برنامجا استطلاعيا أنجزته القناة الفضائية "العربية" بثته يوم الثلاثاء 16/07/2013، وهو متعلق بالمشهد السياسي بالمغرب بعد انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية الحكومية، حيث تمحور السؤال حول حزب العدالة والتنمية، لكن الشيء الذي يفاجئ في الأجوبة، هو أن مصداقية هذا الحزب تراجعت، إذ قال بعض المستجوبين "أن حزب العدالة والتنمية قد تراجعت مصداقيته"، بمعنى إن دل هذا الجواب على شيء، فإنما يدل على أن مصداقية هذا الحزب قد تراجعت بشكل رهيب، وهذا التراجع ليس سببه العفاريت والتماسيح أو المشوشون كما يرددها السيد رئيس الحكومة في حواراته داخل قبة البرلمان، وإنما السبب في هذا التراجع مرده بالأساس إلى أسلوب الخطاب والوعود التي لم ينفذ منها شيء يذكر، بل حتى مضامين الدستور لم تنزل، وقد مرت على هذه الحكومة حوالي 19 شهرا، غير أنها وضعت بصمة مسجلة تختزل في عفا الله عما سلف، والزيادة في أثمان المحروقات التي ولعت أثمان المواد الاستهلاكية بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن الذين لا دخل لهم. وقد يزداد هذا التراجع بعد تقديم السيد والي بنك المغرب إلى جلالة الملك، التقرير السنوي لبنك المغرب حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية لسنة 2012، وهي السنة التي تحمل فيها حزب العدالة والتنمية مسؤولية الأغلبية الحكومية أي تسيير الشأن العام المغربي والذي يعتقد أن هذه الحكومة عجزت عن القيام بالإصلاحات المركزية التي جاءت في البرنامج الحكومي الذي قدمه السيد رئيس الحكومة أمام ممثلي الأمة، ويتلخص في تحسين مستوى عيش المواطنين، والقضاء على البطالة أو تقليصها إلى الأدنى، القضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين وأساسا الذين تم التحقيق معهم من رؤساء جماعات ومستشارين جماعيين وكل من خولت له نفسه الإخلال بمسؤوليته الوظيفية حيال المال العام، ثم إصلاح العدالة وتحديث الإدارة وتسهيل المساطر الإدارية، إنها وعود ظلت حبرا على ورق. ومما أدى إلى عجز هذه الحكومة كونها غير منسجمة في تكوينها وإيديولوجياتها، حيث ظلت خلال هذه الحقبة من عمرها، تتبادل التهم فيما بين أعضائها، المشكلة من أحزاب كل له مرجعيته ونظريته، حيث حزب العدالة والتنمية له مرجعية إسلامية وهذه المرجعية أبانت عن فشلها في الدول التي مسها ما يسمى بالربيع العربي، وخير مثال "مصر" التي قضى أصحاب المرجعية الإسلامية حوالي 85 سنة في ممارسة كل أشكال العنف والإرهاب والقتل من أجل الوصول إلى سدة الحكم إلا أنهم فشلوا في السنة الأولى ووجدوا أنفسهم في السجون، ويقول المثل "اللي بغاها كلها كيخليها كلها"، ومن هذا المنطلق يمكن القول، إن أصحاب المرجعيات الإسلامية أو من يدعون "الإخوان"، ينحسب عليهم ما أنحسب على أصحاب المرجعيات الاشتراكية الذين فشلوا فشلا ذريعا أمام اللبرالية المتمدنة، وفي هذا السياق هناك حزب الحركة الشعبية الذي هو المكون الثاني الأساسي لهذه الحكومة بعد انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية الحكومية وهو تصرف يمكن اعتباره تصرفا مناوراتيا ذكيا. وبالعودة إلى حزب الحركة الشعبية، فهو ذو مرجعية ليبرالية، وهو يشتغل وفق الممكن ممكن والغير ممكن غير ممكن، شأنه في ذالك شأن كل الأحزاب الليبرالية وهي مرجعية عبرت عن قدرتها ونجاعتها عبر عقود من الزمن. أما حزب التقدم والاشتراكية، فهو حزب لم تفهم مرجعيته الأساسية، فهو يشتغل مع