بينما كان الكثير من المواطنات والمواطنين المغاربة يظنون أن اتفاق 26 دجنبر 2023 بين الحكومة في شخص اللجنة الوزارية الثلاثية وممثلي النقابات التعليمية الخمس "الأكثر تمثيلية"، سيسدل الستار على مسلسل الوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات المحلية والوطنية، التي شلت مؤسسات التعليم العمومي في كافة جهات المملكة على مدى ثلاثة شهور، وأدت إلى حرمان أزيد من سبعة مليون تلميذة وتلميذ من حقهم الدستوري في التعلم مثلهم مثل تلاميذ مؤسسات التعليم الخصوصي، وخاصة تلاميذ المستويات الإشهادية في السنوات: السادسة ابتدائي، الثالثة إعدادي والأولى والثانية من سلك البكالوريا. فإذا بهم يباغتون بإعلان التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي يضم 24 تنسيقية تعليمية فئوية مدعوما بالتنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب وتنسيقية أساتذة الثانوي التأهيلي عن مواصلة الإضراب، للتعبير عن الرفض المطلق لمخرجات الاتفاق الأخير، باعتباره اتفاقا لا يستجيب لمطالب الشغيلة التعليمية في حدها الأدنى، ولا يعمل سوى على تكريس الريع النقابي ومكافأة المتفرغين النقابيين، مطالبا وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بتلبية جميع المطالب المشروعة، ومنها سحب النظام الأساسي المجحف، إسقاط نظام التعاقد واسترجاع الأموال المقتطعة من أجور المضربين، وتنفيذ جميع الاتفاقيات والالتزامات السابقة دون قيد أو شرط، وتصحيح اختلالاتها والزيادة في الأجور والمعاشات وغيرها من المطالب الأخرى. كما لم يفته تقديم اعتذار للمتعلمين والمتعلمات وأسرهم، وتحميل المسؤولين تداعيات الحوارات المغشوشة والتعامل الانتقائي التمييزي مع فئات الشغيلة التعليمية... وهو الإصرار الذي أثار استياء وتذمر الرأي العام والوطني وخاصة آلاف الأسر المغربية ممن يتابع أبناؤها دراستهم بمؤسسات التعليم العمومي، حيث لم تستسغ الكثيرون أن تبذل الحكومة مجهودا استثنائيا قصد الاستجابة لعدد من المطالب بما فيها تعديل بعض مضامين النظام الأساسي وتجويد أخرى، تطييب خواطر نساء ورجال التعليم بزيادة غير مسبوقة في الأجور حددت في مبلغ 1500 درهم موزعة على سنتين، الشطر الأول ابتداء من فاتح يناير 2024 والشطر الثاني ابتداء من فاتح يناير 2025. فالنظام الأساسي الجديد لم يكشف فقط عن ضعف الحكومة في التعامل مع الاحتقان الذي شهدته الساحة التعليمية والتفاعل السريع مع احتجاجات ونساء رجال التعليم حفاظا على المصلحة الفضلى لأكثر من سبعة مليون متعلمة ومتعلم، بل أيضا عن تراجع دور النقابات التعليمية "الأكثر تمثيلية" في احتواء الوضع، رغم التوقيع على اتفاق 10 دجنبر 2023 واتفاق 26 دجنبر 2023، حيث استطاعت التنسيقيات التعليمية المنضوية تحت لواء التنسيق الوطني لموظفي التعليم أن تسرق الأضواء وتحشد عشرات الآلاف من العاملات والعاملين بقطاع التربية الوطنية في المسيرات الاحتجاجية قبل وبعد الاتفاقين المشار إليهما. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن ما يؤكد قوة التنسيق الوطني، هو أنه حتى بعد توقيع ممثلي النقابات التعليمية الخمس "الأكثر تمثيلية" مع اللجنة الوزارية الثلاثية محضر اتفاق 26 دجنبر 2023 تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش، دعا إلى إضراب وطني أيام 03 و04 و05 يناير 2024 مع تجسيد مسيرة ممركزة بالعاصمة الرباط يوم الخميس 4 يناير 2024، وهو ما استجاب له عشرات الآلاف من نساء ورجال التعليم مزاولين ومتقاعدين، حيث تعالت الأصوات للمطالبة بإقالة الوزير الوصي والتعبير عن تشبثها بمطالبها المشروعة، فضلا عن إدانة كل المحاولات الهادفة إلى ضرب وحدة صف التنسيقيات ومصادرة مكانة المدرسة العمومية، والتشديد على رفض الاتفاقات التي لم تنصف الفئات التعليمية المزاولة والمتقاعدة، والتأكيد على الاستمرار في البرنامج النضالي التصعيدي مهما كان الثمن باهظا. من هنا يمكن الجزم بما حققته التنسيقيات التعليمية من زخم كبير في الساحة التعليمية، مما يستدعي أن يسارع التنسيق الوطني إلى تأسيس نقابة تعليمية قوية وذات مصداقية، من شأنها الترافع الجاد على ملفات جميع الفئات دون أي تمييز، مادامت النقابات التعليمية فقدت شعبيتها وإشعاعها، بدل الاستمرار في استعراض العضلات داخل وخارج أسوار المؤسسات التعليمية. حيث لم يعد مقبولا لدى الأسر وكافة الجهات، أن تتواصل المسيرات والإضرابات الجهوية والمحلية والوطنية، لما لذلك من كلفة على مستقبل البلاد والأجيال الصاعدة، حتى أن عديد المواطنين يشككون اليوم في خلفيات رموز هذه التنسيقيات التي يجدر بها أن تتعقل وتستحضر المصلحة العليا للوطن وأبنائه من التلاميذ الأبرياء. إننا نأسف ليس فقط لما آلت إليه أوضاع تعليمنا من ترد، أخفقت في تجاوز أعطابه كل الجهود المضنية والميزانيات الضخمة التي رصدت للخطط والبرامج الرامية إلى محاولة إصلاحه، مما جعل منظومتنا التعليمية تواصل احتلال المراكز الأخيرة في التصنيفات الدولية، جراء السياسات الفاشلة وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الحكومات المتعاقبة، بل ونأسف كذلك لما ابتلينا به من أشخاص مندسين سقطوا سهوا على القطاع، ممن يدفعون نحو "سنة بيضاء" ويقامرون بمستقبل تلامذتنا. ولا غرو في أن ينحاز عديد المواطنين لقرار الوزارة الوصية القاضي بطرد العابثين الذين جردوا الإضراب من مضامينه، وذلك من خلال تطبيق مسطرة التغيب غير المشروع وترك الوظيفة دون سند قانوني في حقهم.