نصل إلى آخر مقال في الملف، وهو يتعلق بتعامل التيار الإسلامي مع الإنتاج الفني السمعي البصري، بل السمعي بالأخص.. والحق أن تقييم التعامل مع المجال الفني يجب أن يكون أعلى من هذا المستوى، وأعم من هذا التفييء. بل يجب أن يتم على مستوى "الدولة" بأجهزتها ومكوناتها. ذلك أن هذا المجال يعتبر أحد أهم روافع وركائز الحضارة في أيام الناس هذه.. ينشر ثقافتهم وأفكارهم، ويشهر بلدانهم ولغاتهم، ويشيع قيمهم، ويرسخ قدوتهم،،، وينمي صناعاتهم، ويوفر لهم فرص عمل، ويمدهم بدخل مادي مباشر،، وعبر الترويج السياحي.. لكن، ويا للأسف، فإن هذه الكنطونات المتخلفة لم تفلح في مجال هين أو ذي شأن!!!.. لم تفلح في دفع المهتمين من الفنانين والمختصين والمخرجين والمنتجين... لإنتاج ما يجب، وما ينفع الناس من أفلام تربوية تساعد في تربية النشء وتوجيهه، وأفلام وثائقية تعرّف ولو بمناطق البلاد وبما تضمه من آثار وتاريخ أو أقطاب جذب سياحي أو غيره، وأفلام تاريخية تعرف "المواطنين" تاريخ "بلادهم" القريب والبعيد، وتنشر بين العالمين مقومات الحضارة، متى وجد منها شيء، ودراما تعري الفساد المستشري في طبقات المجتمع ودواليب الدولة، وتقوّم الانحرافات السلوكية التي تغزو المجتمع... بل لا ينتجون حتى أفلام كرتون أو رسوما متحركة للصغار!!!.. بالنسبة للدراما على وجه الخصوص، وفي مجال الإنتاج المرتبط بتقييم ورقابة مؤسسات الدولة بالأخص، يلاحَظ أن الغرب الذي نسبة الفساد عنده مهملة بالمقارنة مع ما عندنا، يُنتج الكم الهائل من الإنتاجات التي تتعرض لتلك النسبة من الفساد في الأجهزة الحكومية، وفي الاقتصاد، وفي السجون، وفي كل المؤسسات، وعلى جميع المستويات، بما فيها رأس الدولة وأجهزتها الاستخباراتية والعسكرية... ونحن الغارقون في الفساد، أقصى ما ينتج "فنانونا" أفلاما عن "الدعارة" السافرة أو المقنعة،،، بذريعة "تصوير الواقع"، في انتقاء انتهازي مقيت لسوءات هذا الوااقع. وكأن هذا الفساد الذي يكاد يخنق أنفاس الناس هو خيال وليس واقعا، يجب تصويره والتشهير بهّ!!!.. أم تراهم يحجمون عن ذلك لأن مذاق الإقدام عليه مر، وتكلفته غالية؟؟!!!.. لكن، ولأن موضوع المقال مرتبط بتعامل تيار مجتمعي معين مع هذا المجال، فإني أعود إليه لأشهد أن الإنتاج الفني يعاني عند الإسلاميين من فقر مدقع، لا يساير، ولا حتى يقارب، معروض الإنتاج في المجالات الأخرى(الفكرية والنقدية والأدبية...)، كما لا يمثل حجم ولا مستوى المنتسبين والمتعاطفين والمؤيدين، سواء من حيث الكم، أو التنوع، أو الانتشار.. وإذا كان لغياب الإنتاجات السمعية البصرية "الضخمة" ما قد يبرره من عوز في الماديات واللوجيستيك، وربما تخصص، من جهة، وما يتعرض له التيار من حصار وإقصاء ومضايقات لا تشجع على الاستثمار المعتبر في ما يصعب استثماره بعرضه وإيصاله للجمهور، فإن الإنتاج السمعي الخاص بالأفراد أو المجموعات الصوتية، ورغم غزارته وانتشاره بين المنتسبين، بل وحتى كثير من غيرهم، إلا أنه ربما يكون قد حاصر نفسه عندما حصر مضمون كل إنتاجه في "ترانيم" و"تراتيل" عمودها وعمادها روحانيات، وإن كانت طيبة الذكر، عذبة الوقع، إلا أنها ربما تكون قد غالت في الانسلاخ عن دنيا الناس، وأمعنت في الترفع عن التعرض لمعيشه المستضعفين وهمومهم ومآسيهم... فهم، وإن كانت فيهم أرواح تطيب بالذكر، إلا أنهم لديهم أيضا أبدان تحتاج إلى المادة وتتوق إلى الراحة، ووجدان يرنو إلى العدل والحرية والكرامة،،، ويهفون، ويتلقفون من يعبر عن ذلك.. يتبع..