لا نخفي سعادتنا بقرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين الخمسة ، والشيخان محمد الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي ، ومعتقلي مجموعة التامك ومن معه ، والمعتقل الحقوقي شكيب الخياري ، كيف لا وهم خلف القضبان لسنوات ، لا لشيء سوى أنهم لا يتفقون مع سلطات الرباط في سياساتها ، لتزج بهم في السجون بتهم ثبت مع مرور الزمن أنها غير مقنعة . السلطات ستحاول عبر حملاتها للعلاقات العامة أن تحول تراجعها عن أخطائها بفعل الضغط الشعبي الذي تمارسه حركة 20 فبراير ، إلى تصوير المشهد وكأنه انفتاح سياسي حقيقي ، رغم أن الإفراج عن هؤلاء المعتقلين بقدر ما هو لحظة تاريخية نادرة في تاريخ المغرب ، لا يجب أن ينسينا العمل على تدشين لحظات أهم ببناء ديمقراطية مغربية تقطع مع مثل هذه الممارسات . على الشباب إذن أن يواصلوا مظاهراتهم السلمية في الشارع ، حتى تحقيق جميع المطالب المرفوعة إلى السلطة الحاكمة ، لأن تاريخ المخزن علمنا ارتداده عن مجموعة مكتسبات ظن مناضلو السبعينيات أنها مضمونة للشعب المغربي ، لتكشر العقلية الأمنية عن أنيابها كلما سنحت لها فرصة الانقضاض على الخصوم السياسيين للنظام ، لذلك تبقى اليقظة وطلب المزيد من المكتسبات مسألة إستراتيجية في صراع الشغب المغربي ضد الظلم والاستبداد . ففي الجانب السياسي على سبيل المثال ، ما زالت الأدوات السياسية للسلطة تشتغل في الميدان دون منافس ، بحيث لا يمكننا الحديث عن انفراج سياسي ، وحزب " الأصالة والمعاصرة " والذي يحظى برعاية فائقة من السلطة يجمع من حوله طغمة الانتهازيين المستفيدين من واقع الاستبداد والفساد ، في وقت مازال سياسيون مغاربة يحظر عليهم الاشتغال بالشأن العام فقط لأنهم عارضو توجهات النظام . وفي الجانب الاقتصادي ، لا زالت مؤسسات السلطة الاقتصادية هي اللاعب الأول في الميدان ، بحيث تمتص دماء المغاربة بأجور زهيدة ، لتكدس الأرباح في جيوب كبار الفاسدين بدون ضمان اجتماعي ولا حتى ضمانات التقاعد ، أما الأغلبية الساحقة من الساكنة النشيطة فلا تزال مواطن الشغل بعيدة المنال بالنسبة إليها ، لأن قواعد اللعب النظيف الاقتصادي شبه منعدمة ، وآليات توزيع الثروة ما زالت قرو – وسطية الطابع حيث الاحتكام للمال والجاه والنفوذ بدل الكفاءة والتكوين . علي أي ، معضلات كثيرة لا تزال بحاجة إلى معالجة هادئة وعميقة ، ونحن لا نبخس الناس أشياءهم ، فبدل الحديث كل سنة وكل عقد عن اعتقال هذا وتعذيب ذاك ، وعن تعليق نشاط الحزب الفلاني أو إقفال مقر الجريدة الفلانية ، حيث تجاوزتنا الكثير من الدول في طي مثل هذه الملفات والتي ترجع إلى مراحل الانسداد السياسي زمن الحرب الباردة وثورات بلدان أوربا الشرقية ، بدل الحديث عن كل هذا كان الأحرى بنا تطوير تجاربنا السياسية المغربية ، تجارب تنعكس على معاش كل مواطن مغربي وترتقي به إلى حياة أفضل وأرقى . في زمن الثورة المعلوماتية ، والتاريخ الذي يدون كل ساعة ودقيقة بجميع لغات الدنيا ، حذار أن نتحدث بعد سنة أو سنتين عن اعتقال هذا أو ذاك دون وجه حق ، فقد لا نستسيغ حينها أن يصدعوا رؤوسنا بالانفراج السياسي والإصلاحات الديمقراطية ، مع أننا غير مقتنعين لحد الآن أن المغرب يتغير بالفعل عدا بعض عمليات التجميل التي سرعان ما يتم الكشف عن زيفها مع مرور الزمن ، ونتمنى ألا نكون مخطئين . وفي الأخير ، نتوجه بأسمى عبارات التهنئة لجميع المعتقلين وعائلاتهم ، ونتمنى من خالص أعماقنا أن نشهد مغربا سعيدا بجميع أبناءه ، كما نوجه خالص الشكر لحركة 20 فبراير والتي أفزعت بولادتها وترعرعها في شوارع مدن المغرب وقراه معاقل الاستبداد في أرض يوسف بن تاشفين ، ونطالبها بالمزيد من النضال من أجل مغرب يتسع لجميع أبناءه ، والشكر موصول قبل ذلك إلى ثورة الشعبين التونسي والمصري ، ومفجراها محمد البوعزيزي وخالد سعيد واللذان أضاءا درب الحرية لجميع الشعوب المستضعفة والمقهورة .