بدخول اليسار المعارض اللعبة السياسية بالمغرب يكون المخزن قد دق أخر مسمار في نعش الصراع السياسي وبسط سلطانه على كل مناحي الحياة بالمملكة الفاضلة ,بعدما ظل المشهد السياسي المغربي ملتهبا شكل وقوده طرفي صراع :المخزن وأذياله الحزبية الأحزاب الإدارية واليمينية واليسار السبعيني الذي كان ينازعه في اختصاصاته ويبحث عن موطئ قدم في صناعة القرار من منطلق انه لسان قسم عظيم من أبناء هذا الوطن "كان ذلك سابقا" وذهب اليسار آنذاك في عهده الذهبي بالقول والتبني انه مع الشعب قلبا وقالبا وان الوطن إذا ضاق أو عجز عن أخد أفراد الشعب المقهورين ,المسحوقين وهمومهم فأكتاف الرفاق وقلوبهم رهن الإشارة . كان الصراع فعلا ينم عن وجود معنى للسياسة وجدية الرسائل ومكانة الحزب السياسي وكان تأسيس الحزب اشد من شرب العلقم او قلع الأضراس وتقلد المسؤولية فيه جهاد ما فوقه جهاد ,كان للبيان معنى وللبلاغ معنى وللمؤتمر معنى وللافتتاحية معنى وللكلمات قوة ووقع وكان التجمع نضال ومناضلي الأحزاب عظماء كبار ,لا اقصد معمرين على رئاسة أحزابهم كما هو الحال اليوم ,بل كبار في نقاشهم في مفاهيمهم في طموحاتهم التي كانت بحجم الإيمان بعزة الوطن والتضحية من أجله .أما اليوم وبعدما تم ترويض الجميع لو لنقل بشكل أدق بعدما تم ترويض ما لم يكن مروضا –إلا من رحم ربك – اليوم إذن تنتهي ملحمة الجمر والرصاص وصافح الضحية الجلاد وتوارى الكل الى الوراء واستبدل أوغاد التاريخ أقمصتهم في مقابل ذلك يزداد حجم المخزن والمخزنيين والطفيلين الذين لا يعيشون إلا في المستنقع وصار جاثما على الشعب المنكسر بعدما صار يتيما ,ينتهي عهد السياسة الزاهي الحارق ولم يحقق الا الفتات وانقلب الكثيرون رأس على عقب ضد الماضي وتنكروا إليه واغتسلوا من مبادئه وقضاياه ونسوا ان رفاقا كانوا بجنبهم ماتوا وهم يحلمون بإتمام الرسالة التي لم يمهلهم القدر من اجل توقيع نهايتها فخانوا بفعلتهم الوصية و غيروا منحى الرسالة المسطر سلفا . انتهى زمن السياسة بالمغرب وانتهى زمن الفكر النبيل والتضحية والإخلاص والصلابة والجلد والمبدأ وانتهى زمن الطيبون وفسح المجال لزمن الرداءة والرديئين والحربائيين وازدحمت المقصورة الحزبية بعدما كانت فارغة الا من المؤمنين بالرسائل الوطنية وثمنها فساد المغرب موجة برود سياسي أدخلت كل قضايا الشعب الحارقة في ثلاجة المخزن وانتهت مكانة الحزب والنقابة وأصبح وجودهما شبيه بعدمهما وصار حزبيو أخر الزمن يميلون حيثما مالت ريح المخزن وبارت أغنية الشعب في سوق السياسة وارتفعت مؤشرات أغنية المخزن صار البياض السياسي يملأ الوطن ويمحو أثار كل حس سياسي حقيقي وشرعت الأبواب للخردة السياسية وسلطت عليها الأضواء وأغدق المخزن عليها امتيازاته وأمواله وإعلامه وصارت بين ليلة وضحاها تشكل أرقاما في الاستحقاقات الوهمية وصارت تحرث الوطن طولا وعرضا ليس بقوة مطالبها وجدية رسائلها وعمق خطابها بل بمخزنيتها وولاءها لسماسرة هذا الوطن ولوبياته ومصاصي دماء شعبه واستطاعت ان تزين اهذابها بضمائر باعت تاريخها ومبادئها وتملصت من وعد قطعته مع شعبها ورفاق لم يمهلهم الزمن من اجل استكمال مشوار كانوا قد بدؤوه فاحترقوا من اجل ان ينيروا الطريق لتحقيق الرسالة النبيلة ,من اجل دراهم معدودة أو منصب عند وزير مفترض . ان الشعب المغربي اليوم صار يطرح سؤالا عريضا ليس من اجل الإجابة عنه لكن من باب المرارة واليأس الذي يملأ قلبه مفاده هل نحن في حاجة إلى أحزاب لكي نعيش اليوم ؟ ماذا لو هاش المغاربة بدون عناء حزبي اليوم؟ اذا كان الحزب بالأمس هو من الشعب واليه هو الرئة التي يتنفس بها فإنه لم يعد كذلك اليوم فالأحزاب اليوم تجعل من الشعب وهمومه قنطرة لتحقيق أهداف وغايات شرذمة من الانتهازيين والوصوليين كما ان الأحزاب اليوم لم تعد معروفة الأدوار فادا كانت بالأمس تنشأ لتصارع من اجل السلطة والتداول عليها وتنفيذ برامجها فانها اليوم لا تجعل ذلك في حسبانها فما ان تنتهي الانتخابات حتى ينتهي خطاب البرامج والاوراش والوعود فالمخزن والمؤسسة الملكية هي صاحبة البرامج والاوراش والحلول اما الأحزاب فهي أجسام تنشط وتبارك وتزكي ان هي أرادت ان تضمن لنفسها الاستمرار ولأذيالها العيش لانها تعلم علم اليقين انها لا تمثل الا نفسها ولأدل على ذلك هو الانتخابات التشريعية الماضية ,فالمجتمع رافض للمسار الذي تمشي عليه الأمور رافض للعب وطرقه لذلك اختار الإضراب عن التصويت والصمت والنخال وهو ما استشعره الماسكون بزمام الامر وحاولوا تداركه في الاستحقاقات الجماعية الأخيرة ليس بطبيعة الحال من اجل بعث روح الثقة في المغاربة وتحقيق مطالبهم وفسح المجال للحراك السياسي الحقيقي بل فقط من اجل ستر المهزلة وإظهار صورة المغرب في عيون الأجانب .فكان ذلك بإلحاق النساء الى اللعبة الانتخابية الوهمية من جهة وفبركة حزب حصد النتائج قبل ان يستكمل أوراق تأسيسه مستغلا ولاء المخزن وإشاراته من جهة والأمية المتفشية في أوساط المجتمع والفراغ واليأس والفقر الذي ملأ الدنيا واضعف الضمير . إننا في مغرب جديد أنهى الصراع السياسي الحقيقي ودور الحزب فيه وفسح المجال للمخزن والمخزنيين ,فالأحزاب اليوم في ذمة الله والبقاء للمخزن ومن والاه .