الاشتراكيين، ومع الليبراليين ومع الإسلاميين، وإن كانت مرجعية هذا الحزب عند تأسيسه "شيوعية"، وقد شارك في عدد من الحكومات دون أن يكون له وزن ثقيل داخل البرلمان، ولكنه مكملا لنصاب الأغلبية الحكومية في غياب المنهجية الديمقراطية الانتخابية، من حيث الحصول على عدد المقاعد في مجلس النواب، أو من خلال تنافر الأحزاب الكبرى الممثلة في البرلمان بقوة، والحزب الذي تصدر القوائم الانتخابية الذي آلت إليه أحقية رئاسة الحكومة وتشكيلها بناء على مقتضيات الفصل 47 من دستور فاتح يوليوز 2011. وفيما يخص حزب الاستقلال فهو حزب وطني تاريخي ذو مرجعية في عمقها إسلامي معتدل ووسطي، وهو بهذه المرجعية حافظ على وجوده في المشهد السياسي منذ 70 سنة، ولازال قادرا بفضل قواعده الثابتة والدائمة في ربوع المملكة على الوجود القوي في المشهد السياسي بغض النظر عمن يتحمل مسؤولية أمانته العامة، فحزب الاستقلال لا يدار بواسطة الأمناء العامين فقط وإنما يستمد نشاطه وقوته من المبادئ والأهداف التي رسخها الأجداد في الأولاد والأحفاد عبر الحركة الوطنية إلى تأسيس الحزب وحتى إلى يومنا هذا، فأهداف حزب الاستقلال ومبادئه متوارثة وستظل تلازم مناضلي الحزب إلى اليوم الأخير من حياتهم، إلا النذر القليل من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة الذين يلتحقون بالحزب قصد قضاء مآرب فقط. وعلى الرغم من هذا وذاك، ودون مراجعة المرجعيات والأدبيات للأحزاب السياسية في المغرب ما قبل فاتح يوليوز 2011، وقبل ظهور حركة 20 فبراير، يمكن القول أن المواطن المغربي أراد التغيير سواء لأنه مل من بعض الأحزاب أو اختلطت عليه الأمور وسار يبحث عن حزب يمكن أن يحقق له تطلعاته من خلال إعادة النظر في الأحزاب السياسية والبحث عن تجربة جديدة، فوجد أمامه حزب العدالة والتنمية، لأن المواطن المغربي سموحا وأحيانا ينساق وراء الوعود، وأساسا عندما يكون هذا الحزب يمارس المعارضة والمشاكسة ولم يسبق له أن تحمل أي مسؤولية حكومية. فكان حزب العدالة والتنمية الذي تصدر انتخابات 25/11/2011، هو وجهة حوالي مليون من الناخبين الذين توخوا فيه البديل المنتظر، لأن الناخب المغربي بصفة عامة أصبح واعيا تمام الوعي من أن تحديات المستقبل ليست هي تحديات الماضي، وأن من الماضي يتعلم المرء، والمستقبل يرتبط بالماضي وهذا نتيجة الوعي الثقافي والديمقراطي، والحس الاجتماعي والتطلع إلى غذ أفضل من خلال التغيير الإيجابي وتجديد النخب والعقليات، والتجديد في العقليات مطلب أساسي. من خلال هذه المبادئ السامية حظي حزب العدالة والتنمية بثقة الكثير من أصوات الناخبين وحصل على 107 مقعدا برلمانيا بوأته قيادة الحكومة من خلال أمينه العام الأستاذ عبد الإله بنكيران وبالتالي حصل على حصة الأسد في هذه الحكومة، وانتخابات 25/11/2011، قد اختلفت عن سابقاتها في السنوات الماضية وحتى القريبة منها التي شهدها المغرب سواء من حيث النزاهة والشفافية والمصداقية في ظل دستور قطع الصلة مع سلبيات الماضي، ومنح لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة لم يتمتع بها رئيس حكومة سابق، والناخب الذي منح ثقته لحزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة وهو صاحب الأمر والنهي وفق ما خوله له الدستور فيما يخص التنمية والعدالة الاجتماعية والعدل والاقتصاد والشغل وتوفير الحياة الكريمة للمواطن، فإن هذا الأخير إن خابت آماله في هذه الحكومة فهو لا يعرف غيره في تحمل مسؤولية