يقترح كتاب " الرباط..ñقدر مدينة ونزوات نهر" للفرنسي روبير شاستيل جولة عاشقة في ثنايا ذاكرة العاصمة ونفائسها الحضارية والعمرانية منذ أقدم العصور الى حاضرها المفتوح على المستقبل. بالنص التاريخي، كما بالصورة المعبرة، يستعيد شاستيل الطبيب الفرنسي قصة المدينة التي لذ له المقام بها منذ سنة 1966، ممارسا مهنته النبيلة، قبل أن يستسلم لغواية المكان ويصبح واحدا من أعلامها الأوفياء، مستثمرا شغفه بالتاريخ والتصوير الفوتوغرافي. تسعة فصول، في 360 صفحة من القطع الكبير، تكشف أسرار الرباط والتطورات الحاسمة التي كان نهر أبي رقراق شاهدا عليها، بأسلوب يجمع بين المعرفة التاريخية المبسطة والشاعرية الوصفية التي توجت المدينة تحفة عمرانية وسيرة خالدة لعبقرية الانسان في صنع المكان، ضمن فسيفساء الحضارة المغربية التليدة. يقتفي روبير شاستيل آثار العصر القديم الى حين سقوط الإمبراطورية الرومانية، موثقا عبور الفينيقيين والرومان، قبل أن تستقبل الرباط العصر الإسلامي، وتعاقب دول الموحدين والمرينيين والسعديين. يتوقف عند مرحلة القرصنة البحرية والبعد الأندلسي للرباط بعد نهاية الوجود الإسلامي في الأندلس، ليصل الى عهد الدولة العلوية. وفي هذا الإطار، يستعرض المؤلف الأحداث الكبرى التي عرفتها المدينة في عهود المولى عبد الله بن اسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله ومولاي اليزيد ومولاي سليمان وصولا الى المولى يوسف. ومن المولى يوسف حتى اليوم (1912-2013)، يوثق شاستيل ذاكرة قرن من التوسع الحضري والعمراني، هي بالضبط عمرها كعاصمة تخلد مائويتها. يحتفي الكتاب، الذي حمل غلافه صورة مسائية لنهر أبي رقراق وانتقال المراكب التقليدية بين ضفتيه، بفضاءات العاصمة من قبيل قصبة الأوداية وسوق الغزل ومقبرة وشارع العلو وشارع القناصل والسويقة وسيدي فاتح وشارع الجزا ، فضلا عن أولياء الرباط وأبوابها التاريخية، حيث يطلق روبير شاستيل العنان لحسه البصري الفني مناجيا فعل الزمن في آثار الحاضرة. هكذا، تكتشف أجيال الرباطيينالجديدة ذاكرة سحيقة لأمكنة يرتادونها في إطار "اليومي" و "العادي" دون أن يلتفتوا بالضرورة إلى غنى ماضيها، القريب أو البعيد. قدم والي جهة الرباطسلا زمور زعير ، حسن العمراني، هذا المؤلف "المتميز والمبسط"، الذي يجمع بين الإفادة العلمية والمتعة البصرية، معتبرا أنه " يتيح للمواقع التاريخية الكبرى أن تعيد قراءة ذاكرتها" ويكتب من جديد تاريخ الوجود المتجذر للمدينة في "العصر القديم المتوسطي" من خلال تعاقب الفينيقيين والرومان. وذكر العمراني بالسياق الهام لصدور الكتاب ، الذي يزخر ب 600 صورة ذات قيمة تاريخية فريدة، تزامنا مع تخليد مائوية الرباط كعاصمة للمملكة من جهة واعتمادها من قبل اليونيسكو في قائمة التراث العالمي، من جهة ثانية. وسبق لروبير شاستيل أن خصص عدة مؤلفات لتاريخ الرباط من بينها " الرباط - سلا..عشرون قرنا من أبي رقراق" (1993) و"تاريخ ماء..الرباط ، سلا وأبي رقراق" (2007).