لا يخفى على أحد المكانة التي أصبحت تحتلها القطاعات السمعية و البصرية و الاتصالاتية في النسيجين الاقتصادي و الاجتماعي لأي أمة من الأمم، خاصة مع الطفرات الكثيرة و المتسارعة التي يشهدها قطاع الاتصالات. فالابتكارات و الاختراعات، لا تنفك تأتي بالجديد و المبدع كل يوم بل و كل لحظة، من هواتف نقالة و حواسيب محمولة و لوحية، باختلاف أنواعها و شركات تصنيعها. و المغرب كغيره من الدول النامية، عول و يعول كثيرا على هذا القطاع الذي مازال يعتبره بقرة حلوب ضمن القطيع الذي يمتح منه الاقتصاد الوطني، نظرا لضخامة السوق الاستهلاكية الوطنية لهذا النوع من المنتوجات. بل و تعدت الحدود المحلية لتصير لقطاع الاتصالات فروع في عدد من دول القارة الإفريقية، مما يعني ضخ المزيد من السيولة لخزينة الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. و لعل سر نجاح أي شركة، رهين بمدى جودة سياستها التسويقية و مدى جاذبية عروضها لكافة شرائح زبنائها المفترضين. جودة كفيلة بغض أبصارهم عن باقي "شهيوات" الشركات الأخرى، في ظل منافسة نارية لا ترحم. غير أن المتتبع للظرفية الحالية التي تمر منها بلادنا، و هي مرحلة الامتحانات الإشهادية في مختلف الشعب و المستويات، يلحظ موائد دسمة من العروض " ساعات من المكالمات،أرصدة إضافية، رسائل قصيرة عديدة..." كل ذلك بأثمنة مغرية تستهوي المعدم الفقير قبل الغني الموسر. و هنا يطرح السؤال الكبير و العريض: لماذا بالضبط هذا السيل العرم من العروض، و هذا السخاء و العطاء، في ظرفية خاصة كهذه؟؟؟ أليست الدولة في حرب ضروس ضد الغش في الامتحانات؟ ألا تعلم هذه الشركات أن أفضل وسائل الغش الحالية هي أجهزة الاتصال ( هواتف، حواسيب محمولة و لوحية...)؟ ألا يجدر بالروح الوطنية أن تستلزم تكاثف جهود كل الأطراف حتى يتم إحباط كل محولات النيل من تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب؟ ليس الواجب أن نتوعد الأساتذة و التلاميذ بالسجن و العقوبات الزجرية، بقدر ما الواجب هو حل المشكلة من جذورها، فنتساءل حينها عن أسباب هذه الظاهرة ( الوقت لا يسعنا هنا للإحاطة بها)، و عن الوسائل التي تستعمل فيها. فإذا كان الغش يتم عبر استعمال وسائل الاتصال، فلم لا تأخذ الشركات الوصية المبادرة فتحجب الشبكة ولو في حيز مكاني ضيق لا يتجاوز مراكز الامتحانات؟ وإن كان يتم عبر استعمال" الحروزة" أو التصغير، فلم لا يتم تنبيه أرباب محلات تصوير الوثائق و مقاهي الأنترنت، لجسامة الخطأ المرتكب حتى لا يكونوا يدا في نشر الفساد؟
الحل لمواجهة الغش في الامتحانات الاشهادية سهل و في المتناول، لكن الإرادة هي الشيء الأصعب، فلتكن شركات الاتصالات و أرباب المحلات السالفة الذكر الطرف الأهم في محاربة هذه الظاهرة المسرطنة لجسدنا الاجتماعي و الاقتصادي، حتى يجسدوا الروح الوطنية في أبهى تجلياتها... تجليا يتجاوز كل ما هو ربحي براغماتي.