قدم منتدى "فكرة"، التابع مبادرة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تحليلا موجزا، سلط من خلال الضوء على زلزال الحوز المدمر، الذي خلف عددا من الشهداء والجرحى، حيث تناول جوانب مختلفة من هذه الأزمة التي شهدتها المملكة، وكيف التعامل معها من قبل السلطات المغربية، قبل أن يعرج للحديث عن الملاحم التضامنية التي أبهر بها المغاربة كل العالم. في هذا الإطار، أوضح منتدى "فكرة" في تحليله لحادث الزلزال، أن المغرب، شهد خلال الأسبوع المنصرم، واحدًا من أكثر الزلازل قوّة وفتكًا منذ زلزال أكادير في العام 1960، مشيرا إلى أن الزلزال جاء نتيجة تصدع سطحي مائل تحت سلسلة جبال الأطلس الكبير، ضرب إقليمالحوز يوم 8 سبتمبر 2023، بقوّة بلغت 6.8 درجات على مقياس ريختر، مخلفا أكثر من 2900 قتيل و5000 جريح، أغلبهم في أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة. وارتباطا بما جرى ذكره، أوضح المنتدى سالف الذكر أن الديوان الملكي، أعلن عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، عملًا بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مع القيام على الفور بإنشاء لجنة وزارية لوضع برنامج لترميم المنازل المتضررة وإعادة بنائها. وشدد تحليل المنتدى على أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره، أصدر توجيهات ملكية تقضي بتقديم المساعدة الفورية للفئات المتضررة من الزلزال، خاصة الأيتام، إلى جانب توفير الغذاء والماء والكساء والسكن المؤقت في المناطق المتضررة. وإلى جانب ذلك -يقول المنتدى- صدرت أوامر ملكية تقضي بتعزيز فرق البحث لتسريع عمليات الإنقاذ والإخلاء للجرحى، كما تمّ توجيه فرق للاستعداد لإجراء تقييم عاجل لأوضاع الأحياء السكنية في القرى المتضررة لتحديد إمكانية عودة السكان ونطاق الإصلاحات في المنازل الغير صالحة للسكن. في هذا الصدد، سلط المنتدى أضوائه على المجهودات التي قامت بها القوات المسلحة الملكية المغربية، من خلال نشر وحدات التدخل المتخصصة في المناطق المتضررة، بما في ذلك فرق البحث والإنقاذ والمستشفيات الميدانية، إلى جانب إيصال المساعدات الإغاثية إلى المناطق المتضررة من الزلزال. كما تطرق ذات التحليل إلى جهود الفرق الأمنية، من خلال لفت انتباه الجميع إلى تجميع الموارد لتقديم المساعدة اللازمة من أجل تقييم الأضرار وتوثيقها، وكذا دور وحدات الوقاية المدنية إلى جانب عناصر الإنقاذ المحليين في إزالة الركام من الطرقات لتسهيل وصول سيارات الإسعاف ومركبات الإغاثة إلى المناطق المتضررة بعد أن واجهت صعوبة نتيجة ازدحام الطرق وانسدادها في المناطق الجبلية بفعل الصخور المتساقطة. وأشاد المتدى بالحس التضامني للمغربة، حيث قال في هذا الصدد: "لاقت البلاد موجة من التضامن والحشد المجتمعي على نطاق واسع"، وتابع قائلا: "تآزر المغاربة من كلّ حدب وصوب لدعم المناطق المتضررة من الزلزال وتحديدًا تلك الواقعة في المناطق الجبلية النائية، بمن فيهم ناشطون من المجتمع المدني و مدافعون عن حقوق الإنسان وأفراد من المجتمع". وتابع المنتدى تحليله قائلا: "في مدن مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة، استجاب عشرات الآلاف من المغاربة لنداءات السلطات لتلبية الحاجة الملحّة للتبرع بالدم، ضمنهم أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم ومدرب الفريق وليد الركراكي الذين كانوا يستعدون لمباراة ضد ليبيريا في إطار تصفيات التأهيل إلى كأس الأمم الأفريقية (التي ألغيت لاحقًا بسبب الزلزال) تبرعوا بالدم ودعوا إلى التضامن مع الضحايا. كما ناشد مدير المديرية العامة للأمن الوطني كافة أفراد قطاع الأمن للتبرع بالدم لا سيّما في المناطق المتضررة". كما نوه المنتدى بمبادرات شعبية تم إطلاقها بهدف نقل المواد الغذائية والمياه والبطانيات والأدوية إلى القرى المتضررة، وأوّلها تلك التي لم تتلقّ المساعدات بعد، مشيرا إلى أن هذا التضامن العفوي والواسع النطاق لم يسهم في تقديم مساعدات أساسية للمناطق المتضررة فحسب، بل سلط الضوء أيضًا على القيم الإنسانية التي يتحلّى بها المغاربة في أوقات الأزمات ووحدة صفهم التي يشهد عليها التدفق المستمر للدعم الذي حوّل جهود الإنقاذ والإغاثة إلى مصدر فخر وطني. وشدد تحليل منتدى "فكرة" على أن هذه الاستجابة الجماعية، حظيت بما تستحقه من ثناء على المستوى الدولي، مشيرا إلى أن هذه الملاحم التي صنعها المغاربة، أكّدت استعداد المملكة لمواجهة هذه المأساة بمواردها الخاصة وبدعم