في خضم التحولات الجذرية سواء السياسية أو الإجتماعية التي عرفتها الدول العربية بدءا من تونس و مرورا بمصر ,انتقلت عدوى هذه الثورات العربية إلى بلدنا المغرب عبر ميلاد حركة 20 فبراير و خروجها إلى أرض الواقع بعدما كانت حبيسة مواقع التواصل الإجتماعي,و قد جاء بزوغ هذه الحركة لمجموعة من العوامل التي اختلفت من مواطن لأخر كل حسب قناعاته و تصوراته للشأن الوطني,فهناك من يرى أن هذه الحركة جاءت فقط لبعثرة أوراق الدولة و خلق البلبلة و محاولة تقليد الحركات العربية الأخرى في كل من تونس و مصر,أما الطرف الثاني فيعتقد أن الحركة عرفت النور من أجل محاربة الفساد بجميع أشكاله و المضي قدما في بناء الصرح الديمقراطي لهذا البلد. و بعد مسيرات تاريخية غزت مختلف أنحاء البلاد و عرفت تجاوبا مسبوقا من المواطنين باختلاف مستواهم الثقافي و طبقتهم الإجتماعية يوم 20 فبراير و التي شهدت رفع مطالب متعددة من بينها نهج الملكية الرلمانية و حل البرلمان و إسقاط الحكومة,جاء الخطاب الملكي للتاسع من مارس لكي يكسر جدار الصمت الذي اختبئت وراءه الجهات المسؤولة و يستجيب لقسط مهم من هذه المطالب و ذلك بإعلان مشروع جديد يتمثل في الجهوية الموسعة لخلق التوازن بين مختلف جهات المملكة و إقرار صياغة دستور جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة و احتياجات المواطن المغربي,فبعد هذا الخطاب الملكي الذي وصف بالتاريخي لأنه حمل معه مجموعة من البشائر للمواطن المغربي ,أصبح الكل يرى بأن حركة 20 فبراير ستصفق لهذا الخطاب و ستشجع هذه المبادرة الملكية التي هدفت إلى بناء مغرب جديد و حداثي,بيد أن كل هذه التوقعات ذهبت في مهب الريح لتعبر هذه الحركة عن سخطها تجاه الخطاب الملكي بدعوى أنه لم يأتي بجديد و لم يلبي جميع المطالب التي نادت بها الحركة في مسيراتها.
فلهذا أرى بأن عدم اقتناع حركة 20 فبراير بالخطاب الملكي هي النقطة التي أفاضت الكأس و التي أفقدتها إلى حد كبير مصداقيتها و نبل مطالبها و تطلعاتها,لأن الأهداف المكونة لهذه الحركات تفرض عليها التعبير عن رضاها تجاه خطاب سامي جاء بمتغيرات من شأنها أن تقضي على كل الهالات السوداء التي تلتصق بنا,أن تسلك بنا نحو المسار الديمقراطي و تقطع صلتنا بالبيروقراطية و الزبونية و المحسوبية, فمن المستحيل بمكان أن نصبح في مصاف الدول المتقدمة بين ليلة و ضحاها لكن بإمكاننا ذلك عبر تشجيع المبادرات الملكية التي تبني الصرح الديمقراطي لبنة بلبنة,فلا يمكن للتغيير أن يأتي دفعة واحدة لكنه يتطلب مجموعة من الضوابط من أهمها الصبر و الثقة في المسؤول الأول عن هذا البلد و راعيه الملك محمد السادس.
فما من شخص يمكنه أن ينفي أن هذه الحركة استطاعت أن تقنع شريحة مهمة من الشعب المغربي بذاتها كجهة تهدف إلى إسقاط الفساد و محاربته,لكن بعد توالي المسيرات التي يمكن تسميتها بالعبثية و غير القانونية و التي لا تنظر بعين الإعتبار لمجموعةمن الأطراف كالتجار و السكان,و الإتضاح للعيان أن هذه الحركة لم تعد تعبر عن قناعات الشعب المغربي و إنما تخدم أجندات خاصة لمجموعة من الأطراف كجماعة العدل و الإحسان المحظورة و حزب النهج الديمقراطي,فبكل بساطة يمكن القول أن هذه الأطراف استغلت شعبية الحركة و ركبت عليها لخدمة مصالحها الخاصة,مما يثير مجموعة من الأسئلة حول مشروعية حركة 20 فبراير,فكيف يمكن القول أن هذه الحركة هي شعبية و مستقلة و هي تدبر من طرف جهات محضورة لأسباب معروفة؟لماذا لم تقتنع هذه الحركة بالإستجابة التي أولاها الملك محمد السادس لمطالبهم و تتطلع إلى المزيد أو بالأحرى المستحيل؟لماذا تنقب هذه الحركة عن نقاط الضعف لتجعل منها مشاكل عويصة و تشهرها كأنها جرائم نكراء في حق المغاربة؟
فتغير لغة الدولة في التعامل مع احتجاجات الحركة لم يأتي صدفة بل لمجموعة من الأسباب بحيث أن هذه الأخيرة انتقلت بالتظاهر من الشوارع الرئيسية للمدن إلى الأحياء الصفيحية و الهامشية و ذلك بغية تعبئة أكبر ممكن من المواطنين و ذلك باستغلال ظروفهم القاسية و بهدف خلق الفتنة و البلبلة و وضع الأمن في وضع محرج يعبر عن التحدي و عن اللأمن و اللااستقرار,و لهذا فمن الطبيعي أن نرى هذا الرد العنيف تجاه هذه المظاهرات.
و أخيرا أعتبر أن الوضعية التي آلت إليها حركة 20 فبراير من انبطاح و عدم إستقرار كان متوقعا بالنظر إلى ردود فعل هذه الحركة تجاه المتغيرات التي تطرأ على بلادنا,و لهذا فالكل شاهد كيف أن مجموعة من الأطراف عبرت عن سخطها تجاه الحركة من قبيل التجار و المجموعات الفايسبوكية التي طالبت الحركة إلى عدم التحدث بإسم الشعب المغربي بالإضافة إلى إجراء عدد من المسيرات المنددة بالحركة, فأعتبر أن إذا كانت لهذه الحركة إرادة قوية في التغيير فعليها بكل بساطة أن تنهج سياسة الصبر لأن التغيير لا يأتي دفعة واحدة بل يتطلب مدة زمنية معقولة,و عليها أيضا أن تتبرأ من الأطراف المحظورة التي تقف وراءها و تتبرأ منها لتبرهن للشعب المغربي أنها ولدت من رحم الغيرة على هذا البلد و للتعبير عن مطالب شعبه,بالإضافة إلى تخليها عن تلك الأساليب المبية و غير المشروعة لتعبئة أكبر عدد من المواطنين و التي بلا شك منبثقة من الجهات المحظورة الداعمة لها و التي لا تعترف إلا بالمسلك الميكيافيلي. rafikayoub.blogspot.com [email protected]