بمرور أيام وليالي تتغير أشياء كثيرة، وهذا من سنن الله التي لا يحيد عنها شيء وإنما الكل لها مجيب، فإن أبى القبول لذاك طوعا انخرط كرها، قد تتكرر أشياء فلا نشعر بالتغيير الذي تحمله ونعتبرها نسخة مطابقة لما مر وفات، إلا أن الحقيقة أن بين ما تشابه علينا خلاف كبير عميق، وإن أردتم أن تلتمسوا نورا لهذا المعنى فتأملوا في ركعات صلواتكم من الصلاة الواحدة، فالأولى والثانية لكل منها مذاق وحلاوة وإن حضرت نفس الكلمات والدعوات، وتكررت الفاتحة في كل الركعات، إلا أن لكل منها طاقة، تجعلك في منزلة ومقام، لا تعلم بعض حقيقتها إلا روح انصهرت في مشروعها مطيعة راغبة قاصدة. كان هذا أنموذج لعله يوضح المعنى ويقرب الأفهام إلى القلوب والعقول، وإلا فإن من نظر وبصر لوجد أن كل ما فيه وما حوله دال على التغيير والتحول والانتقال رغم التشابه بين ما كان وما هو كائن وما سيكون! وما عيد الأضحى عن ذلك المعنى بمنفرد وشاذ، وإن كان حلوله في كل عاشر من شهر تعد أيام فيه خير الأيام يقال فيها ويفعل ما قد يبدو تكرار ، وهي عن هذا المعنى أبعد لغيره أقرب ... ومن جادل في هذا التقرير فليتذكر ما بيناه في الصلاة، فإن بقي في نفسه شيء من شك وريب فلينتبه إلى قراءة الكتاب وختمه وإعادته مرات عديدة، هل هو من باب الإضافة والاستنارة في كل مرة، أم تكرار وإعادة، وإنما الإفادة حصلت مرة ! العيد في حقيقته تجديد لا تقليد وجمود، ورقي لا خمول، وسير لا وقوف، هو من محطات التربية والدعوة والإصلاح، يأتي كل عام ليضع لبنة تزكو بها النفس لتنخرط في بناء الجماعة معبرة عن مفهوم الجسدية للأمة، ويأتي تتويجا لتحقيق شطر من هذا المعنى، باجتماع أفراد الأمة بعرفة وقد تركوا الملذات ورفعوا شعار التلبية للواحد المنان، وانسجاما مع هذا المعنى حضرت صلاة العيد في مكان جامع يفوق المسجد في هذا الغرض ليتسرب إلى الوجدان معاني عديدة منها ذاك ومنها معنى عميق ذكره بن الجوزي في كتاب سماه بصيد الخاطر، لما شبه يوم العيد وحال الناس فيه بيوم القيامة ، فإنهم لما انتهوا من نومهم خرجوا إلى عيدهم كخروج الموتى من قبورهم إلى حشرهم، فمنهم من زينته الغاية ومركبه النهاية، ومنهم المتوسط ، ومنهم المرذول، وعلى هذا أحوال الناس يوم القيامة، قال تعالى: '' يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا'' العيد في حقيقته تتويج وانتصار، وهذا معنى لا يحتاج لطول تفكر وعميق تدبر ونظر، عيد الفطر جاء فرحا بصيام شهر رمضان، وعيد الاضحى تتويجا لعشر سبق وبينا أنها خير الأيام، فمن حضر وشهد الشهر والأيام حق له الجائزة يوم العيد، وهو ممن زينته الغاية ومركبه النهاية، فليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب. عيد يأتي ومن كان أمينا وأخذ له من ذلك إسما ومن الصفاء والبياض مقرا، خان الوعد وتخلف، ومن زينه الله بلباس التقوى استبدله بما هو أدنى فرضي باللعنة من أجل متعة ولذة زائلة فانية، ومن اتصف بالرقي والأدب والجمال ظهر منه ما تأبى حتى العبيد احتماله، عيد قبل حلوله بأيام يشاد فيه بمن أسهم في تخريب البلاد والعباد، ويلام وقد يسجن بعيدا عن الأنظار من رفع شعار لا تبعية إلا لأبناء الدار. عيد يأتي ومن افترق أيام قد اجتمع، وحصلت السكينة والرحمة فرجائي أن تعمر وتدوم، ومن أخذ له اسما وصفه ربي في الفرقان بالصديق، قد استقر في بلاد السبعة، فدعائي أن يكون ابن يوسف، الثامن فتزهر المدينة من جديد وتتخلص به من شوائب الفساد وتعود الحمراء لأصالتها فهي مدينة الرجال !... إنه حقا عيد لا كالأعياد.