رغم أنني غير مقتنع بترميم العقل وضعت هذا العنوان لكوني أشاهد و أعايش مرارا حوادث لا يقبلها عقل مكتمل الأركان و الوعي ، فأنا متيقن أن الترميم لا يمكن العمل به على عقل إنسان ، لأن العقل إما أن يكون واعيا أو جاهلا أو به خلل وليس مُحطما جزئيا أو كليا لايحتاج الترميم ، ومن هذا المنظور أرى عقول بعض الناس يجب تغير مفاهيمها و تصحيح ما اعتادت عليه من سلوك غير سوي أو سلوك هدام ، فوضعت كلمة ترميم و كأننا نرممها حتى لا تنهار نهائيا و تبتعد عن الواقع المأمول ، و العدل المنشود ، و الأخلاق المتوخاة ، و الصواب المحمود ، فبيننا يعيش أناس إنسانيتهم غير قارة نظرا لما يقومون به من أفعال و سلوك لا يلق بالإنسان ، الإنسان الذي فضله الله على سائر الكائنات ، قال تعالى :(( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) سورة الإسراء من الآية الكريمة نستخلص تكريم و تفضيل بني آدم على كثير من المخلوقات وهذا التفضيل يقول العلماء أوله العقل و التمييز بين الصالح و الطالح و بعده التدين بدين التوحيد و الهداية للعقيدة الصحيحة ....... ولا يمكن تصحيح المفاهيم إلا بتضافر الجهود بين مكونات المجتمع كله . الأسرة أولا ثم المدرسة ثم علماء الدين ثم المربون و المرشدون ثم الشارع ...... ، إما بالتلقين و التعليم ، أو التنبه و التصويب ، و إما بالقدوة الحسنة . فالطفل منذ نعومة أظافره يجب سقيه بالأخلاق الفاضلة و العلم النافع حسب طاقته الاستيعابية و البداية تكون من الأسرة ، فعلى الأسرة تربية أبناءها على السلوك القويم و الاحترام المتبادل بين كل أفراد العائلة و الشكر على عمل ما قام به الصغير ، و الطلب بالرجاء و ليس بالأمر ، و عدم فعل أي شيء أمام الأبناء يخدش الحياء ، و تعليمهم أن النظافة من الإيمان و أن الشارع هو امتداد للبيت ، فكما لا نرمي الزبالة داخل البيت و لا نتبول على جدران البيت لن نفعل ذلك خارجه بالأزقة أو الشوارع , و احترام الجار و كل كبير السن ، هكذا سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا في تصحيح المفاهيم. ثم المدرسة ، فيها يتم ترسيخ حب الوطن و ترسيخ الأخلاق و تعاليم الدين الحنيف الذي يحث على التعامل بالحسنى مع الاشخاص و الحيوان و النبات و الجماد ، وبعدها العلماء أو المرشدون الدينيون بتوجيه الشباب إلى الطريق المستقيم و نهيهم عن كل قبيح ، هكذا سيتم إنشاء جيل يفهم معنى الحياة الراقية السليمة و سيحترم نفسه قبل احترام الغير مبتعدا عن كل قبيح كالتعاطي لكل ما هو مدمر للعقل أو مخدش للحياء أو مؤذي للغير . فالمدرسة اليوم بل مناهج التعليم لا تمت بصلة بالأخلاق و لا الدّين ولا حب الوطن ، سابقا و قبل الاستقلال كانت المدرسة إلى غاية السبعينيات محل التربية الأخلاقية قبل العلمية ، مما أتذكر أن حارس المدرسة كان مربيا و محترما من قِبل التلاميذ ، كما كانت هناك مواد التربية الإسلامية و التربية الوطنية و مادة الأخلاق بنفس المعامل للمواد الأخرى ، أدبية و لغوية و علمية ، اليوم مناهج التعليم فارغة من محتوى الأخلاق و الدين و الشعور بالانتماء للوطن . فإذا انعدم الوازع الديني من عقل التلميذ انعدمت أخلاقه و حبه للوطن ، و إذا فسدت أخلاقه فلا دين و لا وطن ، و إذا أهمله وطنه لن يشعر بحبه و لا يحافظ على سلامته ولا رونقه و لا على اطمئنانه . هذا ما نجده اليوم في أغلب شبابنا ، لا حب الوطن ولا أخلاق و لا دين ، مجرد شباب مادي تافه تائه ...... ، طبعا لا أعمم هناك من الشباب من أخلاقه راقية و متعلم ومحب و نافع لوطنه ، لكنهم قلة ، و لا يمكن إصلاح ما فسد في أي مجال إلا بالتصحيح و الإصلاح . الدولة لها دوران اولهما إصلاح مناهج التعليم و جعله ثابتا لمدة طويلة وليس تغييره كل عام أو عامين كما قال المفكر المغربي عالم المستقبليات د. المهدي المنجرة رحمه الله : كل ما تغير وزير التعليم ، تغير المنهج ، هذا لا يجدي و لا يمكن أن يقدم لنا فوجا متعلما ناضجا صالحا و مميزا المنهج الدراسي في الابتدائي و الاعدادي يجب تزويد مادتي التربية الدينية و التربية الأخلاقية بمواضيع ترسخ مفهوم الدين المعامله. و جعلهما من المواد الأساسية و بمعامل محترم ، و لا نجاح بدون النجاح فيهما . ثانيهما وضع مخطط لإيجاد حل لكل المتخرجين من كل المستويات كي يجد كل منهم عملا قارا يكوّن به أسرته و يحفظ كرامته . أما بالنسبة لكل المواطنين فعلينا جميعا آباء و أمهات و أساتذة و موظفين و تجارا و مستخدمين التعامل فيما بيننا بالاحترام المتبادل لنكون القدوة لأطفالنا و شبابنا ، و على الدولة تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب و المحاسبة المنهجية لكل مسؤول على قطاع ما ، و التعامل القاسي مع المفسدين دون العودة إلى العفو كي لا تتكرر المفاسد . هكذا أرى و الله أعلم أن الحل للخلل الموجود حاليا في عقول الكثير منا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأخْلاقِ" و في رواية - صالح الأخلاق - الحديث صحيح الراوي أبو هريرة .
قال الشاعر أحمد شوقي رحمه الله : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت*** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا . فإذا أصيب أي شعب في أخلاقه *** فانتظر الفتن بين أهله
كن متيقنا أخي القارئ أختي القارئة أنه لا قوام و لا صلاح بدون تصحيح المفاهيم و إن شئت ترميم العقول .