواريث في هذه الأزمان عن تلك العصور. وقد دلت الآثار المصرية أيضا على توريث الزوجة والأم والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات. وعلى حلول أولاد الابن المتوفي قبل أبيه محل أبيهم في ميراث جدهم. وعلى غير ذلك من الأحكام العادلة. ودلت كذلك على أن حقوق الارشد كانت تخول له التداخل في تصرفات الوالد حال حياته حفظا لحقوق العائلة بعد مماته وحرصا على أموال أمة التي دخلت بها على أبيه.
العرب قبل الإسلام
(أحكام الميراث عند العرب قبل الإسلام) كان العرب في الجاهلية يتبعون أحكام الأمم السابقة في الميراث وغيره من المعاملات. ولذا كانوا لا يورثون البنات ولا الزوجات ولا الأمهات ولا غيرهن من النساء. وإنما يرث الميت أخوه الأكبر أو ابن عمه أو ولده الأكبر إذا كان بالغا لا بسبب القرابة بل بسبب القدرة على السعي وحفظ العائلة والذود عنها. لأن العرب كما لا يخفى أهل كر وفر وسلب ونهب ولا يقدر على هذه الأعمال إلا الذكور الكبار من الأولاد أو الأقارب.
وقد داموا على هذه الأحوال الألوف من الأجيال من عهد الطوران والكلدان والسريان والعبرانيين إلى ما بعد ظهور الإسلام فيهم بجملة سنوات. ولم ينتظم لهم أحكام مواريث إلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك فإنهم لا يزالون يحافظون على كثير من عوائد الميراث القديم إلى هذا الزمن. فلا يورثون البنات ولا الزوجات وغاية ما يعطونه لهن النفقة والتجهيز عند تزويج البنات. ومن العار عند العرب أن تطالب البنت بحقها الميراثي من أخيها أو عمها أو جدها. وهذا أمر لا يزال حاصلا في كثير من بلاد مصر.
أحكام الميراث في الشرع الإسلامي
الشرع الإسلامي خالف جميع الشرائع السابقة عليه من أحكام الميراث لأنه عين أقارب معلومين لابد من توريثهم في كل تركة متى وجدوا فإذا لم يوجدوا كان الميراث كله للأولاد من ذكور وإناث. فإذا لم يوجودوا ورثة أقاربه الآخرون كالإخوة والأعمام والأخوال والعمات والخالات وهكذا.
وقد خالف الشرع الإسلامي الشرع العبري في كونه جعل للنساء حظا في الميراث، كما خالف الشرع الروماني في كونه جعل نصيب الانثى نصف نصيب الذكر. وخالفه كذلك في كونه لم يجعل لأولاد الابن المتوفي قبل أبيه نصيبا مع أعمامهم في تركة جدهم. أما باقي قواعد الميراث في الشرع الإسلامي فتقرب كثيرا من شرائع الأمم الغربية كالفرنسيس وغيرهم ممن نقلوا عن الرومان أحكامهم.
هذا ملخص ما أردنا نقله من هذا الكتاب الذي وضعه صاحبه في مرحلة بدأ فيه الناس ينظرون إلى ما يجري في الغرب من تطور في مجالات القانون وغيره.
ولنا عودة لموضوع مناقشة بعض ما جاء في مقال الدكتور العروي وما أشار إليه من نقاش بينه وبين علال الفاسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.