شعبه، وهو ما تفاعل معه الإعلام الدولي الذي سليط الضوء -حسب ذات التحليل- على وحدة المغاربة اللافتة للنظر، مؤكدا أن موجة الدعم هذه من المنتظر تتواصل ، في إشارة إلى استمرار وصول شحنات المساعدات الكبيرة من مختلف المدن المغربية. كما أشار تحليل منتدى "فكرة" إلى أن الفاجعة ظهرت خطوات كبيرة على صعيد العمل الخيري في الاستجابة للزلزال. من قبيل إقدام الحكومة بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس على إنشاء حساب مصرفي خصص لجمع المساهمات والتبرعات لإغاثة ضحايا الزلزال، بالإضافة إلى انخراط منظمات غير حكومية في حملات لجمع الأموال والمساعدات، و إحداث لجنتا المالية والتنمية الاقتصادية في البرلمان المغربي حساب خزينة للإغاثة، بما يتماشى مع الإطار القانوني لهذه الحسابات المنصوص عليه في الدستور المغربي وقانون المالية. وسيلعب هذا الحساب المخصص بحسب المنتدى، دورًا محوريًا في تنسيق الموارد من أجل جهود الإغاثة الفورية والترميم وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الزلزال. وهذا كله يبرهن على التزام المغرب بالاستجابة الفعالة للكوارث الطبيعية وتعزيز قدراته على إدارة الكوارث، وفق ما جاء في تحليل منتدى "فكرة". وفي ذات السياق، أشاد المنتدى بجهود المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب، التي أعلنت عن مساهمة خيرية بقيمة 50 مليون درهم مغربي (5 ملايين دولار) لفائدة الصندوق الخاص للمساهمات التطوعية التضامنية، وأشار أيضا إلى تخلى الكثير من البنوك المغربية عن رسوم التحويل المعتادة في ما يخص المواطنين الذين يقدمون التبرعات إلى الحساب المصرفي الخاص، حيث قال في هذا الصدد: "اختارت مصارف مثل البنك الشعبي و بنك "سي آي إتش" عدم فرض رسوم على التحويل، متأثرة على الأرجح بالموقف الذي اتخذه بنك المغرب سابقًا بشأن هذه المسألة". وحول إدارة الجهود الدولية، أكد المنتدى أنه عقب انتشار نبأ المأساة التي ضربت المغرب، تدفقت عروض المساعدة من جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن بيان صادر عن وزارة الداخلية، أعلن أن السلطات المغربية "استجابت في هذه المرحلة بالذات لعروض الدعم التي قدمتها دول صديقة، من قبيل إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، قبل أن يؤكد وصول فرق من إسرائيل وتونس والسنغال إلى المناطق المتضررة، من أجل تقديم المساعدة الجهود المحلية في أعمال البحث والإنقاذ. كما جاءت عروض الدعم من دول مثل الولاياتالمتحدة وتونس وتركيا وغيرها. وشدد المنتدى أن الحكومة المغربية ربطت استجابتها لعروض المساعدات الدولية بما يتناسب مع احتياجاتها وقدراتها الحالية، حيث قال في هذا الصدد: "بعض المصادر صوّرت هذا الرد على أنه رفض للمساعدة الأجنبية، فقد يشير العدد المحدود لفرق الإنقاذ الدولية على الأرض إلى التعقيدات اللوجستية والتنظيمية في هذه المنطقة"، مشيرا إلى أن: "قبول المساعدات لا يقتصر فقط على تلقي السلع وتوزيعها على المحتاجين فحسب، بل يتطلب نهجًا جيد التنسيق يتضمن أحكامًا لوجستية وتنظيمية لتسهيل حسن سير عمليات المساعدة. وتتطلب هذه الجهود أعمالًا أساسية وموارد كبيرة، ما قد لا يتوفر بسهولة، لا سيّما في ظل الأزمة التي تواجهها السلطات المحلية في هذه اللحظة". في هذا الصدد، أوضح منتدى "فكرة" قائلا: "إن لم يتم إجراء تقييم شامل للأضرار والاحتياجات الفعلية لتوجيه الاستجابات للمساعدة الدولية، ثمة خطر بأن ينتهي الأمر بتوفر كمية هائلة من السلع غير الضرورية وتبديد الموظفين وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد عملية إدارة الأزمة بدلاً من حلّها. وفي ظل المشاكل اللوجستية الكامنة وحواجز الطرق والافتقار إلى خطوط النقل الكافية، أكد المنتدى أنه: "سيكون من الصعب استيعاب عدد كبير من فرق الإنقاذ الأجنبية ونقلها إلى المناطق المتضررة من دون تأخير جهود البحث والإنقاذ الجارية". إلى جانب ذلك، أشار تحليل المنتدى إلى أن: "الموقع الجغرافي للمناطق المتضررة، يمثل تحديًا كبيرًا أمام التنقل ما سيتطلب من الأفراد غير الملمين بها قدرًا كبيرًا من الوقت للتعرف عليها والتمكن من عبور الأرض الجبلية للمنطقة. وبهذا تساعد صعوبة الوضع من الناحية اللوجستية والجغرافية في تفسير إحجام المغرب عن قبول جميع عروض المساعدة الدولية بشكل عشوائي، إلا أن الحكومة أعلنت انفتاحها لتقبل المزيد من المساعدات الدولية مع مواكبة لأي تغيرات تطرأ على الوضع الحالي وبعد إجراء تقييمات دقيقة".