كلفة الانتخابات ابتداء من مساء أول أمس السبت أصبح عبد الإله بنكيران بدون أغلبية، ودخل الحزب الحاكم في أزمة سياسية كبيرة، وإضافة إلى كون قرار حزب الاستقلال بالانسحاب هو قرار سيادي، فإنه كذلك قرار موضوعي ومنطقي لأنه استجاب لرغبات برلمان الحزب الذي يمثل القاعدة، واستجاب لتطلعات الناخبين من جهة، وللسواد الأعظم من المغاربة، الذين تضرروا من سوء تدبير الحزب الحاكم وأمينه العام للشأن العام. لقد قال متدخلون في المجلس الوطني للاستقلال، إن بنكيران يتصرف ليس كرئيس للحكومة، ولكن كمرشد عام يريد من الأغلبية أن يحوموا حوله كمريدين، وليس كمواطنين ومسؤولين يدبرون الشأن العام بديمقراطية، ويقررون في الأمور الكبيرة والصغيرة وفق ما يمليه القانون. وقرار حزب الاستقلال استوجبته هذه اللحظة التاريخية، لأن الحزب الحاكم تحول إلى "حاكم بأمر الله"، يقرر لوحده ويرفض الجلوس في أي طاولة ومن أي نوع لأن الآخر ليس مريدا. وكذلك فإن قرار حزب الاستقلال ولو أنه تأخر كثيرا، ولكن مع ذلك فقد جاء بعدما سدت جميع أبواب الحوار مع بنكيران، فالكلام مع رئيس الحكومة ليلا يمحوه ضوء النهار، لذلك يمكن اعتبار قرار حزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة هو قرار يجب أن يقرأ على أنه هو "المنقذ" من الظلال، لأن المرشد العام يعتبر نفسه الآمر الناهي والباقي عفاريت وتماسيح ومشوشون وغير ذلك من الأوصاف. فما هي سيناريوهات المرحلة المقبلة؟ إن تشبث حزب الاستقلال بالمرجعية الدستورية ومن خلالها بالمؤسسات الدستورية وعلى رأسها جلالة الملك هو تأكيد على أن هناك انحرافا حصل في تدبير الشأن العام، وإحدى مؤسسات الدستور وهي الحكومة، ولابد من التأكيد على أن مؤسسة الحكومة وفق الدستور برئيسها تنبثق عن الأغلبية البرلمانية، ولكن يظل الملك باعتباره رئيس الدولة وحامي المؤسسات هو الذي يعين رئيس الحكومة ويعين الوزراء. لذلك فإن لجوء حزب الاستقلال إلى الملك هو لجوء للشرعية الدستورية وبالتالي محاولة إيقاف نزيف خرق الدستور من قبل الحزب الحاكم، لأنه لا يعقل أن تكون هناك أغلبية يمارس فيها فرد سلطة ديكتاتورية ولا يستشير باقي مكونات الأغلبية مثل ما وقع حين تم اتخاذ قرار تجميد 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار. إن السيناريو الأول يظل هو إعطاء جلالة الملك أوامره بإجراء تعديل حكومي من الأغلبية الحالية، يرضي حزب الاستقلال، الذي سيكون بإمكانه إزالة الوزراء المشوشين، والوزارات التي برأسين، وتصبح الأغلبية منسجمة، مما يمكنها من أداء مهامها بفعالية. أما السيناريو الثاني فهو خروج الاستقلال للمعارضة ومنح بنكيران فرصة البحث عن أغلبية جديدة وهنا سيكون هامش المناورة ضعيفا جدا، لأنه ليس أمامه سوى خيارين أحلاهما مر. الأول هو البام، وهو أمر مستبعد لأن بنكيران "زلق" مباشرة بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، حين قال إن البام خط أحمر، وفي علم السياسة ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم. الخيار الثاني هو التجمع الوطني للأحرار، وهنا أيضا بنكيران "زلق" خلال المفاوضات الأولى، حين قبل الحكم مع التجمع لكن دون رئيسه صلاح الدين مزوار الذي دخل في صراع مع العدالة والتنمية بعد تسريب وثائق سرية تخصه. هنا يطرح السؤال : هل يقبل بنكيران شروط أحد هذين الحزبين، وستكون شروطا عقابية بطبيعة الحال، حتى لا نقول انتقامية، أم أنه سيقبل الاستمرار مع الاستقلال بشروط عسيرة خاصة أنه الوحيد الذي يملك مفتاح الأغلبية. أما السيناريو الثالث فهو انتخابات سابقة لأوانها، وهنا لابد من الإحالة على تصريحات قياديين في العدالة والتنمية التي لا يمكن وصفها سوى بالصبيانية، والتي لا تنم عن أي مسؤولية أو حس وطني، ولا غيرة على المال العام، فالانتخابات كما يعلم الجميع هي مكلفة وتصل تكلفتها إلى أكثر من 50 مليارا، فكيف لحكومة قلصت من ميزانية الاستثمار، أن تفكر في صرف مزيد من المال في انتخابات فقط لأن الحزب الحاكم فشل في تدبير الشأن العام والانسجام مع أغلبيته، فهل المال العام"سايب" إلى درجة أن كل من هب ودب يتطاول من أجل صرفه.