بقلم : الضميري ياسين في فرنسا يقدر عددهم بمليون و خمسة عشر ألف نسمة أما في اسبانيا فيفوق العدد 736 ألف ، بايطاليا عددهم يتجاوز 587 ألف أما ببلجيكا فيوجد منهم نحو 298 ألف ، في ألمانيا أكثر من 100 ألف أما بدول أروبا الشرقية و الشمالية و كندا فيقارب عددهم الثمانين ألفا ، في دول المشرق و الخليج أكثر من 160 ألف أما بأمريكا و الدول المجاورة فيناهز عددهم الخمسين ألفا، في افريقا و دول جنوب الصحراء فحسب اخر الاحصاءات عددهم تعدى العشرين ألفا... هؤلاء هم فلذات أكبادنا الذين تم نفيهم قصرا أو طوعا خارج حدود الوطن بحثا عن فسحة عيش أفضل ، هؤلاء هم أبناؤنا وأحبابنا الذين يتعبون و يشقون ليلا نهارا ، سرا و جهارا، ليجلبوا لنا العملة الصعبة التي نعيل اقتصادنا على عوائل الزمن ومعها سيارات محملة عن بكرة ابيها بعرق جبينهم ، اشتاقوا لنظرة الاب و لحنين الأم ، لغبار الوطن و ضجيج شوارعه، اشتاقوا لرائحة خبز الدار و المسمن و الحريرة و السمن و الرفيسة ، اشتاقوا للجماعة و اللمة مع الأحباب، اشتاقوا لنا بكل بساطة لأنهم بسببنا هاجروا هناك حيث ضاقوا درعا ببرودة الغربة مناخا و أحاسيسا... اينما وليت وجهك عبر العالم هناك مغاربة يقتسمون معك هواء المكان ، رجال و نساء تجمعهم "تامغرابيت" التي تسري في شرايينهم و أوردتهم ، هاجروا لسبب من الاسباب فصنعوا لأنفسهم جميعا اسما في بلد المهجر في المجالات التي اختاروا الاشتغال بها ، يعدون جميعا مفخرة المغرب و المغاربة...
في حلقة اليوم من "مغاربة صنعوا الحدث" نقربكم من الشاب نور الدين هليل ، ففي جبال أفورار النائية قرابة مدينة أزيلال رأى النور ذات خريف من سنة 1984 ، انطلقت حياته بصرخة في احدى مستوصفات القرية المهجورة وسط جبال الأطلس ليصبح فيما بعد اسما لامعا في عالم التدريب بالكالشيو الايطالي ، طفولته لم تكن كغيره من الأقران حيث عاش طفولة عادية مفتقرة للأساسيات فما بالك الكماليات ، اشتغل رغم سنه الصغيرة في عديد المجالات و داعب الكرة و مارس أبجدياتها ضمن فريق المنطقة بالقسم الشرفي، طموحه الجارف و احتكاكه بشباب المنطقة التي تقتات من عائدات أبنائها المهاجرين عوامل جعلته يفكر في ركوب قوارب الموت غير ما مرة للعبور نحو الضفة الأخرى... أفورار، القرية التي تعيش الاهمال و التهميش ما ان تطأها قدماك حتى تقف عند حقيقة مرة تتجلى في أن أغلب قاطنيها من النساء لسبب بسيط هو أن معظم رجالها و شبابها هاجروا لبلدان المهجر و خاصة ايطاليا ، ليست أفورار وحدها و انما جل مناطق أزيلال و الفقيه بن صالح و بني ملال و خريبكة ... هاجر نور الدين الى ايطاليا و بالضبط الى ضواحي ميلانو ، هناك لاقى صعوبات جمة فيما يتعلق باللغة و الاندماج ، لكن لأنه مغربي يعشق التحدي ولأن مسار الالف ميل يتطلب التضحيات فقد جد و اجتهد و عانى و قاسى و تحدى كل الصعوبات و المطبات ليصل لهدفه الذي ترك من أجله الوطن و الأب و الأم و كل شيء ، جرب