مُتابعة : عبد الرحيم القاسمي لا يُخامرنا شكٌ في كون الجمهور المغربي يَملك حِساً وذوقاً كرويا من الطراز الرفيع قلَّ نظيره عربياً وإفريقياً ،فهو يبحثُ دائما عن المُتعة والتحْلية في المُستطيل الأَخضر ،يبحَث عن سِحر المُستديرة مهما كانت جنسيتها ؛بيد أن هذا الجمهور المتسَامحٌ للغاية تجاه منتخبه الوطني تجرَّع اليوم السبت كأساً مُرّا لا شك سيُنغِّص عليه حلاوة اللحظات التاريخية التي عاشها طيلة الأيام العشرة لكأس العالم للأندية والتي انتهت بانجاز رجاوي غيِر مسبوقٍ عربياً. فعلى أرضية ملعب " تاون ستاديوم" بكاب تاون (جنوب افريقيا) ،انكسر المنتخب الوطني للمحليين انكساراً قل مثيله في عالم المُستديرة في مشهد دراماتيكي بكَت له عيون - أطفال - ظلت مُحدقة في الشاشة طيلة 120 دقيقة تنتظر على أحر من الجمر تحقيق انتصار كان مُمكناً وفرّط فيه الناخب الوطني ونُخبته للآسف. الدقيقة 33 من الشوط الأول لاعب الرجاء البيضاوي محسن متولي يهزُّ شباك النيجيريين بهدف رائع ،أربع دقائق فقط بعد الهدف الأول جاء الهدف الثاني من ضربة خطأ ثابتة وهذه المرة المُسجل محسن ياجور ؛ هدفا "المحسنين" ألهبا جمهور المقاهي فتعالت الأصوات الممزوجة بالأهازيج والتصفيقات في مشهد أقل ما يمكن القول عنه أنه "احتفالي" . الدقيقة الأربعون من الشوط الأول يعود محسن متولي ويهز الشباك بهدف ثالث في مرمى الخصم الذي لم يستسغ مدربه ولاعبيه ما حصل لهم ،وبهذه النتيجة العريضة التي لم تكن مُنتظرة بالنظر لقيمة وحجم الخصم النيجيري ؛بدأ اليقين بالفوز يتسلل لقلوب الصغار والشباب وبعضُ الشيوخ على حد السواء. نهاية الشوط الأول شكلت فرصة سانحة لبعض الحضور للتحرك خارج فضاء المقهى ،فئة أخرى فضلت الإستمرار في مُتابعة الأستوديو التحليلي ،أما آخرون فتحولوا الى محللين للمباراة تبادلوا أطراف النقاش فيما بينهم متفائلين بالنتيجة المحققة ،وحسبنا ان أحداً منهم ذهب بعيداً بأن توقع تسجيل هدف رابع للمغرب مع مطلع الشوط الثاني. أربعة دقائق على إنطلاق الشوط الثاني اللاعب أوغونا أوزوشوكوو (الدقيقة 49) يهز شباك نادر المياغري ومعها قلوب المُتتبّعين للمباراة ،هدوء تام عمَّ الفضاء كما لو أن الخلق غادر المكان ،لتصل الى مسامعنا بعض الكلمات من رجل كهل رأسه امتلأ شيبا يردد "ياربي احفظ" وكذا "ياربي استر". الدقيقة 55 علي ريبوي يسجل الهدف الثاني للنيجيريين أمام ذهول واستغراب الجميع ،لتتعالى صيحات الشجب والسب أحياناً ويبرز الى السطح بعض التشنج الذي دفع بالبعض لمغادرة المقهى مكرراً عبارات من قبيل "وكلنا عليكوم الله" "والله لاطفرتوها يا ولاد ...".بيد أن الضربة القاضية الموجعة التي أبقت على القليل من المُتفرجين في المقهى هو هدف التعادل الذي سجله اللاعب ايجيكي في الدقيقة 90 ؛ومع هذا الهدف انقلب اليقين بالفوز الى يقين بخسران مؤلم وهو ما تأكد مع الدقيقة 120 وإعلان صافرة النهاية انتصار النسور النيجيرية ذات الروح القتالية العالية بأربعة أهداف مقابل ثلاثة لأسود الأطلس الجريحة. والحق يقال أن مسألة تحديد المسؤول عن انكسار اليوم والأمس ومُحاسبته يكتسي أهمية بالغة إذا رُمنا إقامة موقع قدم لنا على خريطة الأقوياء ،فالحساب الذي نتوخاه كفيل بإحداث نهضة رياضية وهو مخالف تماما للحساب الإنتهازي الذي لا يمكن أن يكون له رصيد في الواقع في نهاية المطاف ،وهو لابد وأن يفيق على حالة يكتشف فيها بعد فوات الآوان عجزه ،تماماً ككسب المناورة والمُخاتلة حتى وإن بدا أنه يُقيم جبالا عالية من الأرصدة في هذا المضمار،فإنه بالتأكيد سوف ينهار وبسرعة مذهلة كانكسار اليوم.