لقد أصبح في هذا الزمن الرديء ،كل من هب ودب يدعي النضال والبطولة و الريادة،ويسمي نفسه دون أن يسميه الآخرون"مناضلا" .. حتى أحزاب السلطة التي تناسلت خلال مدة وجيزة من الزمن السياسي المغربي الردئ، أصبحت تسمي منتسبيها مناضلين، فأضحت كلمة "مناضل" تعني كل منتم أومنتسب لحزب ما، فتساوى في النضال المعارض للسلطة و المنبطح ، والمكافح القديم ومن لا تاريخ ولا مرجعية له، إنه زمن المسخ السياسي حقا..كثر المناضلون وعزّ النضال والعطاء .. لذلك ولأسباب كثيرة ، نود وضع النقط على الحروف ، ونحاول التوضيح قدر الممكن ونؤطر كلمة " مناضل" في موضعها الصحيح،كيلا تختلط المفاهيم، ولا تلتبس الأدوار،شهادة للتاريخ والوطن، واستحضارا لروح شهداء النضال الحقيقي وشهداء الوطن .. فمن هو المناضل حقا ؟؟ المناضل ليس هو المعارض للنظام والداعي إلى إسقاطه،ولا ذاك الذي يملأ الدنيا صخبا هنا وهناك، تارة مستنكرا وأخرى منددا، ومرات أخرى متظاهرا وشاجبا..نعم كل ذلك يدخل في باب النضال ولكن.. ما ذا بعد الشجب والتنديد والتظاهر و و؟؟ المناضل هو إنسان أولا قبل أن يكون شيئا آخر.. كائن يعلي من قيمة الإنسانية إلى درجة التقديس الذي تستحقه . المناضل هو الذي يوقف حياته على قضية الحرية بمعناها المجرد: حرية العقل والضمير واليد ، حرية المعتقد والإيمان والممارسة.. المناضل لا ينفصل عن مجتمعه،ولا ينزوي بين معتقداته وأفكاره بحيث يجعل منها سياجا يطوقه.. ولا يستعلي على الناس بممارساته ،ولا يعتقد أن العناية الإلهية قد اختارته لقيادة الأمة وزعامتها.. المناضل هو الذي يؤمن بأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع،بل هو ضمير المجتمع ،الممثل لقيمه العليا في أبهى صورها.. هو القدوة في الممارسة و السلوك،الموضح الشارح لقيم الحرية والعدالة و المساواة،هو الملهم للآخرين ، وهو الذي يؤمن أن شعبه يستحق الأفضل والأحسن . ليس المناضل كهؤلاء المختبئين وراء بذلاتهم وربطات أعناقهم من النوع الممتاز،أصحاب النفوس التواقة إلى الحلول السهلة المائعة التي لا لون لها،اللاهثين وراء المظاهر الخداعة ، والإثراء المذموم.هؤلاء هم السياسيون، ليس كل السياسيين طبعا الذين يملؤون الدنيا ضجيجا،ويظل إناء أفعالهم فارغا، الذين لا تعنيهم مصلحة الشعب والوطن إلا بقدر ما تقربهم من السلطة، أو تحفظ لهم زعامتهم ومكانتهم في حياتهم، وتضمن توريثها لأبنائهم بعد مماتهم.. تقصر عزائمهم عند ملاحقة تطلعات شعوبهم،فيظهر تقزمهم في المواقف، ونبدو ضحالتهم حين تشتعل المعارك الكبرى للوطن. نحن زعماؤنا وقادتنا كثيرون، ولكن ليس من بينهم مناضل.. هم سياسيون فحسب،يشتغلون بالسياسة كما يشتغل عشاق الكرة بفرقهم،لا تكاد تجد لهم موقفا تؤطرهم فيه، أو تصنيفا تصنفهم من خلاله، تعددت الزعامات وعز الفعل، وتعددت المواقف وعز الحزم والحسم .. نحين نحتاج إلى أبطال يلهموننا لنتعرف قيمة الحياة،ومن ثم تعرف القيمة الحقيقية لكوننا بشر، ويعيدون إحساسنا بالتاريخ وبانتمائنا إلى الأرض والوطن، نحتاج إلى ملهمين بقيمة مانديلا أو المهاتما أو جيفارا أو شاعر اسبانيا لوركا أو شاعر مبدعا وثائرا ملهما مثل بابلو نيرودا..
هذا لا يعني أنه ليس لنا أبطال، بل هم كثر وفي كل العصور، غير أن ما ينقصهم هو الشجاعة الكافية لتقدم الصفوف ، واقتناص قبس الشرارة من الشعب،ووضعها في المشعل ورفعه فوق الهامات ، منارا يضيء درب الساعين إلى الحقيقة والخلاص..شباب كثر منتشرين في الجمعيات والنوادي وحركات التغيير،متواجدون في المستشفيات ودور الأيتام وساحات الجامعات، يقومون بأعمال عظيمة، ويقدمون تضحيات جسيمة،يحملون الوعي وينشرون المعرفة، ويأخذون بأيدي المرضى و العجزة والأيتام، لكنهم عاجزون عن التقدم لقيادة الوطن.بعضهم مكبل بأحزاب القادة و الزعماء،وبعضهم مقيد بالعرف والعادة.
نحتاج إلى مناضلينا الحقيقيين الذين أضحوا نزلاء دائمون في سجون ومعتقلات الظلام، أو مقيمين قسرا في ديارهم وذالك في أحسن الأحوال منزوين عن شعوبهم،متقوعين داخل أفكارهم، لا يجدون مساحة للتعبير عن ذواتهم ولا عن الآخرين،هم ضحايا ظلم السياسة وفساد الساسة وانحطاط القيم .. ضحايا زمن المسخ والرداءة والخبث .