الشاب عديد الحرف لعله يلفى لنفسه فضاء أرحب للعيش يوفر من خلاله ما تيسر ليعين به الأهل هناك في المغرب ، ولأن ولعه و عشقه بالساحرة المستديرة لم ينقطع أو يتوقف له نبض اختار أن يجرب اللعب لاحدى أندية الهواة بايطاليا ، استطاع أن يبصم لنفسه على مسار مميز في بطولة الهواة الايطالية ففاز بلقب الهداف و بلقب افضل لاعب في احدى المواسم هناك ، لكن طموح الرجل كان أكبر من مجرد عقد هاوي لا يسمن ولا يغني من جوع فاختار مهنة التدريب محتكما لعلاقاته التي كونها طيلة مساره كلاعب هاو بايطاليا... سنة 2007 كانت اولى بدايات نورالدين في عالم التدريب ، حيث اشرف على مساعدة مدرب فئة الصغار بنادي مورتارا كالشيو، و تلقى موازاة مع ذلك مجموعة من التداريب و التكوينات ليصبح فيما بعد مدرب لفئة الصغار فالفتيان ثم الشبان بالفريق الى أن حصل على رخصة التدريب الاحترافي من الجامعة الايطالية كأول مدرب مغربي بالكالشيو معترف به ليصبح مدربا فيما بعد لنادي شيزينا بالدرجة الثانية فواحدا من الطاقم التقني لنادي اس ميلان حيث تم تعيينه بعقد احترافي كمكتشف و منقب عن المواهب بالنادي... وصوله لدكة بدلاء اس ميلان ليست سوى مجرد بداية لطموحات شاب مغربي لا يؤمن سوى بلغة التحديات ، في حديثه لنا عن مدى رغبته في العودة للوطن و تدريب احدى الأندية المغربية أخبرنا أن حلمه الذي طالما راوده هو أن ينقل تجربته ذات يوم لاحدى الفرق بالوطن الذي أنجبه ، لكن لا أحد اتصل به لحد الان و هو ما دفعه الى تجديد عقده الاحترافي بالكالشيو للسنة الخامسة على التوالي رغم تلقيه عروضا مغرية من أندية سويسرية و رومانية... وعن مدى تتبعه للبطولة المغربية و أخبارها أفادنا نور الدين أنه متابع دائم لكل أخبار المغرب و ليست الرياضية فقط ، فانتماؤه للوطن أكبر و اسمى من كل شيء ، تربط الرجل علاقة صداقة متينة بمجموعة من المدربين المغاربة الشباب و يبقى ابرزهم الحسين أوشلا ، وفي معرض سؤاله عن التدريب بايطاليا أفاد أن هناك فرق كبير بين تدريب لاعبين محترفين و بين التدريب في بطولة يقال أنها احترافية لكنها تظل هاوية المحتوى خاصة في شقها التسييري و الذي اعتبره بمثابة النقطة السوداء في سماء الكرة المغربية في ظل افتقاد البطولة المغربية لمسيرين شباب محترفين... نور الدين ، الشاب المغربي الذي لم ينجح دراسيا لكنه لم يستسلم للفشل ، قاوم و كافح فوصل للعلا من بوابة التدريب، هو نموذج من نماذج عدة لشباب مغاربة اختاروا بلدان الغير ليفجروا مكنوناتهم و ملكاتهم الابداعية فتميزوا ، صنعوا لأنفسهم و ذواتهم مكانة في بلدان لا تعترف سوى بلغة التميز و الكفاءات فاستحقوا منا وقفة اجلال و تقدير و احترام، مغاربة في كل مكان يرفعون راية الوطن خفاقة بكل حب و سخاء فبالتوفيق لهم جميعا. عدد الاسبوع من "مغاربة صنعوا الحدث" انتهت ، موعدنا يتجدد الأسبوع المقبل مع شخصية جديدة في نفس الموقع فتابعونا ولا تبخلوا علينا بارائكم.