"على إثر المجزرة الرهيبة التي استيقظ العالم على مأساتها الأليمة والمفجعة في رابعة العدوية بمصر، صبيحة السبت 27/07/2013 تقدم مجموعة من المفكرين الحكماء والسياسيين العقلاء (سليم العوى، طارق البشري، محمد عمارة، سيف الدين عبد الفتاح، نادية مصطفى، فهمي هويدي...) بمبادرة للخروج من المحنة والأزمة، تقضي برفض ما أسموه الانقلاب العسكري، وعودة الرئيس الشرعي محمد مرسي ليفوض رئيس وزراء توافقي بصلاحياته حتى تجرى انتخابات نيابية ثم رئاسية جديدة. وتضمنت المبادرة -التي جاءت تحت عنوان "المسار الديمقراطي في مواجهة الانقلاب العسكري"- عدة بنود تلاها المرشح الرئاسي السابق محمد سليم العوا وهي: أنه استنادا للمادتين 141 و142 من دستور 2012 يفوض رئيس الجمهورية رئيس وزراء توافقي بصلاحيات كاملة، ثم تدعو الوزارة المؤقتة إلى انتخابات مجلس النواب خلال ستين يوما.
وبعد ذلك -بحسب المبادرة- يشكل مجلس النواب الحكومة الدائمة، ثم تتم الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة وفقا للدستور، وبعدها البدء بإجراءات تعديل الدستور. إنها صوت العقل في متاهات الحمق والجنون، وصرخة الحكمة في أودية المؤامرة والسفاهة والنذالة والحقارة، وصرخة الضمير في أوساط الصمم والبكم والعماية، (فَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ). أعتقد جازما مستيقنا أن هذه المبادرة وغيرها ستبقى في سياق جهالة وعناد ومكابرة الدوائر الانقلابية المختلفة وإصرارها على المضي في المخطط الانقلابي والخيار العنفي الدموي حلما جميلا بعيد المنال لن يقربه، ولن يحققه على أرضية الواقع إلا صمود وصبر وإصرار الشعب المصري المستضعف على مقاومة الانقلابيين سلميا في ساحات وميادين المقاومة الشعبية المتعددة والمختلفة، وستربوا دماء السلميين الشهداء ليجعل الله منها بحرا ينفلق افراقا، كل فرق كالطود العظيم يغرق السيسي، ويزلف من معه من الملإ أجمعين في بحر الدم المصري السلمي الغاضب الرافض للإذلال والاستعباد. إن العصابة الانقلابية الفرعونية بهذه المجزرة وغيرها مما قد يتلوها يريدون أن يبطشوا بطشتهم الكبرى لإرعاب الشعب وإرهابه ليتقبل الأمر الواقع ويعود إلى حياته الاسترقاقية المهينة الذليلة، وليحطموا إرادة الشعوب العربية ويجهزوا على أحلامها في الحرية، وليدخلوا المنطقة بكاملها في عصر الاستعباد الأمريكي الصهيوني. قوانين التاريخ وحقائقه، القديمة والحديثة، تؤكد بلا ريب ولاشك ولا استثناء، أن واقع القهر والظلم والاستضعاف والاستعباد مهما تمكن وطال زمنه عارض في حياة الأمم والشعوب ترفعه الإرادة والفطرة الإنسانية التي تتأبى وتستعصي على الخضوع والخنوع. هذه الإرادة والفطرة الإنسانية النابذة للاستعباد والاستضعاف، التواقة للحرية والانعتاق، تتحقق كسبا في إطار الإرادة الإلهية قدرا، يقول الله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ). منذ أوائل التاريخ والتدافع بين الإرادتين والصراع بين القبيلين قائم، والنهايات بادية ظاهرة، نقرأ في القرآن الكريم: (أمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين، وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ، وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). ونقرأ أيضا: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ، وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
وفي الحديث الذي رواه البيهقي وغيره عن أبي ابن كعب قال: لما قدم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب حتى كان المسلمون لا يبيتون إلا في السلاح، ولا يصحون إلا فيه، فقالوا: تُرى نعيش حتى نبيت مطمئنين، لا نخاف إلا الله عز وجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
الخيار واضح والطريق لاحب، والتكلفة باهظة ثقيلة، والعاقبة للمتقين، ولا أرى القوم الانقلابيين وملأ النظام البائد الذي أعادوه إلى الخدمة من جديد إلا مستميتين مصرين على المسير الدموي لأن خيار العودة إلى الشرعية أو الإبقاء على الحالة الانقلابية من حيث العواقب القضائية والجنائية سواء بالنسبة إليهم ، ولا أرى في المقابل للشعب الثائر على مغتصبي السلطة الشرعية إلا الصبر والمقاومة حتى النصر، وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا. تلك كلمتنا السابقة ، وهذه كلمتنا الآنية، وهي كلمتنا اللاحقة، إلا أن يحدث الله أمرا.... ولكل حال مقال.