شدني بقوة احد التعليقات الواردة على مقالي السابق " اه يا زمن " ,حيث ترك صاحبه الموضوع جانبا و اثار نقطة غاية في السذاجة و لكنه دون ان يدري سلط الضوء على موضوع في غاية الحساسية و الأهمية,فقد علق على وصفي لنفسي بالأستاذ باني لست " سوى معلما " و شتان بين الإثنان حسب تعبيره ,ظانا اني اخجل او استحي من التصريح بانتمائي لفئة تعد نخبة النخبة في كل البلدان المتقدمة التي ادركت تمام الإدراك اهمية التعليم و رجاله و نسائه في النهوض بالبلاد ثقافيا و اجتماعيا و بالتالي اقتصاديا . حكم قاصر بكل المقاييس يشترك فيه مع فئة عريضة من مجتمعنا المثقل يالجهل و تبعات الأمية , و نظرة دونية تم تكريسها حتى اضحى معها رجل التعليم مثارا للسخرية و مادة خصبة للتنكيت ,نظرة لم تتسرب حديثا بل ان جذورها تمتد لعقود من الزمن و تحديدا الى فترة السبعينات و الثمانينات حين كان رجل التعليم يتربع على عرش الهرم المجتمعي ماديا و فكريا ,و كان و راء اندلاع كل الإحتجاجات الشعبية والمتسبب في حراك مجتمعي مستمر قض مضجع السلطة و دوائر القرار ,متسلحا بعلمه و اخلاقه و مصداقيته و وضعه داخل مجتمع يحترمه و يقدسه ويكاد يضعه في مصاف الأنبياء. و هذا ما حدا بالسلطات المخزنية التي اختارت المقاربة الأمنية "البصرية" لتكميم الأفواه الى محاولة تقزيم المعلم بوصفه المحرك الأساسي للوعي داخل المجتمع ,و اختارت سياسة "جوع كلبك يتبعك" لتضغط عليه ماديا و اجتماعيا , فجمدت بالتالي راتبه لسنوات طوال في ظل ارتفاع تكاليف الحياة و متطلباتها لتزيحه من قمة الهرم الى اسفله ,و هكذا ظل يتخبط في مشاكل مادية دفعته لتغيير نمط عيشه حتى يساير الوضع الجديد و نسجت بالتالي حوله قصص خيالية و نكت تحقيرية تم تداولها عمدا حتى صار مضرب مثل في البخل و التقشف اللذان فرضا عليه فرضا . و اليوم و بعد مرور عقود على هذه المؤامرة الدنيئة التي حيكت خيوطها باحكام نرى ان اثارها مازالت واضحة للعيان و تتجلى بشكل سافر في مثل هذه العقليات الساذجة التي تحاول تكرييس هذه النظرة التحقيرية متجاهلة دور رجل التعليم و تضحياته غاضة الطرف عن الإحصائيات الرسمية التي تقر ان اعلى نسبة للشواهد العليا المحصلة من طرف الموظفين هي للمعلمين الذين تحدوا كل المعيقات و الحواجز التي وضعتها الوزارة لمتابعة دراستهم و تحسين مستواهم المعرفي بالموازاة مع تاديتهم لرسالتهم السامية المتجسدة في اعداد نشء واع ,منفتح و مواطن ,قادر على التمييز بين الخطا و الصواب و غير منساق مع القطيع كصاحب التعليق الذي اتوجه اليه و من خلاله الى مروجي هذه الأفكار وورثة العهد البائد: نحن فخورون بمهنتنا ,فخورون برسالتنا و سنتحدى كل شيء في سبيل مجتمعنا.