المحاسبة من طرف المواطن المغربي، بناء على برنامجه الانتخابي الذي تعاهد من خلاله مع المواطنين بأن يترجمه على أرض الواقع وبالتالي تحقيق الأهداف والغايات التي يتطلع إليها كل مغربي ومغربية، وهذا هو ما قد يفقد حزب العدالة والتنمية مصداقيته إن لم يكن قد فقدها لما أحس المواطن المغربي بالصراعات الدائرة بين مكونات الحكومة ويتمثل هذا في خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة وهو المكون الأساسي للحكومة بعد حزب العدالة والتنمية، وخروج حزب الاستقلال إلى المعارضة لم يأت من فراغ وهو صاحب التجربة الطويلة والدهاء في معالجة الأمور، وبالتالي فالمواطن المغربي لم يلمس التغيير المنشود، بالقضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين محاكمة عادلة ، وإيجاد الحلول الناجعة للملفات العالقة الاجتماعية والاقتصادية، وإعادة الثقة في المؤسسات ذات الصلة بالمجتمع المدني والمرتبطة بخدمات الفرد والجماعة. المواطن ليس ملزما بقبول الأمر الواقع، بل من حقه أن يطمئن على مكتسباته وحقوقه المشروعة، وليس معني بالكلام داخل المعارضة ليس هو الأمر داخل الأغلبية الحكومية، أو أن الوعد من داخل المعارضة أو أثناء الحملات الانتخابية يصعب الوفاء به في مركز القرار... !، هذه ازدواجية غير مرغوب فيها، وعلى من لم يستطيع الوفاء بالوعد أو غير قادر على مواجهة التحديات الصعبة أو عراقيل العفاريت والتماسيح، والمشوشون من الأعلى و الأدنى، فالمغادرة الطوعية أحسن مخرج له لحفظ ماء الوجه، وهاهي الفرصة تدق أمام باب حزب العدالة والتنمية، وقد تكون هذه الفرصة أهم إنجاز من الوعود والحفاظ على المصداقية نسبيا.
وتلخيصا لهذا التحليل المتواضع فإن ارتباك عمل الحكومة والركود الاقتصادي يشكلان مصدر قلق للمواطنين وأما الاختفاء وراء مصطلحات العفاريت والتماسيح والمشوشون فقد مل منها المغاربة وأصبحوا لا يعيرون لها أي اهتمام، بل أصبحوا يعتبرونها تهريجا وتهربا من المسؤولية في غياب أي مجهود إصلاحي تنموي اقتصادي اجتماعي من شأنه أن يساعد على بقاء الدعم والمساندة لحزب العدالة والتنمية حتى أن يخرج من هذه الأزمة التي يتخبط فيها، والرابح الأول في هذه الحالة هو حزب الاستقلال الذي على الأقل التزم بتنفيذ وعيده في الوقت المناسب، وقد يؤهله هذا الالتزام ليتصدر القوائم الانتخابية في الاستحقاقات المقبلة تشاركا مع حزب الاتحاد الاشتراكي وإذا ما عدل الفصل 47 من الدستور وأصبح بدل الحزب / التحالف، والتحالف المقبل قد يضم كل من حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب الأصالة والمعاصرة ولم لا؟ حتى حزب التجمع الوطني للأحرار إن لم يكن عجلة الإغاثة الإضافية لاستكمال طريق هذه الحكومة الغير منسجمة والغير قادرة على السير في الطريق المليئة بالمنعرجات الصعبة الجبلية، والمفاجئات الغير المتوقعة، لأن المعارضة ستكون قاسية جدا الأمر الذي من شأنه أن يفقد حزب التجمع الوطني للأحرار مصداقيته خصوصا وانه منقسم على نفسه ويفتح المجال أمام الأحزاب السياسية التي نأت بنفسها عن هذه الحراكات والتشنجات التي سادت المشهد السياسي المغربي منذ تشكيل حكومة السيد بنكيران، الذي واجب على كل فاعل سياسي أو مدني احترامه، والامتثال لتعليماته كرئيس للحكومة، ورئيس الحكومة في بعض الدول يلقب بدولة الرئيس، وأنه يستمد سلطته من صناديق الاقتراع التي عليه هو الآخر احترامها، ومن تعدى حدوده في هذا الصدد بالقول أو الفعل فهو مجحد.