شهدت مدينة الفنيدق في 15 شتنبر أحداثاً غير مسبوقة خلّفت استنفاراً أمنياً واسعاً، ونتجت عنها خسائر مادية ومعنوية كبيرة. الهجرة السرية التي كانت المحرك الأساسي لهذه الأحداث، لم تكن مجرد أزمة ظرفية، بل عكست تراكمات اجتماعية واقتصادية أدت إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل واضح. من المثير للاهتمام هو توافد مهاجرين من جنسيات متعددة ومدن مغربية مختلفة إلى المدينة، وكأن الفنيدق أصبحت نقطة عبور مثالية للحلم الأوروبي. هؤلاء المهاجرون، رغم تنوع خلفياتهم، يشاركون في فكرة واحدة: الهروب من واقعهم إلى حياة أفضل. هذه الأحداث جعلت السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هو: هل سيستيقظ هؤلاء من "حلم الهجرة"؟ أم أن الفكرة ستظل متجذرة، راسخة في عقولهم؟ الهجرة السرية في الفنيدق ليست ظاهرة جديدة، لكنها عرفت تصاعداً خطيراً في الآونة الأخيرة بسبب الضغوط الاقتصادية التي يعيشها سكان المنطقة. إغلاق معبر باب سبتة ضيّق سبل العيش وأجبر العديد من العائلات على اللجوء إلى الهجرة السرية كخيار أخير للهرب من الفقر والتهميش. مع تصاعد الأحداث في 15 شتنبر، أصبح واضحاً أن الأمن وحده لا يستطيع كبح جماح هذا الاندفاع نحو المجهول. فالواقع الاقتصادي والاجتماعي الهش يظل السبب الرئيسي الذي يدفع الشباب إلى المجازفة بحياتهم، بغض النظر عن المخاطر التي قد تواجههم. ورغم الجهود الأمنية والاقتصادية التي تبذلها الدولة، يبدو أن "فكرة الهجرة" قد تحوّلت إلى حلم جماعي لدى الشباب. هذه الفكرة تتغذى على قصص النجاح القليلة للمهاجرين الذين نجحوا في الوصول إلى الضفة الأخرى، وعلى الإحباط من غياب الفرص في الداخل. في هذا السياق، يمكن القول إن الهجرة ليست مجرد خيار، بل أصبحت ثقافة متجذرة في الوعي الجمعي للمنطقة، وفكرة و الفكرة لا تموت. إذا كان الحلم الأوروبي يدفع الشباب إلى ركوب المخاطر، فإن الحل لا يمكن أن يكون امنيا فقط. يجب أن يكون هناك حلول شاملة تركز على التنمية الاقتصادية وخلق فرص حقيقية للشباب. الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، وتشجيع ريادة الأعمال، وتقديم الدعم الاجتماعي، كلها خطوات ضرورية لإقناع هؤلاء الشباب بأن الحلم الحقيقي يمكن بناؤه هنا، وليس السباحة نحو المجهول. في الختام، أحداث 15 شتنبر ليست سوى جرس إنذار جديد يدق في مدينة الفنيدق. وما لم تتخذ السلطات والجهات المعنية إجراءات جذرية للتصدي للفقر والبطالة، فإن فكرة الهجرة ستظل قائمة، وربما أكثر قوة وإلحاحاً. لأن الهجرة، في نهاية المطاف، ليست حلماً فردياً بقدر ما هي تعبير عن واقع اجتماعي مأزوم، وفكرة يصعب القضاء عليها ما لم يتم معالجة الأسباب الحقيقية وراءها.